استمع إلى الملخص
- عودة الاستثمارات السورية قد تفتح فرصًا للتعاون الاقتصادي مع دول الخليج في مجالات مثل إعادة الإعمار، حيث تقدر استثمارات السوريين في الخليج بمليارات الدولارات في قطاعات متنوعة.
- يعتمد مستقبل الاستثمارات السورية على استقرار سوريا وتقديم حوافز للمستثمرين، مما قد يشجع بعضهم على العودة، بينما قد يفضل آخرون البقاء في الخليج أو توزيع استثماراتهم.
بعد التغيير السياسي الأخير في سورية وسقوط نظام بشار الأسد، تسود توقعات بأن تتأثر استثمارات السوريين في دول الخليج بشكل ملحوظ، خاصة مع توجه الحكومة السورية الجديدة نحو اقتصاد السوق الحر وفتح البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية من جانب، وترجيح اتجاه المستثمرين السوريين إلى فرص جذابة في وطنهم الأم من جانب آخر.
ومع ذلك، فإن قرار عودة الاستثمارات إلى سورية يظل مرهونا بعدة عوامل، بما في ذلك الاستقرار السياسي والأمني، وتوافر البنية التحتية والإطار القانوني الذي يحمي حقوق المستثمرين، وهو ما ركز عليه رئيس غرفة تجارة دمشق باسل حموي في تصريحاته الأخيرة، مؤكدا أن الحكومة الجديدة تدعم التحول إلى اقتصاد السوق الحر والانفتاح على السوق العالمية.
وفي هذا السياق، يفضل بعض المستثمرين السوريين في الخليج الانتظار حتى تتضح هذه العوامل قبل اتخاذ قرار بالعودة، وقد يؤدي انتقال بعض استثماراتهم إلى سورية لتأثيرات محدودة، نظرًا لحجم اقتصادات دول الخليج وتنوع مصادر استثماراتها، حسبما أفاد خبيران لـ"العربي الجديد".
ومن شأن تحول كهذا أن يفتح فرصًا جديدة للتعاون الاقتصادي بين دول الخليج وسورية في مجالات إعادة الإعمار والاستثمار، وفقًا لتقدير نشرته مؤسسة "المجلس الأطلسي"، مشيرة إلى أن سقوط نظام الأسد يوفر فرصة لدول الخليج للتأثير بشكل كبير على مستقبل سورية من خلال الانخراط في جهود إعادة الإعمار والتعاون الاقتصادي.
وحسب التقدير ذاته، فإن التأثير الاقتصادي لعودة بعض الاستثمارات السورية في الخليج إلى سورية يظل محدودا على دول مجلس التعاون، مع إمكانية تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين في المستقبل. ولا توجد أرقام رسمية حول حجم استثمارات السوريين في دول الخليج، إلا أن مراقبين يقدرونها بمليارات من الدولارات، إذ تتركز في قطاعات العقارات، والسياحة، والصناعة، والخدمات المالية.
وتعد السعودية أكثر الدول الخليجية التي استقبلت السوريين، إذ قدرت المملكة عددهم رسميا بنحو 2.5 مليون سوري، إلا أن ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قدرهم بنحو 500 ألف سوري، فيما يحدد التقدير الرسمي في الإمارات عدد السوريين بحوالي 240 ألف شخص، بينما تراوح التقديرات الأممية لعدد السوريين في قطر بما بين 19 و25 ألف سوري، بينما يقدر عددهم في الكويت بحوالي 120 ألف شخص، ولم يتم إعلان إحصاءات دقيقة عن أعداد السوريين في البحرين وسلطنة عمان. يذكر أن دول الخليج تستضيف السوريين بصفة مستثمرين وعمال ولا تعتبرهم لاجئين ولم تُقم لهم أي مخيمات.
جذب المستثمرين إلى سورية
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي رائد المصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن عودة استثمارات السوريين أو النازحين ليس لها تأثير مباشر على اقتصادات دول الخليج على الأرجح، خاصة بعد رحيل النظام السوري السابق، إذ تحتاج سورية إلى فترة زمنية تراوح بين ثلاث وأربع سنوات على الأقل لتثبيت استقرارها وإعادة هيكلة إنتاجها من النفط والغاز.
كما أن تحقيق الاستقرار الأمني مرتبط بشكل أساسي بوجود نظام سياسي مستقر ومؤسسات دستورية حقيقية، وفقًا لتحليل المصري، الذي يتوقع أن تجذب سورية المستثمرين، بما في ذلك أبناء البلاد، وهو ما يرتبط بشكل وثيق بالتغيير السياسي الذي تشهده البلاد، والذي يلعب دورًا أساسيًا في جذب الاستثمارات.
وهنا يلفت المصري إلى أن السوريين لديهم استثمارات كبيرة داخل دول الخليج وفي حال عودة هذه الاستثمارات إلى سورية يمكن لبلدهم أن ينهض اقتصاديًا خلال عام واحد فقط. لكن هذا التحول يستلزم إعادة تثبيت النظام السياسي، بينما لا يمثل ذلك تأثيرا كبيرا على دول الخليج ذات الاقتصادات المستقرة والجاذبة للاستثمارات من عديد الجنسيات الأخرى.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن السوريين معروفون بقدرتهم التشغيلية القوية، وهو ما يؤهلهم لإدارة شؤونهم الاقتصادية وإعادة هيكلة اقتصاد بلادهم بشكل فعّال. إلا أن تحقيق ذلك يتطلب سن قوانين وتشريعات اقتصادية تضمن الأمان للمستثمرين الأجانب، وتضمن لهم حقوقهم واستثماراتهم، حسبما يرى المصري.
سيناريوهات متعددة
يؤكد عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان بيار الخوري، لـ"العربي الجديد"، أن مستقبل استثمارات السوريين في دول الخليج بعد التغيير السياسي في بلادهم يعتمد بشكل كبير على مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ففي حال تحقق استقرار سياسي وأمني حقيقي في سورية، مع إطلاق خطط إعادة إعمار فعالة، فقد يقرر بعض المستثمرين السوريين إعادة جزء من استثماراتهم إلى وطنهم، خاصة إذا تم تقديم حوافز استثمارية وضمانات قانونية كافية، مثل حماية حقوق الملكية وتقليل الفساد وتحسين البنية التحتية.
ومع ذلك، فإن استمرار حالة عدم الاستقرار أو غياب الإصلاحات الجدية قد يدفع العديد من المستثمرين السوريين إلى الإبقاء على أعمالهم في الخليج حيث وجدوا بيئة اقتصادية مستقرة ومستدامة، حسب الخوري، مشيرا إلى أن عودة الاستثمارات إلى سورية قد تحمل تأثيرات مختلفة على دول الخليج.
وفي حال مغادرة عدد كبير من المستثمرين السوريين، قد تفقد بعض القطاعات الاقتصادية في الخليج مساهمات رواد الأعمال السوريين، خاصة في مجالات التجارة والخدمات والصناعات الصغيرة، ومع ذلك فإن التأثير قد يكون محدودًا نسبيًا، نظرًا لقوة اقتصادات دول الخليج وتنوعها، حسبما يرى الخوري.
وإضافة لذلك، يرى الخوري أن مغادرة بعض المستثمرين قد تتيح فرصًا جديدة للمستثمرين المحليين أو الأجانب في دول الخليج.
وإذا نجح المستثمرون السوريون في العودة بأموالهم وخبراتهم، فإن ذلك قد يساهم بشكل كبير في إعادة إعمار سورية وتنشيط اقتصادها، حسبما يرى الخوري.
ويخلص الخوري إلى سيناريوهات مختلفة لمستقبل الاستثمارات السورية في الخليج، لافتا إلى أن عودة الاستثمارات إلى سورية قد تكون تدريجية مع تحسن الأوضاع هناك، أو قد يختار المستثمرون الحفاظ على أعمالهم في الخليج للاستفادة من بيئته الاقتصادية المستقرة، وفي بعض الحالات قد يميل المستثمرون إلى توزيع استثماراتهم بين البلدين، وهو ما يعزز التعاون الاقتصادي الإقليمي إذا تم التخطيط لذلك بشكل مدروس.