شركات السيارات تكابد أزمة عميقة في تحمّل تكاليف الإنتاج

10 أكتوبر 2022
الشركات مهددة بخسارة شرائح من زبائنها نتيجة الغلاء وارتفاع فوائد القروض (Getty)
+ الخط -

تواجه صناعة السيارات مشكلة كبيرة في القدرة على تحمل التكاليف في ظروف التضخم المستفحل والفوائد المرتفعة والتوتر السياسي والعسكري القائم حاليا، خاصة عندما تكشف أي شركة مصنعة عن سيارات قائمة على مفهوم سقف وغطاء محرّك مصنوعين من الورق المعزّز.

تبلغ سرعة سيارة "أولي" Oli العاملة بالبطارية، والتي ظهرت الشهر الماضي من علامة "سيتروين" Citroën التجارية لشركة "ستيلانتيس إن في" Stellantis NV، نحو 68 ميلا أو 110 كيلومترات في الساعة وتزن نحو 1000 كيلوغرام تعادل 2200 رطل، وتكاليف إنتاجها آخذة في الازدياد.

ورغم أن سيارات الدفع الرباعي والشاحنات لا تزال تحظى بشعبية كبيرة، إلا أنها أصبحت باهظة الثمن أيضا، خاصة الإصدارات الكهربائية. كذلك فإن متوسط سعر السيارة الكهربائية المباعة في الولايات المتحدة يتجاوز الآن 66 ألف دولار.

اللافت كان الأسبوع الماضي حين رفعت شركة "فورد موتور" Ford Motor سعر شاحنتها الكهربائية الأكثر مبيعا من طراز "إف-150 لايتنينغ" F-150 Lightning للمرة الثانية في غضون شهرين تقريبا، ملقية باللائمة على ارتفاع تكاليف شراء المواد الخام.

وتهدد الأسعار المرتفعة انتعاش مبيعات السيارات في أعقاب وباء كورونا، تزامنا مع تقويضها التحوّل إلى السيارات العاملة بالطاقة الكهربائية. فحتى المستفيدون من هذا الاتجاه، مثل الملياردير إيلون ماسك Elon Musk رئيس شركة "تسلا" Tesla Inc، أقروا بأن الأسعار وصلت إلى "مستويات محرجة".

ومع انتهاء عصر الائتمان منخفض التكلفة وتأثيره سلبا على حركة البيع مع تنامي مخاوف الركود، سيحتاج صانعو السيارات إلى إيجاد طرق أخرى لتشجيع الزبائن على الإقبال على الشراء.

وبخلاف ذلك، تخاطرالشركات بأن يحل محلها منافسون أرخص أو وسائل نقل بديلة. وهم تحديدا أولئك الصانعون القادرون على تقديم سيارات للعملاء بدون زخرفة وبسعر مغر، كما هي الحال مثلا بالنسبة للعلامة التجارية "داسيا" Dacia ذات الميزانية المحدودة التابعة لـ"رينو إس إيه" SA Renault التي يمكن أن تستفيد من هذه الموجة، وفقا لتقرير أوردته شبكة "بلومبيرغ" الأميركية.

يُشار إلى أن النقص في أشباه الموصلات الذي أفسد الصناعة في الآونة الأخيرة قد بدأ يتحسن ببطء. إلا أن تكاليف التمويل تضغط بقوة الآن.

فقد بلغ متوسط سعر الفائدة على قرض السيارة الجديدة في الولايات المتحدة 5.7% في الربع الثالث من هذا العام، بينما ارتفع متوسط القسط الشهري إلى أكثر من 700 دولار، وتعهد واحد من كل 7 مستهلكين بدفع أكثر من 1000 دولار شهريا، وفقا لمحللين في "إدموندز" Edmunds.

ومن المرجح أن يشعر أي شخص يأمل في العثور على سيارة مستعملة رخيصة بخيبة أمل، إذ تميل قروض السيارات المستعملة إلى أن تكون أكثر تكلفة.

على ضوء التجربة التاريخية، كانت شركتا "جنرال موتورز" GM و"كرايسلر" Chrysler قد تقدمتا بطلب إفلاس عام 2009 إبان تداعيات أزمة الرهن العقاري، فيما تجنبت "فورد" بصعوبة مصيرا مشابها، عندما تسبب ارتفاع أسعار الوقود والمواد الخام في رفض المشترين للشاحنات وسيارات الدفع الرباعي التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود وتحولوا بدلا من ذلك إلى سيارات السيدان sedan الآسيوية الأكثر كفاءة في استهلاك مشتقات النفط.

وأصبحت الموارد المالية للمصنعين الآن في حالة أفضل بكثير. إذ لا تزال دفاتر الطلبات ممتلئة، ومخزونات التجار منخفضة ويبدو اتجاه سيارات الدفع الرباعي لا تراجع فيه. ومع ذلك، فهناك علامات متزايدة على حدوث "صدمة القدرة على تحمل التكاليف".

في الشهر الماضي، حذرت شركة "كارماكس" CarMax لبيع السيارات المستعملة بالتجزئة من أن ارتفاع الأسعار، وارتفاع معدلات الفائدة، وانخفاض ثقة المستهلك، كلها عوامل تؤثر على مبيعات السيارات المستعملة، وهذه غالبا ما تكون مؤشرا لما سيحدث لمبيعات السيارات الجديدة أيضا.

وحتى الآن، عانى العملاء أكثر من الشركات المصنعة. فقد حقق صانعو السيارات استفادة كاملة من نقص الرقائق عن طريق رفع الأسعار وتقليل حوافز الشراء وإعطاء الأولوية لإنتاج أغلى موديلاتهم.

كما أن معايير الانبعاثات الأكثر تشددا والحاجة إلى تضمين معدات الترفيه والسلامة باهظة الثمن قد أثرت فعلا في الحالة الاقتصادية لتصنيع المركبات الصغيرة.

وأصبحت عبارة "القيمة، وليس الأحجام" هي شعار الصناعة، وقد حققت العجائب في هوامش ربح شركات صناعة السيارات. لكن مثل هذا النهج "يترك فراغا محتملا في المبيعات يمكن للمنافسين الصينيين والعلامات التجارية منخفضة التكلفة أن تحاول ملأه"، كما قال الخبير في "جيفريز" فيليب هوشوا.

وهذا ينطبق بشكل خاص على السيارات الكهربائية لأن ولاء المستهلك للعلامة التجارية لم يتم ترسيخه بعد.

كما أن نحو 5% من مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا الغربية في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام كانت من شركات صناعة السيارات الصينية، وفقا لأبحاث "شميدت للسيارات".

فقد وسّعت شركة "بي.واي.دي" BYD الصينية حضورها أوروبيا الأسبوع الماضي بصفقة تضم 100 ألف سيارة مع شركة تأجير السيارات الألمانية "سيكست إس إي" Sixt SE.

وتستعد شركة "غرايت وول موتور" Great Wall Motor Co لشحن المركبات الكهربائية الصغيرة إلى أوروبا، رغم رسوم الاستيراد التي يفرضها الاتحاد الأوروبي بنسبة 10%.

ويمكن للحكومات أن تساعد المستهلكين الذين يعانون، من خلال دعم التأجير لمنخفضي الدخل أو تقديم حوافز شراء أكبر لأرخص النماذج الكهربائية.

فمن منظار المستهلك، تُعد إصلاحات الائتمان الضريبي لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، مع ذلك، نعمة مختلطة لأن التصنيع المحلي وقواعد توريد المواد الخام ستجعل الواردات الآسيوية الرخيصة أقل قدرة على المنافسة.

وهناك الكثير الذي يمكن أن تفعله صناعة السيارات بمفردها لخفض الأسعار. إذ يمكن للشركات أن تبدأ بالتخلي عن جزء من هوامش ربحها القياسية. كما يمكن للتجار أيضا تحمل ترك بعض المال على الطاولة، بحيث يصبح شعارهم لا مزيد من البيع فوق سعر التجزئة الموصى به. فقد يتم تقليل حصتهم من الكعكة المالية بشكل أكبر من خلال تعامل صانعي السيارات مباشرة مع المستهلكين، أو ما يسمى بنموذج الوكالة.

وقبل كل شيء، تحتاج صناعة السيارات إلى تركيز المزيد من جهودها على السيارات التي يمكن أن يتحملها العملاء العاديون.

ورغم أن "تسلا" لم تقدم نموذجا للميزانية المعقولة بعد، إلا أن "جنرال موتورز" خفضت سعر "شيفروليه بولت" Chevrolet Bolt رغم ارتفاع الطلب عليها والتزامها بإطلاق سيارة دفع رباعي تعمل بالبطارية عام 2024 بسعر 30 ألف دولار.

والرخيص لا يعني بالضرورة أنه غير جذاب. فسيارة "سبرينغ" الكهربائية من "داسيا" والتي صُنعت في الصين بكلفة 20 ألف يورو أو 19800 دولار قبل الحوافز، استقطبت أكثر من 30 ألف طلب عالمي في النصف الأول من هذا العام.

وبشكل عام، زادت  مبيعات "داسيا" 5.9% في تلك الفترة، وهي واحدة من العلامات التجارية الرئيسية القليلة التي تجنبت حدوث انخفاض في حركة البيع.

كذلك، فإن "ستيلانتيس" التي كان رئيسها التنفيذي كارلوس تافاريس صريحا بشأن أزمة القدرة على تحمل التكاليف، تتمتع أيضا بمكانة جيدة في السيارات ذات الميزانية المحدودة، ولا يقتصر ذلك فقط على مفاهيم مثل "أولي".

لقد كانت "فيات 500" Fiat 500 المصغرة هي الطراز الكهربائي الأكثر مبيعا في أوروبا الغربية في الربع الثاني، بمساعدة حملة تسويقية رائعة لليوناردو دي كابريو وقضايا الإنتاج  المرتبطة بشركة "تسلا" في الصين.

وماذا عن "سيتروين آمي" Citroën Ami؟ مع سرعة قصوى تبلغ 28 ميلا في الساعة وطول قدره 2.4 متر أو 8 أقدام فقط، توافرت هذه السيارة المصنوعة في المغرب بقسط 20 جنيها إسترلينيا فقط أو 22.5 دولارا أميركيا في الشهر، إضافة إلى إيداع قدره 2369 جنيها.

ورغم أنها ليست سيارة من الناحية الفنية، لأنه يمكن أن يقودها شخص عمره 14 عاما في أكثر أسواقها شعبية أو فرنسا، فإن هذه الدراجة الرباعية قد حققت أكثر من 23 ألف طلب أوروبي اعتبارا من يوليو/تموز.

وغالبا ما لا تكون السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات والشاحنات ذات الوزن الثقيل أفضل حل للتنقل بين المدن المزدحمة، لا سيما أثناء أزمة تكلفة المعيشة.

أما الدراجات الإلكترونية فهي تصبح الآن بديلا آخر جذابا على نحو متزايد.

وهذا ما يفرض على صانعي السيارات تسعير منتجاتهم بمستويات يستطيع المستهلكون العاديون تحملها، أو فإن الشركات تخاطر بمنع هؤلاء للأبد من تملك سيارات.

المساهمون