خسرت شركات التقنية الصينية الكبرى نحو 255 مليار دولار من قيمتها السوقية منذ يوم الثلاثاء بسبب صراع النفوذ الجاري بين الحزب الشيوعي الذي يسعى للحد من نفوذ مليارديرات التقنية المتزايد في الاقتصاد الصيني وبين المليارديرات الذين يملكون شركات التقنية وخدمات الإنترنت وينتقدون الجهات التشريعية في الحزب الشيوعي.
ولاحظ خبراء في الشؤون الصينية، أن الصراع يتزايد بين الأثرياء والحزب الشيوعي الحاكم في الصين تبعاً لتزايد عدد المليارديرات الذين خلقتهم ثورة التقنية والإنترنت بالبلاد. وبات هذا الصراع يهدد أسواق المال الصينية التي شهدت أكبر انتعاشة لها خلال العام الجاري، إذ فاق حجمها السوقي 10 ترليونات دولار لأول مرة خلال الشهر الماضي، قبل أن تتعرض لانتكاسة كبرى منذ يوم الثلاثاء.
ويتنافس الأثرياء والحزب الشيوعي على إدارة الثروة في البلاد. إذ بات نفوذ المال المتزايد في السوق الصيني يتضارب مع نفوذ اللجان المركزية بالحزب الشيوعي التي تسعى لفرض السيطرة الكاملة على النشاط الاقتصادي والمالي بالصين. ويبدو من الصعب توصيف النظام الذي يحكم الصين في الوقت الراهن، إذ إنها دولة ترفع العلم الشيوعي وليست شيوعية ويبنى نظامها على الأسس الرأسمالية وليست دولة ديمقراطية أو ليبرالية، وربما يمكن أن يطلق على النظام الحاكم في الصين "أوليغارشيا رأس المال".
وفي الثلاثاء الماضي أعلنت الحكومة الصينية عن إجراءات جديدة للحد من نفوذ واحتكار شركات الإنترنت والتقنية للسوق الصيني، وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات لا تزال في طور المقترح ولم تتحول إلى قوانين إلا أنها بثت الرعب في السوق ورقعت من مخاوف كبار ملاك شركات التقنية.
وحسب تحليل لشركة نومورا اليابانية يوم الثلاثاء، فإن هذه الإجراءات أغضبت كبار الأثرياء والمستثمرين في شركات التقنية، خاصة بعد الخسائر الضخمة التي تكبدتها شركات التقنية في أسعار أسهمها. ومنذ يوم الثلاثاء الماضي خسرت شركات التقنية الصينية الكبرى نحو 255 ملياردولار من قيمتها السوقية. إذ هبط سعر سهم علي بابا كبرى شركات مبيعات الإنترنت بنحو 9.8% من قيمته لتخسر الشركة نحو 97 مليار دولار، كما خسرت أسهم شركة "جي دي كوم" نحو 26 مليار دولار وخسر سهم تينسنت نحو 6.0% في سوق هونغ كونغ، كما خسر سهم ميتوان، وهي شركة تقنية جديدة، نحو 10% يوم الثلاثاء و6.0% يوم الأربعاء، أي خسر نحو 16% من قيمته في يومين. كما علقت الحكومة الصينية الاكتتاب الأولي لشركة "آنت" البالغ قيمته 35 مليار دولار، وهي شركة يملكها الملياردير الصيني جاك ما، وربما يكلف تعليق الاكتتاب الشركة نحو 50% من قيمتها السوقية.
في هذا الشأن، قال جيفري هالي، كبير محللي أسواق آسيا بشركة أونادا للوساطة المالية في آسيا، "الحكومة الصينية قلقة من تنامي حجم شركات التقنية واحتمال احتكارها للسوق الصيني". من جانبها قالت شركة نومورا اليابانية للوساطة المالية في تحليل، "نعتقد أنه في حال تحول هذه الإجراءات إلى قانون فإنها ستضعف شركات التقنية ومنصات تقديم الخدمات المالية في الصين".
وبدأ صراع النفوذ بين الأثرياء والجهات التشريعية بالحزب الشيوعي الحاكم في الصين حينما انتقد الملياردير جاك ما، مؤسس شركة "علي بابا" الذي تقدر ثروته بنحو 60 مليار دولار، قبل أسابيع السلطات التشريعية في الحكومة الصينية بعد اقتراح الإجراءات. وكان رد الحكومة الصينية تعليق اكتتاب شركة "آنت" التي يملكها جاك ما، وهو ما اعتبرته جهات غربية بأنه خطوة أولى عقابية للملياردير جاك ما. وهنالك مخاوف من أن تكون السلطات الصينية قد اعتقلت جاك ما، الذي لم تظهر له أية تعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي منذ أسبوع، حسب ما ذكرت كل من صحيفة "واشنطن بوست" ووكالة بلومبيرغ.
وبينما تقول الحكومة الصينية إن الإجراءات المقترحة ستعمل لصالح تنظيم سوق التقنية وخدماتها، يرى أصحاب شركات التقنية عكس ذلك. وحسب بيان الحكومة، فإن مسودة القوانين المؤلفة من 22 صفحة والصادرة عن إدارة الدولة لضبط السوق للمرة الأولى، تعمل على الحد من سلوكيات الاحتكار ومحاربة السلوكيات المناهضة للمنافسة الحرة بالنسبة لقطاع التقنية بالبلاد. وتسعى القوانين الجديدة إلى منع الشركات من مشاركة بيانات حساسة عن المستهلكين، ومحاربة سلوكيات إخراج المنافسين الصغار من السوق والبيع بخسارة من أجل القضاء على المنافسين. ولكن في المقابل تضيق القوانين الخناق أيضاً على المنصات التي تجبر الشركات على الدخول في ترتيبات حصرية. كما تستهدف القوانين أيضا الشركات التي تعامل الزبائن بصورة مختلفة بناء على بياناتهم وعاداتهم الشرائية.
ويذكر أن شركة "هورون" التي تعنى بشؤون الثروة والأثرياء ومقرها شنغهاي، قد كشفت أن عدد المليارديرات الجدد في الصين تجاوز نظراءهم في الولايات المتحدة خلال العام الماضي. وبلغ عدد المليارديرات في الصين خلال العام الماضي نحو 799 مليارديرا بحساب مليارديرات هونغ كونغ وتايوان. ويذكر أن السلطات الصينية كانت اصدرت إجراءات في العام الماضي لتقييد حركة رأس المال وأجازت قوانين صارمة للتحويلات المالية إلى خارج الصين. وهي خطوات اتخذتها لجان الحزب الشيوعي لتقليص نفوذ الأثرياء المتزايد بالصين.