شح السلع يهدد بإغلاق واسع للمصانع والمتاجر في مصر

30 اغسطس 2022
مصنع لتجميع السيارات في مدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة (Getty)
+ الخط -

اختفت مئات السلع من فوق أرفف المحال والشركات التجارية، صغيرها وكبيرها، في الآونة الأخيرة في مصر، في الوقت الذي تتعالي تحذيرات المنتجين والتجار بمختلف تخصصاتهم من تمدد عدوى الإغلاق التي بدأت تنتشر أخيراً في بعض المناطق الصناعية، بفعل ندرة المواد الأولية الناتجة عن القيود المفروضة على الاستيراد منذ نحو خمسة أشهر.

ويتسرب التململ إلى أصحاب المصانع والشركات، بعد أن أوشك مخزونهم من البضائع ومستلزمات الإنتاج على النفاد، بينما يشاهد المصريون لأول مرة، معارض سيارات خاصة بوكلاء رسميين لشركات كبرى، ومنافذ بيع صغيرة خاوية من المنتجات.

فقد ضرب العجز الشديد في استيراد مكونات الإنتاج، صناعات السلع الكهربائية والهندسية، والغذائية والدباغة والجلود، والأخشاب ومنتجات الأثاث، والكهرباء والإلكترونيات، والزراعة، وحتى تجميع السيارات، ما دفع ممثلي الغرف التجارية والصناعية والإنشاءات، إلى تقديم مذكرات حول ما يعانونه إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، محذرين من توقف الأعمال وتسريح العمال.

موجات غلاء

وتأتي أزمة شح السلع في وقت تشهد فيه البلاد ارتفاعاً بالأساس في معدل التضخم، ما ينذر بموجات غلاء أكبر في البلد الذي يعاني ضغوطاً اقتصادية ومعيشية تزايدت حدتها مع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا وتداعياتها على الأسعار العالمية، فيما تعتمد مصر على استيراد نسبة كبيرة من احتياجاتها من الخارج، فضلا عن تراجع الجنيه بأكثر من 21% من قيمته أمام الدولار منذ نهاية مارس/آذار الماضي وسط توقعات بمزيد من الهبوط في الفترة المقبلة.

ولجأت بعض المصانع الكبرى في المدن الجديدة، مثل المدينة الصناعية في 6 أكتوبر (غرب القاهرة) للتوقف، أو تخفيض عدد نوبات العمل، في مصانع الملابس الجاهزة والغسالات والثلاجات، والمنتجات الغذائية، لعدم توافر خامات الإنتاج.

يؤكد محمد خميس شعبان، رئيس جمعية مستثمري 6 أكتوبر، أن المصانع بالمنطقة أصبحت مهددة بالغلق، مشيرا إلى أن بعضها يمتلك دولارات، من عوائد تصدير منتجاته للخارج، إلا أنه لا يستطيع شراء مكونات الصناعة التي يصدرها.

كما يؤكد أشرف شرباص، نائب رئيس شعبة السيارات في اتحاد الغرف التجارية، عدم وجود أية سيارات تامة الصنع، لدى الوكلاء أو المعارض، بما اضطر التجار إلى غلق باب الحجز تماماً، مع عدم القدرة على تحديد، فترة زمنية للأزمة التي يمر بها السوق حالياً.

تتزايد المشكلة في قطاع الملابس، حيث بدأت بعض المحال تغلق أبوابها تماماً أو تخفض عدد فروعها المنتشرة في المدن والمحافظات.

ورغم ارتفاع الأسعار بنحو 40%، على مدار 3 أشهر، إلا أن خبراء اقتصاد يتوقعون زيادة هذه النسبة، مع تراجع قيمة الجنيه، وعدم السماح للمصنعين باستيراد مكونات الإنتاج، في سوق ضخم يتعامل مع 103 ملايين شخص، يحتاجون 20% من الملابس المستوردة سنوياً، بينما تعتمد معظم الملابس المنتجة محلياً على مدخلات إنتاج ومعدات تامة الصنع من الخارج، لاسيما من الصين والهند وبنغلادش وتايوان وفيتنام.

تدبير العملة

ودفعت الأزمة العديد من أصحاب الأعمال إلى طلب مشترياتهم من الدولة عبر هيئة الشراء الموحد للاحتياجات الحكومية أو الهيئة العربية للتصنيع وأخرى تابعة لجهات سيادية، تضمن استيراد احتياجاتهم، وتدبير العملة من البنك المركزي.

تتخطى تلك الجهات طابور الانتظار في قوائم المستوردين في البنك المركزي، مقابل عمولة شراء تصل قيمتها إلى نحو 20% من قيمة كل صفقة، وفق مستوردين تحدثت معهم "العربي الجديد"، لافتين إلى أن قطاعات الأدوية والأغذية والمشروبات، والسيارات، الأكثر إقبالا على هذا الأمر.

كما تمتد تداعيات شح السلع إلى العام الدراسي الجديد. إذ يؤكد أحمد أبو جبل، رئيس شعبة الأدوات المكتبية، في اتصال مع "العربي الجديد"، استمرار وقف استيراد جميع الأدوات المكتبية، مشيرا إلى أنه لا توجد أي تسهيلات جديدة من الحكومة أو البنوك، رغم أن الموسم الدراسي على الأبواب.

ونفد مخزون المصانع والورش، ولم يعد أمام أصحابها والعمال إلا انتظار "الفرج"، وفق شريف يحيى رئيس شعبة الأحذية والمنتجات الجلدية، قائلا في اتصال مع " العربي الجديد": "لم يدخل البلاد أية أدوات تستخدم في تصنيع الأحذية والمنتجات الجلدية، منذ 4 أشهر، وتعمل المصانع الآن على ما لديها من مخزون".

يؤكد يحيى أن نقص معدات الإنتاج خلق بورصة يومية لأسعار الخامات، تحدد سعر كل منتج، مع ذلك تحملت المصانع والورش حالة الغلاء التي تشهد إضافة "أوفر برايس" وفقا لندرة كل سلعة، أملا في أن تظل العمالة مستمرة وعجلة المصانع تدور ولو لبعض أيام الأسبوع.

ويعمل في هذه الصناعة 17 ألف و500 مصنع وورشة صغيرة، بمتوسط عمالة، 10 أفراد، لكل منها، بينما أصبحت الآن في طريقها للتوقف التام، وفق رئيس شعبة الإنتاج.

يشير يحيى، إلى أن صناعة الأحذية والجلود تحتاج إلى مدخلات كثيرة لا تتواجد في السوق المحلية، منها كيماويات الجلود والدباغة والألوان، والمواد اللاصقة، والإكسسوارات والخيوط.

طوابير انتظار

ويلفت إلى أن المصانع والورش لا تستطيع شراء احتياجاتها من الخارج، إلا عبر وسطاء، يقفون الآن في طوابير الانتظار في البنك المركزي، لطلب تدبير العملة أو الموافقة على الشراء الاستيراد، ولم يتلقوا أية مؤشرات، تدل على انفراج قريب في تلك الأزمة، التي تهدد صناعة حيوية، وكثيفة العمالة، بالتوقف التام.

يقتني المصريون، نحو 100 مليون زوج أحذية منتجة محلياً، بينما يشتري التجار نحو 150 مليون حذاء تام الصنع من الخارج سنويا.

وفي ظل عدم القدرة على توفير حصة الإنتاج المحلي، وتوقف استيراد المنتجات تامة الصنع، تتضاعف أسعار الأحذية والمنتجات الجلدية، بينما يقول يحيى إن التجار اضطروا لرفع الأسعار، مع زيادة تكلفة عناصر الإنتاج، ومع ذلك انخفض هامش الربح، لأنهم أضحوا مجبرين على ضغط التكاليف.

ينتظر يحيى الفرج على أيدي البنك المركزي أو تدخل المسؤولين، لإنقاذ السوق من أزمة بدأت وتتعاظم يومياً، وهو نفس الحال الذي أصاب المسؤولين في غرفة الصناعات الهندسية، التي طلبت من الحكومة سرعة التدخل، لتحريك طلبات المصانع وفتح الاعتمادات لشراء مكونات الإنتاج من الخارج.

أكدت الغرفة تناقص انتاج البوتاغازات والثلاجات، وأجهزة التكييف والمراوح، ومعدات المطابخ، بسبب عدم دخول بعض المكونات التي لا تنتج محلياً.

وكانت الحكومة قد كلفت وزارة الصناعة بتحديد السلع التي يمكن تصنيعها محلياً، وتوفير مكونات بعض المنتجات للصناعات الهندسية، إلا أن تلك السياسات تحتاج إلى وقت طويل لتنفيذها كما يقول منتجون.

ويرى أحد رجال الأعمال، طلب عدم ذكر اسمه، أن السياسة التي تريد الحكومة تنفيذها في هذا المجال، لن تجدي مع كل السلع، حيث تستورد المصانع مكونات، لعلامات تجارية محددة قد لا تكون مكلفة في الإنتاج.

نقص المنتجات

لكن مجلس الوزراء المصري، قال في بيان له، إن رئيس الوزراء، التقى القائم بأعمال محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، في مقر الحكومة وسط القاهرة، الأحد الماضي، لاستعراض عدد من الملفات الاقتصادية، وفي مقدمتها نقص بعض المنتجات في الأسواق، بسبب قصر العمل على نظام الاعتمادات المستندية في تنفيذ عمليات الاستيراد.

وحسب بيان لمجلس الوزراء، تطرق اللقاء إلى مجموعة من الإجراءات المقترحة في إطار زمني محدد، للتعامل مع الموقف الاقتصادي الراهن في مصر على ضوء تداعيات الأزمة العالمية.

بينما ذكرت وكالة بلومبيرغ الأميركية في تقرير لها، أمس، أن مصر أصبحت أحدث رمز للمعاناة التي تجتاح الدول الفقيرة على خلفية ارتفاع التضخم وصعود الديون وتراجع النمو العالمي، مشيرة إلى أن المستثمرين، الذين ما زالوا يتألمون من حالات التخلف عن السداد الأخيرة من قبل روسيا وسريلانكا، يراقبون مصر كدراسة حالة لقياس إمكانية، ومدى سرعة، تجنب البلاد أزمة ديون كاملة وتتخطى حقبة زيادة أسعار الفائدة.

المساهمون