بينما يستمر بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) في محاربة التضخم بسياسات نقدية متشددة، وتتزايد التكهنات باقتراب دخول الاقتصاد الأميركي في ركودٍ لا يعرف أحد عمق تأثيره، تعمل شركات التكنولوجيا الكبرى على تخفيض نفقاتها وتكاليف الإنتاج لديها، استعداداً لشتاء قد يطول، تكون رياحه في الأغلب معاكسة.
وأشارت تقارير حديثة إلى توجه شركة غوغل (Google)، عملاق محركات البحث الإلكترونية، نحو الحد من سفر العاملين في الشركة، إلا "لحاجة العمل الحرجة"، في محاولة لتقليص المصروفات وتعويض الخسائر المتوقعة حال دخول البلاد في ركود اقتصادي، يتراجع معه عادةٍ إنفاق الشركات على الإعلانات، أحد أهم مصادر الدخل للشركة.
وفي رسالة إلكترونية مسربة، نشرها موقع ذا "إنفورميشن The Information" الإعلامي المختص بأخبار التكنولوجيا، طالبت غوغل المديرين العاملين لديها بقصر سفر الموظفين في إداراتهم على الأمور الحرجة للشركة، مؤكدة أن كلمة "الحرجة" تلك سيتم وضع معايير واضحة لها، تزيد من صعوبة ما يمكن أن يوصف بها من مهام.
وقالت الشركة، المعروفة بكثرة عقدها لمناسبات اجتماعية، تشمل السفر والتجمعات العائلية للموظفين للترفيه عنهم، إنه "لا ينبغي بعد الآن الموافقة على لقاءات التواصل الاجتماعي، وتجمعات تعزيز روح الفريق، والسفر للمشاركة في اجتماعات تقدم خيارًا افتراضيًا، مع تحميل الشركة التكاليف".
والأسبوع الماضي، نقلت وكالة "رويترز" عن شركة سناب (Snap)، صاحبة منصة التواصل الاجتماعي التي تحمل نفس الاسم، توجهها نحو تسريح ما يقرب من عشرين بالمائة من العاملين لديها، بالإضافة إلى إلغاء العديد من المشروعات التي كانت تخطط لها، وتشمل ألعاب الهواتف الذكية وتطبيقات أخرى لا مثيل لها، في محاولة للتعامل مع معدل التضخم الذي يسود البلاد، وما قد يليه من ركود، يؤثران بالتأكيد على صناعة الإعلان.
وقالت الشركة، التي تستحوذ الإعلانات على نسبة كبيرة من إيراداتها إن هذه الخطوات ستسمح بتوفير ما يقرب من خمسمائة مليون دولار سنوياً.
وقبل يومين، وفي مواجهة تراجع حاد في الاشتراكات، أعلنت منصة عرض الأفلام والمسلسلات الشهيرة نتفليكس "Netflix" نيتها تخفيض إنفاقها من خلال التخلي عن البصمة العقارية التي كانت تنوي تنميتها خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى الحد من إنفاقها غير الضروري على الموظفين وتجمعاتهم الترفيهية، كما التحكم في تكاليف مشاريع الحوسبة السحابية التي كانت تنوي التوسع فيها.
وبعد أن تخلت عن أربعمائة موظف منذ بداية العام، معظمهم من أصحاب الأجور المرتفعة، قالت الشركة إنها طلبت توظيف المزيد من المبتدئين الذين لا يطلبون رواتب مرتفعة. وأعلنت الشركة نيتها المحافظة على مستويات الإنفاق الحالية على الأفلام والبرامج الجديدة، وعدم المجازفة بالتوسع في الإنفاق على هذا البند.
وعلى نحو متصل، تستعد أمازون "Amazon"، عملاق تجارة التجزئة، لإلغاء وظائف من منظمة أمازون كير، شركة الخدمات الصحية التابعة لأمازون، بعد إعلانها أنها ستوقف تقديم خدمة الرعاية الصحية عن بعد في نهاية هذا العام.
وتقول الشركة إنها ستتخلى عن 159 عاملا لديها في شركة الخدمات الصحية، بالإضافة إلى ما يقرب من 236 موظفا آخر في شركة تابعة أيضاً، كانت تقوم بتدريب عاملي أمازون على تقديم الخدمات الصحية، اعتباراً من أول ديسمبر / كانون الأول من العام الحالي.
وخلال الربع الثاني من العام الحالي، خفضت أمازون عدد موظفيها 99 ألف شخص، وصولاً إلى 1.52 مليون موظف، واتخذت خطوات لتقليص قوتها العاملة أكثر من ذلك، رغبةً منها في خفض تكاليف التشغيل، بعد زيادة عدد موظفيها ومستودعاتها بوتيرة غير مسبوقة خلال جائحة كوفيد – 19.
واعتبرت إحدى المديرات التنفيذيات بواحدة من أكبر شركات التكنولوجيا المالية ضمن شركات "إس آند بي 500" أن هذه التحركات من الشركات تبدو منطقية مع حالة عدم اليقين السائدة حالياً في الأسواق، خاصة أن الشركات لا تستطيع تقدير حجم الطلب المتوقع حال دخول البلاد في ركود.
وأكدت المسؤولة التي طلبت عدم ذكر اسمها، في تصريحات لـ "العربي الجديد" أن "هذا هو حال شركات التكنولوجيا دائماً، حيث تزيد من التعيينات في أوقات الانتعاش والنمو، بينما تسارع إلى تسريح العاملين عند الاقتراب من الركود".
وأضافت أن "المشكلة هي أن مثل هذه التحركات من الشركات ربما تتسبب في تسريع دخول الاقتصاد في ركود، كونها تقلل الأجور، وبالتالي تحد من الطلب".