تواصل صناديق التحوط العالمية الاستثمار في أسهم شركات النفط والغاز الطبيعي، أو ما يُعرف بالطاقة الهيدروكربونية، رغم الضغوط الشعبية في أوروبا وأميركا للتحول من توليد الطاقة من المصادر التقليدية الملوثة للبيئة إلى الطاقة النظيفة.
وتبرر صناديق التحوط استثماراتها في شركات النفط والغاز الطبيعي، بقولها إن "الاستثمار في هذه الشركات سيدعم التحول نحو الطاقة النظيفة في المستقبل، لأنه سيوفر لها الاستثمارات اللازمة لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة".
لكن خبراء في استثمارات الطاقة يرون أن هذه التبريرات غير صحيحة، إذ أن الأهداف الرئيسية من الاستثمار في أسهم شركات النفط والغاز الطبيعي ترجع إلى الأرباح المتحققة لصناديق التحوط في هذا القطاع الذي ارتفعت أسعاره بمستويات لم تكن في الحسبان، وانعكس ذلك على أسعار أسهم شركات الطاقة التقليدية.
في هذا الشأن، يقول رئيس شركة "آبكس فاينانشيال سيرفيسز" الأميركية، مالي بيكر، "من الصعب تفادي المستثمرين ركوب موجة ارتفاع أسهم شركات الطاقة التقليدية". وينصح بيكر، في تعليقات نقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، المستثمرين، بشراء أسهم شركات النفط والغاز الكبرى، خاصة أسهم شركات أكسون موبيل وشيفرون.
وكالة الطاقة تتوقع أن يشهد العالم استثمارات بقيمة 750 مليار دولار في تقنيات الطاقة النظيفة والكفاءة هذا العام
وبينما تُعِد الشركات النفطية لإعلان بيانات الأرباح للربع الثالث من العام، فقد توقعت شركة "رايستاد إنيرجي" النرويجية لأبحاث الطاقة أن تتمكن شركات النفط الصخري من تحقيق دخل يصل إلى 195 مليار دولار خلال العام الجاري. وكانت هذه الشركات قد تعرضت لخسائر ضخمة خلال العام الماضي، بسبب جائحة كورونا.
ولاحظ خبراء أن معظم صناديق التحوط استثمرت مبالغ ضخمة في أسهم النفط والغاز الطبيعي خلال العام الجاري، كما هجر بعضهم شركات الطاقة النظيفة، وهو ما يمثل شبه انقلاب على قمة "الطاقة النظيفة" التي ستعقد مؤتمرها بعد أسبوع في مدينة غلاسكو شمالي إنكلترا.
وحسب تقرير بريتش بتروليوم السنوي عن الطاقة، فإن الوقود التقليدي من النفط والغاز الطبيعي والفحم لا يزال يمثل نسبة 83.1% من إجمالي الطاقة المستهلكة في العالم، وهو ما يعني أن العالم لا يزال بعيدا جداً عن أهداف التحرير من الغازات الهيدروكربونية الملوثة للجو والتي تتسبب في التسخين الحراري.
وتشير بيانات "داو جونز ماركت داتا" إلى أن أسهم شركات الطاقة التقليدية شهدت أكبر ارتفاعاتها خلال العام الجاري، بينما تراجع مؤشر الاستثمار في شركات الطاقة النظيفة بعد موجة التدفقات المالية الضخمة التي شهدتها في العام الماضي.
وحسب بيانات "داوجونز ماركت"، ارتفع مؤشر قطاع الطاقة التقليدية في المؤشر العام لقياس الأسهم الأميركي "ستاندرد آند بوورز 500" بنسبة 54% منذ بداية العام الجاري، ليتفوق على ارتفاع المؤشر العام لكل القطاعات المسجلة في البورصة، والذي بلغ نسبة 21%.
وحتى الفحم الحجري الأكثر خطراً على البيئة لا يزال يحظى بطلب كبير في آسيا، إذ ارتفعت أسعار الفحم الحجري بمعدلات لم تكن متوقعة، وسط الارتفاع الجنوني في أسعار توليد الطاقة من المصادر النظيفة، حيث ارتفع سعر الفحم الحجري في إندونيسيا، حسب بيانات " فاينانشيال تايمز" البريطانية، إلى 150 دولاراً للطن في الشهر الجاري، مقارنة بنحو 90 دولاراً للطن في يونيو/حزيران من العام الماضي. ورفعت إندونيسيا صادرات الفحم الحجري إلى الصين، من 17 طناً في أغسطس/آب الماضي إلى 21 طناً في سبتمبر/أيلول الماضي.
الاستثمار العالمي في قطاع الطاقة من المتوقع أن يرتفع بنسبة 10% خلال العام الجاري، ليصل إلى 1.9 تريليون دولار
ويرى مسؤولون أن نهاية استخدامات الفحم الحجري في توليد الطاقة لن تكون سريعة كما يعتقد البعض، وربما تأخذ عقوداً. في هذا الصدد، يقول سيرغي موخالنيكوف، مدير إدارة التعاون الاقتصادي الخارجي وتطوير أسواق الوقود بوزارة الطاقة الروسية، إن نهاية عصر الفحم على الأرجح ستكون قبل نهاية القرن الحالي، لكنها لن تكون سريعة.
وأشار موخالنيكوف إلى أن تحديد الفترة بالضبط أمر صعب، بسبب عدم وجود تطور تقني في قطاع الطاقة، وقال: "السؤال متى سيحدث ذلك لا يزال صعباً بالنسبة لي، لأنني لا أرى اختراقاً تقنياً من شأنه إعادة هيكلة قطاع الطاقة في العالم بشكل جذري مع ضمان المستوى المطلوب من الاستقرار والسعر".
ويرى خبراء أن الدول لا تزال تعاني من فقر الطاقة، واليوم يُعد الفحم من أرخص أنواع الطاقة، لذلك سيظل الفحم حتى عام 2040 أحد العناصر الأساسية لتوازن الطاقة.
من جانبها، قالت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير حديث، إن الاستثمار العالمي في قطاع الطاقة من المتوقع أن يرتفع بنسبة 10 بالمائة خلال العام الجاري 2021، ليصل إلى 1.9 تريليون دولار، ولكنه يظل غير كافٍ ليعوض الانخفاض المسجل في العام الماضي، بسبب جائحة كورونا.
وترى الوكالة، في تقريرها السنوي عن "استثمار الطاقة العالمي"، أن العالم سيشهد استثمارات بقيمة 750 مليار دولار في تقنيات الطاقة النظيفة والكفاءة هذا العام.
ويذكر أن أسعار الخامات النفطية ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات، مع استمرار شح الإمدادات العالمية، في ظل الطلب القوي على الوقود في أميركا وانتعاش الاقتصادات من ركود جائحة كورونا وتراجع المخزون.
وحسب قناة "سي أن بي سي" الأميركية، ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 62 سنتاً بما يعادل 0.7% إلى 84.38 دولارا للبرميل، في التعاملات الصباحية بلندن.
كما ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 56 سنتاً أو 0.7% إلى 86.09 دولارا للبرميل، بعد مكاسب الجمعة الماضية التي بلغت 1.1%.