شبح تقسيم ثروات السودان: صراع السلطة والمال

04 مايو 2023
الحرب تفاقم معاناة السودانيين المعيشية (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

سادت مخاوف في الشارع السوداني من شبح تقسيم ثروات البلاد في النفط والزراعة والذهب وغيره، وسط مساعي الطرفين المتصارعين إلى تشديد قبضتهما وفرض سيطرتهما على المناطق المهمة وخاصة التي تتمتع بثروات هائلة.
ويأتي ذلك في الوقت الذي يعاني فيه مئات الآلاف من السودانيين من النزوح واللجوء بالإضافة إلى تفاقم معاناة الملايين من تدهور معيشتهم وسط تواصل الاشتباكات المسلحة رغم الهدنة التي وافق عليها الطرفان.
ويخوض كل من الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، صراعات مسلحة منذ أكثر من أسبوعين أدت إلى العصف بالعديد من القطاعات ونهب بعض البنوك والأسواق والمصانع وخسارة كبيرة على كافة المستويات الاقتصادية.

خريطة الثروات السودانية
مراقبون أكدوا لـ"العربي الجديد"، أن الحرب قد ينتج عنها تقسيم وتفتيت الثروات التي تمتلكها البلاد وخاصة في ظل محاولات كل طرف تشديد قبضته على الامتيازات الاقتصادية التي يحظى بها.
وحسب تقارير رسمية، يتمتع السودان بحوالي 200 مليون فدان صالحة للزراعة والمستغل منها لا يتجاوز 40 مليون فدان، بالإضافة إلى ثروة حيوانية هائلة، ولكنها غير مستغلة بكامل طاقتها.

كما تمتلك البلاد ثروات نفطية تناقصت بعد انفصال دولة جنوب السودان في عام 2011 ليصل الإنتاج إلى ما دون 60 ألف برميل يوميا. وتصل احتياطات السودان من الذهب إلى نحو 1550 طناً، وشكلت صادرات الذهب أكثر من 45 في المئة من الصادرات الإجمالية بقيمة 1.7 مليار دولار في عام 2021، حسب بيانات رسمية. ويشغل التعدين حوالى 173 ألف كلم تعادل 16% من مساحة السودان، وتشغل شركات التعدين الوطنية 62% من المساحة، مقابل 38% تشغلها شركات امتياز أجنبية يبلغ عددها 36 شركة امتياز أجنبية، من 18 دولة، وفق تقرير الشركة السودانية للموارد المعدنية.

استبعاد سيناريو الجنوب
استبعد محللو اقتصاد تكرار سيناريو جنوب السودان الذي ترتب عليه تقسيم ثروة النفط وغيرها للعديد من الأسباب، أهمها التأييد الشعبي في جنوب السودان للانفصال بعكس الصراع الحالي الذي يدور بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة والعديد من الولايات بهدف السيطرة على السلطة.
ويرى المحلل الاقتصادي عبد الوهاب جمعة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "من الصعب إيجاد مقارنة في تقسيم الثروة بين الطرفين في الصراع الحالي، فالصراع السابق بين السودان وجنوبه كان يشمل بقعة جغرافية محدّدة انتهت بفصل الجنوب ومن الصعب حاليا أن نقول إن قوات حميدتي تستولي على جزء من الأراضي وتدافع عنها بتأييد شعبي كما حدث في جنوب السودان، فالصراع ممتد في العاصمة ومختلف الولايات".
وأضاف: "كما أنه لا يمكن الحديث عن منطقة نفوذ كبيرة لحميدتي في دارفور فهو يمثل جزءا صغيرا من قبلية كبيرة جدا، أما ما يملكه من أموال وشركات فكلها يمكن مصادرتها لصالح الحكومة باعتبار أنه تمرد على الحكومة ذاتها".
وأضاف جمعة: "في ما يتعلق بامتلاكه مناجم ذهب أيضا من السهل جدا مصادرتها، لأن قواته تعتبر جزءاً من قوات مسلحة تمردت، وهذا الأمر يتعلق بالتكييف القانوني لهذه القوات والاتفاقات التي ستتم بين الطرفين في حال التوصل إلى حل سلمي حتى نتحدث بشكل واضح عن تقسيم السلطة والثروة".

امتيازات قوات الدعم الاقتصادية
وفي ما يتعلق بالامتيازات الاقتصادية لقوات الدعم السريع، فإن مجلة فورين بوليسي الأميركية كشفت في تقرير لها في وقت سابق عن تفاصيل لتقرير أعدته لجنة تتبع لمجلس الأمن الدولي واعترضت عليه روسيا كصديقة للخرطوم ووصفته بعدم الدقة.

وأوضحت المجلة أن القوات الموالية للحكومة جنت أرباحا كبيرة من التجارة في الذهب خلال الأعوام الماضية. وحسب فورين بوليسي، فإن قيمة الذهب المهرب خلال الفترة 2010-2014 تقدر بحوالي 4.5 مليارات دولار بواقع أكثر من مليار دولار في العام.
وسيطر حميدتي وقواته بشكل كامل على مناجم جبل عامر في عام 2017، العام الذي بدأت فيه الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على السودان، ولم يواجه عقبات تذكر في توسيع أعماله من دارفور إلى جنوب كردفان ومناطق أخرى في البلاد.
في السياق نفسه، يقول أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة حامد التجاني، في تصريح صحافي منشور، إن مليشيا الدعم السريع راكمت أموالا ضخمة من خلال مصادرها المتعددة لتمويل نفسها في ظل غياب المحاسبة والمراجعة المالية من قبل الدولة.
ويرى التجاني أن قوات الدعم السريع أصبحت تمارس كل مهام الدولة، من جمع الضرائب وفرض الجمارك على العربات في المناطق الحدودية بين دارفور وليبيا، وتستغل نفوذها دون أي مراقبة أو مراجعة من الدولة.

الأطماع الخارجية
الخبير الاستراتيجي يوسف سراج الدين، يقول لـ"العربي الجديد"، إن السودان تتجاذبه أطماع ودوائر خارجية عديدة، بحكم موقعه الجيوسياسي، وبدأت تتزايد في أواخر حقبة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي اتجه شرقا لتعويض خسارة التعامل مع الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي فرضت حظرا اقتصاديا وعزلة سياسية على السودان بسلاح العقوبات بعد إدراجه في لائحة الدول الراعية للإرهاب، إزاء ذلك فتح النظام السابق الباب أمام روسيا المتطلعة للتمدد في القرن الأفريقي وإقامة قاعدة عسكرية لها في شرق السودان.
ويضيف: عقب ثورة ديسمبر/ كانون الأول ورث النظام العسكري في السودان الملفات الخارجية ذاتها ولم يتغير الحال كثيرا، بل توسعت الأطماع بدخول محاور جديدة، والشاهد أن تقارير غربية كشفت عن سيطرة مطلقة لطرف من المكون العسكري على أهم مراكز التنقيب عن الذهب، وأشارت إلى تهريب أطنان منه لمصلحة جهة عسكرية متنفذة.
وفي المقابل، سعت جهات ودول إقليمية قريبة من السودان للبحث عن مصالحها وتأمين فرص استفادتها من ثروات أخرى مثل الأراضي الزراعية، ويتجلى ذلك في علاقات أخرى للطرف العسكري بهذه الجهات والتي تمضي بدورها للتخندق معه ودعمه، حسب سراج الدين.
إزاء كل ذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة أمام سيناريو التقسيم إذا لم يتدارك السودانيون أمرهم ويتوافقوا على اتفاق سياسي يحفظ وحدتهم ويجنب البلاد سيناريو التفكك، حسب الخبير الاستراتيجي السوداني.

مخاوف انفصال دارفور
من جانبه، يقول المحلل السياسي النور أحمد لـ"العربي الجديد"، إن الحرب الحالية هدفها السيطرة على السلطة المركزية في الخرطوم، لكن في حال خسارة حميدتي لحرب الخرطوم فيمكن أن يجمع قواته وينقل الحرب إلى إقليم دارفور وبالتالي يمكنه تشديد السيطرة على مناجم ذهب لتمويل نشاطه العسكري للضغط على الحكومة الاتحادية والتوصل إلى تسوية سياسية تعيده إلى السلطة.

الخبير الاستراتيجي يوسف سراج الدين، يقول لـ"العربي الجديد"، إن السودان تتجاذبه أطماع ودوائر خارجية عديدة، بحكم موقعه الجيوسياسي


ويرى الاقتصادي السوداني الفاتح عثمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن مجريات الحرب الحالية بين الجيش والدعم السريع تدحض أي تنبؤات عن تفكك السودان، لأن القتال يتجه تدريجياً لينحصر فقط في ولاية الخرطوم وربما ينحصر لاحقا في إحدى محليات الخرطوم أو شرق النيل. وقال: الذهب لا يزال يتم إنتاج معظمه من التعدين الأهلي، وهذا يعني أن دور شركات الدعم السريع التي تعمل في مجال التعدين سيظل محدودا، وهي شركات غالبا ستتم مصادرتها في أي خطة تسوية سياسية. وتتمتع دارفور بثروة زراعية هائلة بالإضافة إلى الثروة المعدنية.

شركات الجيش
حسب تقارير غير رسمية، فإن 80 بالمائة من الإيرادات العامة للدولة خارج سيطرة وزارة المالية. وهناك أكثر من 200 شركة تتبع للجيش تعمل في مجالات حيوية، وفق تقارير رسمية. وسبق أن قال رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان إن الجيش السوداني حصر 450 شركة حكومية غير التي تتبع له، فوجد أكثر من 220 شركة تعمل خارج النظام المالي والمصرفي، وأكد عدم احتكار الجيش لأي نوع من التجارة وعدم منع أي جهة من ممارسة النشاط التجاري.
ويرى الفريق ياسر العطا، الذي ترأس في وقت سابق لجنة إزالة التمكين، أن جميع شركات المنظومة العسكرية هي في الأصل عبارة عن صندوق ضمان اجتماعي للعسكريين، حيث تستقطع أموالها منهم مُنذ تأسيسها في 1972، مشيرًا إلى أنها تخضع للمراجعة الحكومية ومنتظمة في دفع الضرائب والجمارك.
واستناداً لبعض البيانات المالية الواردة في تقارير وزارة المالية، وسوق الخرطوم للأوراق المالية، والمراجع القومي، وجانب من بحوث الماجستير في كلية الدفاع الوطني، فإن مجموعة الصناعات الدفاعية هي الشكل المؤسسي الذي تم تحت مظلته تجميع عدد من الشركات الفرعية التابعة للجيش، لتكون تحت إدارة موحدة تفعيلاً للحوكمة والمؤسسية. وتقدر أصول وموجودات هذه المجموعة بحوالي 750 مليون دولار، تضاف إليها أصول وموجودات بنك أم درمان الوطني بحوالي 250 مليون دولار، لتكون القيمة التقديرية لاستثمارات الجيش في حدود مليار دولار.
ويشير الاقتصادي محمود الزين في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن المؤسسات الاقتصادية العسكرية في مختلف التخصصات، من بينها بنوك كبيرة جدا مثل بنك أم درمان المدني الذي يتمتع بحماية من البنك المركزي ويمتلك أكبر رأس مال في البنوك التجارية السودانية وغالب أعضاء المؤسسة العسكرية يمتلكون حسابات فيه.
أما المختص في شؤون الأوراق المالية بابكر التوم، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن المؤسسة العسكرية تمتلك معظم الصناعات الموجودة في البلاد، خاصة شركة جياد للسيارات، رغم أن واجهتها مختلفة ولكنها في الأساس تتبع للجيش، وهي تمتلك استثمارات كبيرة جدا تصل إلى أكثر من 100 مليار دولار، وهي التي تقوم مباشرة بتسهيل كل ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية لأفراد من المؤسسة العسكرية، بالإضافة لذلك أيضاً لديها شركات ومطاحن، مثل مطحن زادنا، الذي يعتبر من أكبر المطاحن وتخصص له تسهيلات كثيرة.

المساهمون