انتشرت في قطر خلال الآونة الأخيرة، ظاهرة تُصنف في إطار ممارسات النصب والاحتيال، عبر ادعاء استثمار الأموال في الأسهم أو السلع والمشغولات الذهبية، ما دعا الحكومة القطرية إلى تشديد إجراءات مكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية.
ويسلك المحتالون في الغالب أسلوبين: الأول يبدأ بتلقي المواطن أو المقيم اتصالاً هاتفياً من رقم محلي أو خارجي، وغالباً ما يكون المتصل فتاة أو سيدة تعرض خدمة الاستثمار وتملّك أسهم في شركات قطرية، كالبنوك، وحتى في بورصة قطر، مع الإغراء بربح مادي سريع، يصل إلى مئات الدولارات في اليوم الواحد.
أما الأسلوب الثاني، فيكون عبر نشر مادة تسجيل مصور أو إعلان مكتوب مع صور أو غرافيك عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو تطبيق واتساب، يدعو للاستثمار وتحصيل أرباح خيالية، أو ترويج بضائع متنوعة، بعضها قطع من الذهب والحُليّ بأسعار زهيدة، تكون مقلدة وغير مطابقة للمواصفات.
وفي 24 سبتمبر/ أيلول الماضي كشفت وزارة الداخلية القطرية، عن تمكن إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية من القبض على 64 شخصاً من جنسيات مختلفة لقيامهم بعمليات احتيال على آخرين بانتحال صفة شركات استثمارية وإنشاء شركات وهمية لتحصيل مبالغ مالية بغرض إخراجها خارج البلاد.
وأوضحت الوزارة، عبر حسابها الرسمي على منصة إكس (تويتر سابقاً) ، أنه بمواجهة المتهمين اعترفوا بما نسـب إليهم وعثر بحوزتهم على 4 ملايين ريال (1.09 مليون دولار) وعملات أجنبية أخرى وأجهزة إلكترونية تستخدم للاحتيال.
خسائر الجرائم الإلكترونية تكلف العالم 255 ألف دولار في الثانية الواحدة
وفي 30 مارس/ آذار 2023 حذرت هيئة قطر للأسواق المالية، المستثمرين من التعامل مع شركات مشبوهة، وطالبت المستثمر بتجاهل ما يصله من اتصالات أو إعلانات أو رسائل نصية لشركات تعرض خدماتها التمويلية والاستثمارية في حال عدم خضوعها للجهة الرقابية الرسمية، وأكدت الهيئة في حسابها على "تويتر" أنه في الآونة الأخيرة تكررت إعلانات مشبوهة لشركات تروّج الادخار وتدعو إليه وإلى إدارة الاستثمار لديها، من أجل الحصول على عوائد ومبالغ مالية.
وحذرت من التعامل مع مثل هذه الشركات دون التأكد من حصولها على التراخيص اللازمة لمزاولة تلك الأنشطة من قبل الجهات المعنية بالدولة، وذلك تفادياً لعمليات الاحتيال.
الحبس والغرامة للمحتالين
وتشددت قطر مع مثل هذه الجرائم المنتشرة حول العالم، وأصدرت عام 2014 قانوناً لمكافحة الجرائم الإلكترونية، وأحدثت إدارة لمكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية، تختص بالتحقيق وجمع الاستدلالات في الجرائم المنصوص عليها في القانون المذكور.
وزارة الداخلية القطرية، حذرت عبر صفحتها على منصة "إكس" من التجاوب مع الرسائل والمكالمات مجهولة المصدر التي تطلب البيانات والمعلومات الشخصية والبنكية
ويقول المستشار القانوني، مهند سالم العلي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن إيهام المواطن أو المقيم بأرباح مالية "خيالية" عبر اتصالات هاتفية أو المواقع الإلكترونية، ومنها منصات التواصل الاجتماعي، سواء من قبل شركات أو أشخاص، يدخل في إطار الاحتيال، ويعاقب فاعله، حسب المادة التاسعة من القانون رقم 14 لسنة 2014، بالحبس مدة لا تتجاوز 3 سنوات، وبالغرامة التي لا تزيد على 100 ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في تهديد أو ابتزاز شخص، لحمله على القيام بعمل أو الامتناع عنه.
وأشار العلي إلى أن القانون رفع الغرامة إلى ما لا يزيد على 200 ألف ريال (54.9 ألف دولار)، في خمس حالات من هذه الأفعال، وتشمل كل من استخدام أو حصل أو سهل الحصول دون وجه حق على أرقام أو بيانات بطاقة تعامل إلكتروني من طريق الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، ومن زور بطاقة تعامل إلكتروني بأي وسيلة كانت، وكل من صنع أو حاز دون ترخيص أجهزة أو مواد تستخدم في إصدار أو تزوير بطاقات التعامل الإلكتروني، وفي الحالة الرابعة، لكل شخص استخدم أو سهل استخدام بطاقة تعامل إلكتروني مزورة مع علمه بذلك، وخامساً كل من قَبل بطاقات تعامل إلكتروني غير سارية أو مزورة أو مسروقة مع علمه بذلك.
ولفت المستشار القانوني إلى أن الجرائم الإلكترونية التي تندرج ضمن الابتزاز المادي والاحتيال، لم تأتِ لقصور في القانون، مؤكداً أن القانون القطري تنبه للأساليب الممكنة لارتكاب هذه الجريمة، ووضع العقوبات الرادعة لها.
وأشار إلى إحداث "إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية والإلكترونية"، التي تختص بتلقي البلاغات والشكاوى المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، وجمع الاستدلالات فيها، والقيام بأعمال التحرّي والتحقيق والتقصّي، والبحث عن مرتكبيها، كما تختص بالبحث والتحري في الجرائم الاقتصادية المختلفة، كالاستثمار دون ترخيص، والتزوير والتزييف، والصرافة دون ترخيص، والاحتيال المالي، والبطاقات الائتمانية، والتعدي على حقوق الملكية الفكرية، لافتاً إلى أنه يدخل ضمن اختصاصات الإدارة أيضاً البحث والتحري في الجرائم المرتبطة بالفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها.
وتقدم الجهات المالية، البنوك والعديد من المؤسسات الرسمية، إلى جانب وزارة الداخلية، رسائل توعوية، وتحذر بشكل مستمر، عبر مواقعها الإلكترونية وحساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، من التعامل مع الاتصالات الهاتفية، والإعلانات الوهمية، سواء من أشخاص أو شركات، تدعو المواطنين والمقيمين إلى الاستثمار أو تسويق البضائع أو التعامل بالعملات الإلكترونية، وغيرها من أساليب تحقيق الثروة سريعاً.
وحذرت وزارة الداخلية القطرية، عبر صفحتها على منصة "إكس" من التجاوب مع الرسائل والمكالمات مجهولة المصدر التي تطلب البيانات والمعلومات الشخصية والبنكية. وقالت الوزارةُ في مقطع مصور: إن حساباتك البنكية قد تكون عرضة للسرقة، وهاتفك المحمول قد يكون وسيلةً للمُحتالين.
وأشارت إلى أن المكالمة المشبوهة تبدأ بطريقة طبيعية، يُعرّف المحتال نفسه بأنه يعمل في شركة استثمارات، ويحاول إقناع الضحية بدخول صفقات استثمارية رابحة، وللتأكيد يرسل مستندات مزورة تحتوي على بيانات للشركة الاستثمارية، ويطلب من الضحية دفع مبالغ بسيطة لا تتجاوز 1000 ريال.
ولفتَ مقطع الفيديو إلى أنه في حال الموافقة يرسل رقم حساب بنكي داخل الدولة لإيهام الضحية بأن الشركة بالفعل محلية، وعقب تحويل المبلغ يُنشأ حساب تداول للضحية في موقع إلكتروني مزيف للشركة يتعين عليه تعبئة البيانات البنكية عبر صفحات دفع مزورة، ثم يطلب من الضحية بعد ذلك تحميل تطبيق يمكّن أي شخص من التحكم بالهاتف المحمول. ونبه المقطع إلى أن الشركة المشبوهة تُوهم الضحية بتحقيق عائدات مالية لإقناعه بإيداع مبالغ أكبر ليتمكن المحتال من اختراق الهاتف والدخول على تطبيقات البنك فيه، وإجراء عملية تحويل مالية من حسابات الضحية.
وأكدت الوزارة أنه "لحماية نفسك من الوقوع ضحية لهذه العمليات، تجنب الاستجابة لهذه المكالمات، وأبلغ عن أي رسائل أو مكالمات أو مواقع مشبوهة من خلال رابط البلاغات الاقتصادية والإلكترونية في أيقونة "تواصل معنا" بتطبيق "مطراش2"، ولا تكشف عن بياناتك المصرفية لأي جهة كانت".
المحتالون يتحدثون باسم شركات حقيقية
المقيم زياد الخالد، يقول لـ"العربي الجديد"، إنه رغم أن فترة إقامته في الدوحة لا تتعدى السنة، فقد تلقى العديد من الاتصالات على هاتفه المحمول، يدعوه المتصلون للاستثمار في شركات تعمل في السوق المحلي، مع تحقيق عوائد مادية مجزية، لافتاً إلى أن بعض المتصلين يعرضون خدماتهم للاستثمار في بورصة قطر، وأكد أنه لم يقع ضحية هؤلاء المحتالين، الذين يسعون لاستغلال الأشخاص وإغرائهم حتى يوثقوا معلوماتهم الشخصية، وكذلك بيانات حساباتهم البنكية.
وأعرب الخالد عن استغرابه من أن المتصلين، سواء عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو "واتساب" وغيرها من وسائل التواصل، يقدمون عناوين وأرقام هواتف وأسماء شركات موجودة في السوق المحلي.
وطالب الجهات المعنية في قطر بتكثيف حملاتها عبر وسائل التواصل وحتى وسائل الإعلام التقليدية، من تلفزيون وإذاعة وصحافة، لتوعية وتحذير المواطن والمقيم، من الانجرار وراء تلك الشركات التي تسعى لجمع الأموال وتهريبها خارج البلاد، ما يؤدي إلى الإضرار باقتصاد الدولة.
مقيمة أخرى فضّلت عم ذكر اسمها، شرحت لـ"العربي الجديد"، كيف وقعت ضحية احتيال إحدى الشركات التي ابتاعت منها، عبر الإنترنت، قطعة ذهبية عبارة عن سلسال وأيقونة، وبعد أن تسلمتها ذهبت بها إلى محل صاغة في الدوحة، لتكتشف أنها ليست ذهباً وثمنها لا يتجاوز 15 ريالاً.
وأوضحت أن الشركة التي تضع إعلانات بشكل مكثف على "الفيس بوك" وغيره من المواقع الإلكترونية، تضع بريداً إلكترونياً وأرقام هواتف في دولة خارج قطر، من أجل إرجاع البضاعة خلال أسبوع، لكنها لا ترد أبداً. وتساءلت مستغربة، كيف وصلت إليها القطعة التي طلبتها وكانت "مغشوشة" عبر إحدى شركات التوصيل في بيتها بالدوحة؟
شركات مشبوهة تروّج الاستثمار
هيئة قطر للأسواق المالية تحذر على الدوام من هذه الظاهرة، وقالت عبر حسابها الرسمي في"إكس": "تكرر في الآونة الأخيرة، ظهور إعلانات مشبوهة لشركات تدعو وتروج الادخار وإدارة الاستثمار لديها من أجل الحصول على عوائد ومبالغ مالية، وعليه، فإن هيئة قطر للأسواق المالية تحذر المستثمرين من التعامل مع مثل هذه الشركات دون التأكد من حصولها على التراخيص اللازمة لمزاولة تلك الأنشطة من قبل الجهات المعنية بالدولة، وذلك تفادياً لعمليات الاحتيال".
تقرير متخصص يتوقع أن تصل تكاليف الجرائم الإلكترونية العالمية إلى 10.5 تريليونات دولار سنوياً بحلول عام 2025، مقارنة بـ 3 تريليونات دولار في عام 2015
ويقول خبير التكنولوجيا والمعلوماتية، أحمد علي الشامي، لـ"العربي الجديد" إن الجرائم الإلكترونية في ازدياد في جميع دول العالم، وقطر ومنطقة الخليج من الدول المستهدفة، لأن الفاعلين أفراد وشركات يستهدفون الدول ذات الدخول المرتفعة.
وأكد الخبير أن النظام المالي في قطر قوي ويتمتع بأقصى معايير الأمان والسلامة المالية عالمياً، موضحاً أنه لا توجد في قطر ظاهرة الجرائم الإلكترونية في النظام المالي، بل حالات فردية، ونصح الجميع بعدم مشاركة البيانات والمعلومات عبر الهاتف، أو الرسائل، أو البريد الإلكتروني، أو نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، والحذر عند التعامل مع الرسائل مجهولة المصدر، وعدم الدخول على المواقع المشبوهة وغير الموثوقة، والإبلاغ عن الجرائم فوراً عبر تطبيق "مطراش2" التابع لوزارة الداخلية.
وحسب التقرير الرسمي للجرائم الإلكترونية لعام 2022، الصادر عن شركة "سايبر سيكيوريتي فينتشرز" الأميركية أن تصل تكاليف الجرائم الإلكترونية العالمية إلى 10.5 تريليونات دولار سنوياً بحلول عام 2025، مقارنة بـ 3 تريليونات دولار في عام 2015.
ويقدر التقرير أن تكلف الجريمة إلكترونية قرابة 8 تريليونات دولار في السنة، و667 مليار دولار في الشهر، 154 مليار دولار في الأسبوع، 21.9 مليار دولار في اليوم، نحو 913 مليون دولار في الساعة، 15.2 مليون دولار في الدقيقة، و255 ألف دولار في الثانية.