دفعت أزمة الرقائق الإلكترونية الحادة العديد من شركات السيارات العالمية إلى التخلي عن توفير خدمات كانت تميّز مركباتها بالتكنولوجيا والرفاهية، والتي لطالما كانت مثار تنافس بين المنتجين على مدار السنوات الماضية.
وتضرّرت شركات صناعة السيارات عالمياً من عجز في الرقائق (أشباه الموصلات) المستخدمة في إدارة المحركات وأنظمة مساعدة السائق، التي تأتي بشكل أساسي من آسيا وبخاصة تايوان، حيث طاولت الأزمة معظم منتجي السيارات في أوروبا والولايات المتحدة وحتى الصين وكوريا الجنوبية.
وعندما تضررت شركات السيارات للمرة الأولى من نقص الرقائق في نهاية العام الماضي 2020 لجأت إلى تعطيل المصانع، ما انعكس على مستويات الإنتاج، ولكن مع دخول الأزمة في شهرها الخامس خلال العام الجاري، وازديادها سوءاً، تحاول الشركات مجاراة الواقع للحفاظ على بعض إنتاجها على الأقل، ولكن على حساب الرفاهية في الكثير من الطرازات.
فقد تخلت شركة "نيسان"، عملاق صناعة السيارات الياباني، عن تركيب أنظمة الملاحة في آلاف المركبات التي تحتوي عليها عادة بسبب نقص الرقائق، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية، كما لم تعد شركة "رام" الأميركية توفر في شاحنات "البيك أب 1500" المرآة الخلفية الذكية التي تراقب النقاط العمياء.
وتوقَّفت "رينو" الفرنسية كذلك عن تركيب الشاشات الرقمية كبيرة الحجم خلف المقود في سيارتها "أركانا" Arkana الرياضية متعددة الاستخدامات لتوفير الرقائق.
ونتجت أزمة الرقائق عن جائحة فيروس كورونا، التي تسببت في زيادة الطلب على الرقائق المستخدمة في إنتاج الهواتف الذكية، وأجهزة التلفاز، وأجهزة الكمبيوتر، التي زادت مبيعاتها خلال فترة الإغلاق العالمي واضطرار الكثيرين للبقاء في المنازل والعمل عن بعد.
وفي الوقت الذي أدرك فيه موردو قطع السيارات متأخرين بدء نفاد كميات كبيرة من المعالجات الدقيقة اللازمة لكل سيارة، كانت شركات صناعة الرقائق منهمكة في تصنيع المعدات اللازمة للهواتف المحمولة ووحدات التحكم في الألعاب وأجهزة الكمبيوتر التي كان يشتريها المتسوقون بجنون منذ بداية جائحة كورونا.
وبدأت مشاكل التوريد بصناعة السيارات في الظهور قبل أيام قليلة من نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما أعلنت شركة "فولكسفاغن" الألمانية أنها تستعد لتعطل الإنتاج بسبب نقص الرقائق. وبعد ذلك ظهرت إعلانات الشركات الأخرى بشكل سريع عن تعرضها للأزمة ذاتها.
وتعدُّ الأزمة اختباراً تاريخياً لقطاع السيارات، في الوقت الذي يحاول فيه تسريع التحول نحو السيارات الكهربائية الذكية، بينما كانت الشركات قد واصلت على مدار عقود إضافة المزيد من الخاصيات المتطورة والأفضل، لكنها الآن تتخلى عن بعضها، على الأقل مؤقتاً، لإنقاذ مبيعاتها.
وفي وقت سابق من مايو/ أيار الجاري، حذّرت شركة "بي إم دبليو" الألمانية، و"هوندا" اليابانية، و"فورد" الأميركية ـ الصينية من تفاقم المشكلات نتيجة نقص الرقائق الإلكترونية.
ويمثِّل الفشل في تأمين الإمدادات الأساسية انتكاسة هائلة على المدى القصير، مع فقدان مبيعات ملايين المركبات العام الجاري، وينذر بسوء بالنسبة لمستقبل تشتد فيه المنافسة بين شركات تكنولوجيا الإنترنت الفائقة، وشركات الإلكترونيات الاستهلاكية.
وتوقع ستايسي راسغون، المحلل في مؤسسة "سانفورد سي بيرنستاين" العالمية للدراسات الاقتصادية ومقرها الرئيسي في نيويورك، أن تستمر الأزمة وقتاً أطول لحين زيادة القدرة الإنتاجية لشركات تصنيع الرقائق.
وفي السياق، قال مارك ليو، رئيس مجلس إدارة شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، في مقابلة مع شبكة "سي بي سي" مؤخراً إن شركته التي تعد الكبرى في العالم ستبدأ في تلبية الحد الأدنى من متطلبات عملاء السيارات بحلول يونيو/ حزيران المقبل، لكنَّه توقع أن يستمر نقص رقائق السيارات حتى أوائل عام 2022.
لكن ببساطة لا يستطيع صناع السيارات الانتظار، وكان رد فعلهم هو تخصيص المكوِّنات النادرة للمركبات الأكثر ربحية ومبيعاً على حساب الطرازات الأخرى، وهو أمر تفعله شركات مثل "رينو" و"نيسان".
وتصنع شركات السيارات أيضاً مركبات بتكنولوجيا أقل، وعادت "بيجو" الفرنسية إلى عدادات السرعة التناظرية القديمة في سيارة "الهاتشباك 308"، بدلاً من استخدام الإصدارات الرقمية التي تحتاج إلى رقائق يصعب العثور عليها.
كذلك كشفت شركة "جنرال موتورز" الأميركية عن أنها صنعت بعض شاحنات "شيفروليه سيلفرادو" الصغيرة بدون وحدة معينة مهمتها الاقتصاد في استهلاك الوقود، مما يكلف السائقين حوالي ميل واحد للغالون الواحد، وخفضت "نيسان" إنتاجها من المركبات المزودة بأنظمة الملاحة المثبتة مسبقاً بمقدار الثلث، وفقاً لمصدر مطلع على الأمر.
وقال مصدر إنَّ الشركة اليابانية، التي كانت من أوائل صانعي السيارات الذين يحذرون في بداية يناير/ كانون الثاني الماضي من نقص توجه إمداداتها من الرقائق إلى الطرازين الأكثر مبيعاً في كل سوق رئيسي، وفي أحد المواقف، نقلت "نيسان" الرقائق من مصنعها في الهند إلى الولايات المتحدة على متن رحلة شحن مستأجرة للمحافظة على استمرار الإنتاج، فيما رفض ممثل عن الشركة اليابانية التعليق، وفق بلومبيرغ.