شركات البناء في الجزائر تنتظر إنقاذاً حكومياً

30 اغسطس 2022
تراجع عائدات النفط دفع الحكومة لتقليص الإنفاق على الكثير من المشروعات (فرانس برس)
+ الخط -

تواجه الكثير من الشركات الجزائرية الناشطة في مجال البناء والأشغال العامة، أزمات مالية تعرض بعضها للإفلاس، مع تواصل التقشف الحكومي في الإنفاق على البنية التحتية، بينما يرتهن مصير هذه الشركات بالمشروعات التي تطرحها الحكومة بين الحين والآخر.

وتفاقمت الصعوبات التي تواجهها الشركات منذ سياسة شد الحزام التي اتبعتها الدولة في أعقاب تفشي جائحة فيروس كورونا قبل عامين. يقول عمار قاضي، المدير التنفيذي في إحدى شركات البناء والأشغال العامة: "عانينا مطلع 2016 من تقلص الإنفاق على المشروعات الحكومية لكننا تنفسنا الصعداء ما بين 2018 و2020، قبل أن تأتي أزمة كورونا لتوجه ضربة قاضية لمعظم الشركات، حيث لم تطلق الجهات الحكومية التي تعودنا العمل معها أي مناقصة في الأشغال العامة".

يضيف قاضي لـ"العربي الجديد" أن "شح المشاريع بات يهدد مستقبل شركتي، فحتى المشاريع القليلة التي أنجزناها السنة الماضية لم نتلق بعد مستحقاتها"، مشيرا إلى أنه بانتظار صرف قيمة ثلاث فواتير من قبل جهات حكومية عدة منذ سبتمبر/أيلول 2021.

وفي السنوات الماضية أي قبل الأزمة الصحية والمالية، كانت مستحقات قاضي، تُصرف كل 20 يوماً، وفق تأكيده، لافتا إلى أن قطاع الأشغال العامة الأكثر تضرراً من الأزمة المالية التي واجهت الاقتصاد الجزائري، والتي زادت من حدتها مخلفات وباء كورونا.

ويلفت قاضي، إلى أن الحكومة أوقف المئات من المشاريع، منها تجميد ورشة توسعة خطوط مترو الجزائر العاصمة بسبب نقص الأموال، وأجزاء من الطرق السريعة، ما يهدد بمزيد من الانكماش الذي بات يخيم على قطاع الأشغال العامة، وأدى إلى تراجع نمو القطاع بنحو 30% بحسب أرقام الحكومة ذاتها الصادرة في قانون الموازنة العامة 2022.

ويعتبر قطاع الأشغال العامة والبناء من القطاعات التي كانت لها الحصة الأكبر من الإنفاق الحكومي الموجه إلى البنية التحتية والمقدر بحوالي 800 مليار دولار منذ سنة 2000، أي منذ وصول الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم، حيث ظل بقاء القطاع مرهونا بمدى ارتفاع الاستثمارات العمومية، لكن ما إن هوت عائدات النفط قبل نحو سبع سنوات حتى انحسر الإنفاق على القطاع الذي يشكل 20% من إجمالي الناتج الداخلي حسب الديوان الجزائري للإحصاء.

يقول عبد القادر سويات، مدير شركة مقاولات إنه "وضع حصيلة مالية سلبية سنتي 2020 و2021 لدى مصالح الضرائب، واضطر إلى التخلي عن 40 عاملا منذ جمود نشاط الشركة، فالسنة الماضية جمدت وزارتا الصحة والبريد مشروعين فزت بهما فيما بقي المشروع الثالث متوقفا عند نسبة 30% جراء تجميد الميزانية من طرف مصالح محافظة المدية (100 كيلومتر جنوب غرب العاصمة)". يضيف سويات لـ"العربي الجديد" أن "تجميد المشاريع الحكومية أثر بشكل كبير على حياة شركات المقاولات والبناء العام، فالقطاع كان يعيش على الاستثمارات العمومية".

وفي ظل سيطرة الجمود على نشاط قطاع الأشغال العامة، باتت مصاريف العمال تثقل كاهل ملاك الشركات، ما دفعها إلى تسريح الآلاف من العمال سواء المتخصصين في البناء أو التشطيبات. وفي السياق يقول خالد سلاوي، الذي يعمل مديرا في قطاع التأمينات، إن "كثيراً من المؤسسات المختصة في الأشغال العامة والبناء تجد صعوبة في دفع الاقتطاعات الدورية للتأمين على المشاريع، لأنها لم تتلق مستحقاتها المالية، خاصةً وأن كل مشاريعها تأتي من الصفقات العمومية، بل بلغ الأمر بالعديد منها الى عدم التأمين على العمال، في السنتين الماضيتين".

وأمام هذه الأزمة، يرتهن الحل حسب الفاعلين في القطاع، إلى الانتعاشة التي تسجلها عائدات النفط منذ بداية السنة، التي ستضخ جرعة أوكسجين في شرايين القطاع. وتتوقع الحكومة أن ترتفع عائدات النفط إلى 50 مليار دولار بنهاية السنة الحالية، مقابل 26 مليار دولار السنة الماضية، ما يوسع من هامش تحركها لإنجار الكثير من المشروعات العمومية العام المقبل.

ويقول عبد المؤمن بوهالي، رئيس جمعية المقاولين الجزائريين لـ"العربي الجديد" إن "من أصل 4200 شركة مقاولات وأشغال عامة تنشط في الجزائر، 2000 شركة مهددة بشبح الإفلاس المؤكد والتوقف عن النشاط بسبب شح المشاريع".

يضيف بوهالي أن "القطاع خسر قرابة 100 ألف فرصة عمل بين 2020 و2022، في حين بلغ حجم الديون المستحقة لدى الحكومة قرابة الملياري دولار في نفس الفترة"، مشيرا إلى أن "قطاع الأشغال العامة والبناء كان ضحية السياسة الخاطئة التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة على مدار عقود والتي فشلت في تحرير البلاد من التبعية إلى عائدات النفط".

المساهمون