بينما كان سون جووفنغ، مسؤول السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني (المركزي)، جالساً في مكتبه في العاصمة بكين، فاجأته السلطات بمداهمة غير متوقعة وأخبرته بأنه رهن الاعتقال، واصطحبته للتحقيق معه في تهم فساد.
يواجه جووفنغ اتهامات بالقيام ببعض الأنشطة المخالفة للقانون، من خلال تسريبه إحصاءات اقتصادية رسمية مهمة لبعض المتعاملين في أسواق السندات من المؤسسات المالية، وأفراد ومستثمرين وشركات، مقابل الحصول على منافع شخصية.
كما جرى إلقاء القبض على زوجة جووفنغ، التي تعمل في الشركة الصينية للتسوية والإيداع المركزي، للتحقيق معها، وفقاً لوكالة الأنباء المالية الصينية (كايكسين)، يوم الأربعاء الماضي، قبل أن يتم سحب الخبر من موقعها على الإنترنت في اليوم نفسه.
عمل جووفنغ لأكثر من ربع قرن في بنك الشعب الصيني، بينما كانت وظيفته واحدة من الأهم والأكثر تأثيراً في البنك المركزي لثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ تشابكت الوظيفة مع تطورات سياسية بالغة الأهمية خلال تلك الفترة، لا سيما مع محاولة الصين خلال السنوات الأخيرة الاندماج في النظام المالي العالمي، وإحداث تأثير خارج حدود الدولة.
حصل جووفنغ، الذي لم يكمل عامه الخمسين بعد، على دكتوراه في الاقتصاد من الجامعة الصينية، وكان له العديد من الأبحاث في أوائل الألفية الحالية في جامعتي ستانفورد وبرينستون الأميركيتين العريقتين، ونشرت له مئات الأبحاث والأوراق الأكاديمية، وألف كتابين باللغة الإنكليزية، كان أولهما عن الإصلاحات المالية في الصين، ولاقى رواجاً واسعاً، بينما كان الآخر عن السياسة النقدية في الصين. وكان آخر ظهور عام له قبل شهر تقريباً، حين شارك في المؤتمر الصحافي ربع السنوي الذي يعقده بنك الشعب.
وعمل على تطوير سوق السندات الثانوية، ليجري من خلالها تداول السندات الحكومية، وسعى لإضفاء المرونة على تداول عملة اليوان الخاضع للسيطرة المشددة وفقاً لظروف العرض والطلب، وهو ما منحه شعبية واسعة لدى المستثمرين الأجانب.
وقدم جووفنغ أيضاً مجموعة من الأدوات التي يمكن تداولها في عمليات السوق المفتوحة للبنك المركزي لجعل الأسعار أكثر تعبيراً عن متطلبات السوق وتحقيق أهداف السياسة النقدية لبنك الشعب الصيني بشكل أفضل، مع إعادة تقديم فكرة معدلات الفائدة وتأثيرها على الأسواق، بعدما أمضى البنك عقوداً لم يتمكن خلالها من تحريكها إلا بعد التشاور مع السلطات السياسية.
وأكد بعض المقربين من جووفنغ تسارع اكتساء شعره باللون الأبيض بعد توليه مسؤولية السياسة النقدية في البنك عام 2018.
وخلال الفترة الأخيرة، كافح للحفاظ على ما سماه "ضبط السياسات"، أو الموقف المتشدد ضد التيسير النقدي العنيف الذي تم تبنيه خلال السنوات الأخيرة، بينما كانت القيادة السياسية الصينية تسعى لتبني المزيد من الإجراءات الهادفة لدعم الاقتصاد المتعثر.
وكان جووفنغ يرى أن التيسير الائتماني لن يؤدي إلا إلى تفاقم فقاعات المضاربة في العديد من الأنشطة، وعلى رأسها النشاط العقاري، وهو ما اعتبره دافعاً لهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، بينما يقع الاقتصاد في مصيدة النمو البطيء.
ولا تزال العديد من علامات الاستفهام تدور حول الاتهامات الموجهة إلى جووفنغ وحول ما إذا كان اعتقاله يأتي في إطار مواجهات سياسية مكتومة أم أنه مرتبط بالفساد فعلاً.
وكانت أكبر هيئة رقابية صينية لمكافحة الفساد والكسب غير المشروع قد شرعت خلال الربع الأخير من العام الماضي في موجة واسعة من التحقيقات الخاصة بعشرات من المؤسسات المالية الصينية، بما في ذلك البنك المركزي، والجهة الرقابية المنظمة لعمل المؤسسات المالية وشركات التأمين والبورصات والبنوك التجارية.
وتأتي تلك التحقيقات كجزء من حملة أوسع للتعامل مع المسؤولين الفاسدين في القطاع المالي، فيما اعتبره بعض المراقبين جزءاً من خطة يتبعها رئيس الدولة شي جينبينغ، تمهيداً لتعديل الدستور للسماح ببقائه في الحكم بعد انتهاء السنوات التي يحددها الدستور الحالي للبلاد، وهو ما تسبب في ظهور مواجهات مكتومة بين الحكومة والعديد من رجال الأعمال.