شارع الحمرا الشهير في بيروت يعاني أسوا أزمة اقتصادية... متاجر فاخرة ومطاعم شهيرة تتوارى

13 فبراير 2022
الركود يخيم على متاجر شارع الحمرا في بيروت (فرانس برس)
+ الخط -

انعكس أثر أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها لبنان، على شارع الحمرا الشهير في العاصمة، الذي يسمى"شانزليزيه بيروت"، فقد أغلق العديد من المتاجر أبوابه وتبدلت المشاهد ليتوارى السائحون والمشاهير من جميع أنحاء العالم ويشغل متسولون أرصفته.

من متجر الموسيقى الصغير الخاص به في شارع الحمرا في بيروت، شهد ميشال عيد أزمات لبنان وخروجه منها من خلال الأحوال المتغيرة لهذا الشارع الشهير على مدار أكثر من 60 عاماً.

كان شارع الحمرا يمثل كل ما كان ساحراً في بيروت في الستينيات والسبعينيات، إذ يحوي متاجر فاخرة تعرض وتبيع أفضل ما يمكن اقتناؤه وفقا لأحدث ما هو مطروح في العالم، ومقاه يرتادها مثقفون وفنانون، وأشهر دور السينما والمسارح في لبنان.

انهيار اقتصادي كالعاصفة المدمرة

فقد شهد الشارع انتعاشا في الماضي من خلال سلسلة متاجر دولية وحانات ومطاعم نابضة بالحياة. أما الآن فقد تم إغلاق العديد من متاجره، وبات لاجئون ولبنانيون فقراء يتسولون على أرصفته، كما تتراكم القمامة على أركانه، فمثل بقية أنحاء لبنان اجتاح الانهيار الاقتصادي الشارع كعاصفة مدمرة.

في الثامنة والثمانين من عمره يتذكر عيد الأوقات العصيبة خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1990 ، عندما شهد شارع الحمرا قتالاً بين المليشيات، واغتيالات في مقاهيه، واجتياح قوات الاحتلال الإسرائيلي. ويقول عيد لوكالة أسوشييتد برس: "لم نشهد شيئا بهذا القدر من السوء كما نشهده الآن. لقد وصلنا إلى الحضيض".

جاء الانهيار الاقتصادي في لبنان كإحدى تبعات حقبة ما بعد الحرب في البلاد. فقد أصبح قادة المليشيات إبان الحرب هم القادة السياسيين، واستمروا في السلطة منذ ذلك الحين. وتمكنوا في بعض الأحيان من إدارة اقتصاد مزدهر، لكنه واقعياً استشرى فيه الفساد وسوء الإدارة.

بدأ الانهيار في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ، والذي يسميه البنك الدولي "واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر".

فقد انهارت قيمة العملة، وبالتالي فقدت الرواتب قوتها الشرائية، وأصبح الوصول إلى العملة الأجنبية، خاصة الدولارات، في المصارف غير متاح، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني. وبناء على كل ذلك بات نحو 82% من اللبنانيين يعيشون في فقر، وفق إحصائيات الأمم المتحدة.

إيجارات مرتفعة وفواتير ضخمة

يظهر أثر الأزمة في شارع الحمرا، فقد أغلق العديد من المتاجر أبوابه لأن أصحابها لم يعودوا قادرين على تحمل إيجارات مرتفعة وفواتير شهرية ضخمة لمولدات الكهرباء الخاصة.

وفور حلول الظلام تغلق المتاجر، أو من ما زال يعمل منها. وكذلك أصبح العديد من مصابيح الشوارع لا يعمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

خلال ذروة الستينيات والسبعينيات كان شارع الحمرا قلب أناقة عصر ما قبل الحرب اللبنانية، وكان يسمى "شانزليزيه بيروت". وكان السائحون العرب والأوروبيون والأميركيون يتوافدون على متاجره ومطاعمه وحاناته الشهيرة.

كما كان في الحمرا أرقى دور السينما في العاصمة. ففي مسرح بيكاديللي غنت فيروز، وكان بإمكانك أن ترى المغنية العالمية داليدا تتجول فيه قبل تقديم أحد عروضها. كذلك أقام نجوم عالميون حفلات في لبنان، منهم لويس أرمسترونغ وبول أنكا.

يقع شارع الحمرا في حي رأس بيروت غربي العاصمة وكان ولا يزال مكانا يتعايش فيه المسيحيون والمسلمون جنباً إلى جنب. كانت مقاهيه استراحة وملتقى للفنانين والمثقفين والنشطاء السياسيين، تهيمن عليهم الأفكار اليسارية والعلمانية والقومية العربية في ذلك الحين.

يقول محمد رئيس، الذي يعمل في الشارع منذ أوائل السبعينيات، ويمتلك ثلاثة متاجر للملابس هناك "شارع الحمرا شارع دولي"، وهو جالس في مقهى كان يسمى في السبعينيات "هورس شو".

وأشار إلى ركن كان يجلس فيه اثنان من أعظم المطربين العرب في ذلك الوقت، عبد الحليم حافظ وفريد ​​الأطرش، بانتظام، إلى جانب الشاعر نزار قباني.

سلاسل متاجر ومقاه دولية

أنهت الحرب الأهلية تلك الحقبة الذهبية، وألحق القتال أضراراً جسيمة بالشارع. وبعد الحرب انتقل مركز التجارة والتسوق الدولي في بيروت إلى وسط المدينة الذي تم تجديده.

لكن شارع الحمرا شهد تطويراً كبيراً مستهل العقد الأول من القرن الحالي، إذ تم تحديث منظومات المياه والصرف الصحي والكهرباء، ما غذى انتعاشاً للشارع خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

وقد افتتحت سلاسل متاجر ومقاه دولية مثل نايكي وستاربكس، إضافة إلى مطاعم جديدة، منها مطاعم افتتحها سوريون فارون من الحرب الأهلية في بلادهم.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

نحت الموجة الجديدة جانباً العديد من رموز المنطقة قبل الحرب، فحل محل مقهى مودكا الشهير، مصرف. وافتتح مطعم ماكدونالدز محل مطعم فيصل، الذي كان يفضله اليساريون العرب، أما مسرح البيكاديللي فبات مهجورا.

لكن الشارع اجتذب جيلاً جديداً من الشباب جلب معه الروح التقدمية لثورات الربيع العربي لعام 2011. ومرة أخرى ازدان الشارع بالحانات، استقطب أحدها، مترو المدينة، حشوداً من الشباب من خلال عروض حية لموسيقى عربية قديمة من القرن الماضي.

لايزال شارع الحمرا مكتظا خلال النهار، فالآلاف يأتون للعلاج في مراكزه الطبية، أو للدراسة في الجامعة الأميركية القريبة، وهي إحدى أفضل المؤسسات التعليمية في الشرق الأوسط.

إلا أن إيلي ربيز يقول "الحمرا ليست حمرا الماضي". ربيز ( 70 عاما) يعمل مصففا للشعر للنخبة في الحمرا منذ عام 1962. وكان من بين عملائه المنتظمين رجل الأعمال السعودي الراحل عدنان خاشقجي. وقد وسع ربيز نشاطه التجاري قبل 20 عاماً ليشمل الملابس الرجالية.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

لكن الآن في ظل الأزمة الاقتصادية، انخفضت مبيعاته 60%. إلا أن ربيز يؤمن بأن شارع الحمرا سيعود لسابق عهده، ويقول إن متجره تعرض للتفجير خلال الحرب الأهلية وإنه أصلحه وأعاد افتتاحه. وقال: "لم أستسلم حينها ولن أستسلم الآن. مطلقا".

لكن ليس الجميع على هذا القدر من التفاؤل. فعيد، مثلا، افتتح متجر الموسيقى الخاص به في الحمرا عام 1958، وسيغلقه عندما يتوقف عن العمل، حسبما يقول. ويضيف أن ابنيه يعيشان في الخارج، وإذا كانا لا يريدان التسجيلات البالغ عددها 4500، فسوف يتبرع بها.

وردا على سؤال "هل سيزدهر شارع الحمرا مجددا؟" يجيب قائلا "أبدا أبدا". لكنه لن يغادر. والسبب كما قال هو أن "شارع الحمرا هو الأكسجين الذي أتنفسه. نشأت في شارع الحمرا وسأنهي حياتي هنا".

(أسوشييتد برس)

المساهمون