شكك مراقبون في إمكانية نجاح وزارة الزراعة التابعة للنظام السوري في تنفيذ خطط تطوير القطاع، نظرا لمحدودية سلطتها، مقارنة بالتحولات الكبرى التي أفرزتها الحرب خلال السنوات العشر الماضية، والتي دفعت الحكومة للانسحاب من دعم الزراعة، بالإضافة إلى خروج مساحات شاسعة من الأراضي عن سلطة النظام، وبالذات في منطقة شرق الفرات وشمال غربي سورية، والتي يتركز فيها أكثر من 70 بالمائة من الإنتاج الزراعي والحيواني في سورية.
وكشفت مصادر إعلامية مطلعة، أن وزارة الزراعة التابعة للنظام، قامت خلال الفترة الماضية، بإعداد دراسات عميقة عن واقع القطاع الزراعي في سورية، والمخاطر التي تهدّده، وخلصت هذه الدراسات إلى أن البلد مقبل على أزمة نقص غذاء كبيرة من العام 2025 وحتى العام 2030.
وذكرت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في تصريحات منسوبة لوزير الزراعة التابع للنظام السوري، حسان قطنا، أن العجز المتوقع في الغذاء "لن يقلّ عن 3 ملايين طنّ من المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية" وقد أشار أيضاً إلى تسعة مخاطر على القطاع الزراعي في سورية، أبرزها: "التغيّرات المناخية، والجفاف، والحرائق، والكوارث الطبيعية، والتعدّي على الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية، وتقلّبات سعر الصرف".
وحسب الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع، فإن التكلفة الاستثمارية للمشروع المتعلّق بالإنتاج الحيواني تصل إلى 49 مليار ليرة (الدولار = 3500 ليرة)، ولمشروع الأراضي والمياه 4 مليارات ليرة، ومشروع التنمية الريفية 6 مليارات ليرة، ومشروع التغييرات المناخية 4 مليارات ليرة.
ورأى المهندس أبو أيهم، الذي شغل سابقاً موقع مدير الزراعة في إحدى المحافظات، وما زال يقيم في سورية، أن تراجع الاهتمام بالقطاع الزراعي في سورية، يعود إلى سنوات ما قبل العام 2011، ولا يخص فقط فترة العشر سنوات التي تلتها، مشيراً في هذا الصدد إلى أنّ إنتاج سورية من محصول القطن، على سبيل المثال، تراجع من أكثر من مليون طن سنوياً، إلى أقل من 700 ألف طن، بدفع من سياسات حكومة محمد ناجي عطري، ونائبه الاقتصادي، عبد الله الدردري، في الفترة من عام 2004 وحتى العام 2011، واللذين أسسا، بحسب قوله، لسياسة اقتصادية تخرج من حساباتها دعم القطاع الزراعي.
وفي تعليقه على المعلومات الصادرة عن وزارة الزراعة، بخصوص شبح الأزمة الغذائية الذي يتهدد سورية بدءاً من العام 2025، أكد أبو أيهم، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الأزمة موجودة منذ أكثر من عامين، وانعكاساتها واضحة على مستوى الشارع السوري، إذ يجري توزيع الخبز على المواطن بالرغيف، إضافة إلى غلاء السلع الغذائية، من خضار وفواكه، وغلاء المنتجات الحيوانية، من لحوم وبيض وحليب، إلى مستويات قياسية. وأوضح أنّ السبب في ذلك هو الندرة، وتراجع إنتاج سورية من كافة هذه المنتجات، إلى أرقام مرعبة، الأمر الذي لم يعد يكفي حاجة السكان من الغذاء.
وتشير الأرقام الصادرة عن وزارة الزراعة السورية، إلى تراجع إنتاج سورية من القمح من 3 ملايين طن سنوياً قبل العام 2011، إلى حدود 500 ألف طن فقط في السنوات الخمس الأخيرة. كما تراجعت أعداد الثروة الحيوانية في سورية، وفقاً لبيانات وزارة الزراعة ذاتها، من نحو 25 مليون رأس غنم قبل العام 2011، إلى أقل من 10 ملايين رأس.
وقال المحلل الاقتصادي، مروان قويدر، إنّ النظام السوري استهدف الثروة الحيوانية في سورية بنفس الوحشية التي استهدف بها البشر، مشيراً إلى أنّ قواته التي كانت تجتاح المدن والقرى السورية، كانت تقوم كذلك بسرقة ممتلكات الناس من هذه الحيوانات أو ذبحها في إطار خطته لتجفيف المنابع الاقتصادية التي تعيش عليها المناطق التي ثارت عليه.
ولفت قويدر في تصريح لـ "العربي الجديد" إلى أنّ المخاطر التسعة التي ذكرتها وزارة الزراعة، التي تهدد القطاع الزراعي في سورية، هي كلام عام وتقول بها جميع وزارات الزراعة في أغلب الدول، إلّا أنّه في الحالة السورية، بحسب رأيه، هناك خصوصية لم تأتِ على ذكرها وزارة الزراعة، وهي تهجير مئات آلاف المزارعين من أراضيهم وتعمد تخريب القطاع.
وفي السياق، كشف صحافي متخصص في الشأن الاقتصادي، من دمشق، لـ "العربي الجديد" أن المشكلة التي يعانيها القطاع الزراعي اليوم في سورية والنقص الحاصل في الأسواق بالإضافة إلى الغلاء الفاحش في أسعار المنتجات الغذائية، هي نتيجة سياسات خاطئة قامت بها الحكومة في السنوات العشر الماضية.
وأشار الصحافي الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنّ حكومة النظام ككلّ، على العكس من وزارة الزراعة، لا تبحث عن حلول من داخل الصندوق عبر زيادة الإنتاج، إنّما ترى أنّ الحلّ من خلال الاستيراد.