مقابل المقولة الشعبية السائدة "الصيف أبوابه واسعة"، يجد معظم السوريين أنفسهم أمام أبواب الشتاء المغلقة ويتوهون بين خيارات التدفئة والمونة والمدارس والكساء الشتوي من جهة، وبين الخبز والطعام والاحتياجات اليومية من جهة أخرى، وسط غلاء فاحش بالأسعار ودخل تحت المحدود، لدرجة أن الأسواق تبدو خاوية من الشارين حتى لو شهدت حركة لافتة "بلا بركة".
إذ يتراوح المرتّب الشهري بين 200 ألف ليرة سورية لموظفي القطاع العام، و500 ألف ليرة (نحو 36 دولارا أميركيا) لموظفي القطاع الخاص، ما يعادل ثمن 45 سندويش فلافل بعدما أصبح سعر الواحدة منها يتراوح بين 7 و10 آلاف ليرة.
وهذا يعني أن راتب الموظف لا يُطعمه فلافل مدة نصف شهر في حال أراد أن يأكل 3 وجبات في اليوم، وعليه أن ينسى الحد الأدنى لاحتياجات المسكن والملبس والمياه وبدائل الطاقة واللوازم المنزلية والمواصلات والرعاية الصحية وغيرها، فهي تأتي بطرق ما كالمساعدات.
وتتضاعف تكاليف هذه الأساسيات مع بداية فصل الشتاء نتيجة تراكم احتياجات المواطن السوري للتدفئة والمونة واللباس الشتوي إضافة إلى اللوازم المدرسية لتلاميذ وطلاب المدارس والجامعات.
في السياق، تقول الناشطة الإعلامية بصمة وفا القاطنة في دمشق لـ"العربي الجديد" إن المدن المزدحمة يصعب على سكانها التعامل مع أنواع الحطب من أجل التدفئة، وفي غياب شبه تام لبدائل التدفئة الصحية يلجأ الأهالي لشراء المازوت بالأسعار المرتفعة حيث يتجاوز سعر اللتر الواحد 13 ألف ليرة، ويصل أحياناً لسعر 16 ألف ليرة.
وتضيف أن معظم سكان المدن يعتمدون على تشغيل مدفأة واحدة في المنزل طوال فصل الشتاء، ويحتاجون في الحد الأدنى إلى برميلَي مازوت بتكلفة لا تقل عن 5.5 ملايين ليرة.
وبات من العادات عند سكان المدن إطفاء المدفأة في ساعة الوصل الكهربائي وتشغيل المدافئ الكهربائية بغية توفير المازوت.
وليس غريبا على السوريين اندفاع معظم أفراد الأسرة في ساعات الوصل الكهربائي لتشغيل المدفأة الكهربائية والغسالة والمكنسة ووصل شواحن بطاريات الإنارة وأجهزة الموبايل، بل أصبح الغريب متابعة برنامج تلفزيوني أو استقبال الزوّار في فصل الشتاء.
تقول ربة المنزل رئيفة غزلان المقيمة في ريف السويداء الشرقي، إن سعر الكيلو من الباذنجان هذا الموسم تراوح بين 5 و7 آلاف ليرة وكذلك سعر كيلو الفليلفلة، أما سعر كيلو الجوز العادي فلم يتراجع عن 75 ألف ليرة بينما ليتر الزيت النباتي تراوح بين 23 و26 ألف ليرة.
كما يقول المدرس عساف الصالح لـ"لعربي الجديد": كان السوريون يلجؤون للادخار طوال العام تحسبا لما أطلقوا عليه تكاليف الحرف "ميم" وهي المدارس والمونة والمازوت والملابس، وغالباً ما تجاوزها الجميع بشكل أو بآخر. أما اليوم فقد أصبح هذا الموسم يشكل عبئاً وهمّا على كل عائلة.
أما الناشط المدني هاني عزام فيقول إن الحرب السورية أنتجت شريحتين من المواطنين؛ أقلية مستفيدة من نظام الحكم والحرب السورية، وشريحة من غالبية الشعب اعتمد جزء منها على الواردات من أبنائها المهاجرين والمغتربين والقسم الآخر على موارد من الأعمال الإضافية.