تواصل المملكة العربية السعودية إدخال شركات التطوير العقاري الأجنبية إلى السوق المحلية، خاصة من تركيا والصين ومصر، في إطار تحقيق الأهداف الاقتصادية لرؤية المملكة 2030، ما جعل تصنيف مشروعات التطوير العقاري في السعودية الأضخم في العالم، بحسب تقدير قسم الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة الاستشارات العقارية البريطانية "نايت فرانك".
ومع الاقتراب من الموعد النهائي لتنفيذ رؤية المملكة الاستراتيجية، ارتفع عدد الوحدات السكنية المخطط لإنشائها بنسبة 30% في الأشهر الـ12 الماضية.
وتتضمن الرؤية بناء مئات الآلاف من المنازل بحلول 2030، إضافة إلى نحو 3.6 ملايين متر مربع من المساحات المكتبية. وفي هذا الإطار، أطلقت مجموعة "طلعت مصطفى" المصرية، في 10 سبتمبر/ أيلول الجاري، مشروع مدينة "بنان" في الرياض بكلفة إجمالية تناهز 40 مليار ريال (10.66 مليارات دولار)، وذلك بالشراكة مع "الشركة الوطنية للإسكان"، بهدف توفير حوالي 28 ألف وحدة سكنية.
وتمثل المنطقة الغربية من السعودية الجزء الأساسي من رؤية 2030، وفقاً لـ"نايت فرانك"، ومن المتوقع تسليم مشروعات عقارية فيها بقيمة 687 مليار دولار بحلول نهاية العقد، بما في ذلك "نيوم"، المدينة العملاقة التي تبلغ قيمتها 500 مليار دولار.
والرياض هي ثاني مناطق السعودية من حيث تركز المشروعات العقارية، في سياق إعادة تأهيلها كمركز تجاري ومالي للمملكة، وتستحوذ على 18% من إجمالي المشروعات العقارية الجاري تنفيذها.
تعميق السوق
يؤكد الخبير الاقتصادي إبراهيم العساف، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة السعودية تسعى إلى جذب مطورين عقاريين من تركيا وكوريا وماليزيا ومصر بهدف "تعميق السوق" وجعله بطابع دولي.
ويوضح العساف أن المطورين العقاريين السعوديين لديهم صبغة محلية في مشروعات الإنشاء، لكن اختلاطهم بتجارب عالمية قوية وقديمة وواسعة من شأنه أن يعمق السوق نظرا لحاجة السعوديين إلى السكن.
ونسبة كبيرة من السعوديين لا يملكون مساكن خاصة بهم، ولذا تسعى حكومة المملكة إلى توسيع عملية التملك، وهو ما لا يمكن أن يتم دون وجود مطورين عقاريين جدد، ومن خارج السوق المحلية، حسب العساف.
كسر الاحتكار
يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن السعودية تضع في اعتبارها، ووفق رؤية 2030، إيجاد وحدات سكنية، وتستهدف بناء 660 ألف وحدة، وهو ما تفيد المؤشرات بإمكانية تجاوزه مع نهاية تنفيذ الرؤية.
ويرى عايش أن المطورين العقاريين السعوديين غير قادرين على استكمال متطلبات الخطط الإنشائية السعودية في مجال الإسكان، مشيرا إلى وجود نوع من الاحتكار في السوق السعودية من قبل المطورين العقاريين المحليين، أدى إلى ارتفاع الكلفة وزيادة الأسعار.
كما أن نتائج أعمال بعض شركات التطوير العقاري المحلية في بعض الحالات كانت أقل من مستوى التوقعات على مستوى البنية التحتية والتجهيزات وتشطيب الوحدات السكنية، حسب عايش، الذي أشار إلى أن جذب المطورين العقاريين الأجانب إلى المملكة من شأنه الإسراع بتحقيق الخطط في مجال إنشاء الوحدات السكنية بشكل خاص، والقطاع العقاري والإنشائي بشكل عام، ما يضيف المزيد من التنوع في المعروض بالسوق.
كما أن جذب شركات عقارية من خارج المملكة يأتي بمزيد من التكنولوجيا الجديدة، التي تساهم في تنويع المعروض من وحدات الإسكان وتزيد سرعة الإنجاز، وتقلل تكاليف الإنشاء، وترفع كفاءة ما يتم إنجازه من خطط في هذا المجال، بحسب عايش.
تحسين الأداء
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن الخبرة الأجنبية ستدفع المطورين السعوديين إلى تحسين أدائهم والاستفادة من الخبرات الجديدة التي دخلت إلى السوق، وهو يشبه ما جرى في قطاع الرياضة السعودية، التي تستعين بكبار النجوم العالميين، خاصة في كرة القدم، ما ارتقى بجودة الأداء الكروي وصنع منه منتجا رائجا إقليميا وعالميا.
ويؤكد عايش، في هذا الصدد، أن السوق العقارية السعودية جاذبة، مشيرا إلى أن حجم استثمارات شركات القطاع يقترب من 70 مليار دولار، لكن هذه الاستثمارات كثيرا ما كانت تواجه مشكلة، تتمثل في اتساع الفجوة بين العرض والطلب العقاري، وتعثر أو تأخر التنفيذ، ولذا فإن الاستعانة بالمطورين من الخارج، يهدف إلى ردم هذه الفجوة.
ولما كان القطاع العقاري مؤثرا في النمو الاقتصادي العام للسعودية، فإن الجودة التقنية العالية للمكاتب التجارية مسألة جوهرية، وفق عايش، الذي أشار إلى أن المملكة اشترطت على الشركات أن تنقل مقراتها ومكاتبها والعاملين فيها إلى مدن سعودية مقابل حصولها على العقود الحكومية.