استمع إلى الملخص
- نفذت وزارة الداخلية في غزة عمليات أمنية لملاحقة العصابات، ونجحت في القضاء على بعض العناصر الإجرامية، لكن الظاهرة مستمرة بسبب الظروف الأمنية الصعبة، مما يزيد من الفقر والتضخم.
- تبذل الحكومة جهودًا لمعالجة الظاهرة، لكن بعض العصابات تتعاون مع الاحتلال، مما يعزز سياسة التجويع ويزيد من صعوبة تلبية الاحتياجات اليومية.
يواجه الفلسطينيون في قطاع غزة، إلى جانب حرب الإبادة والتجويع، صعوبة في وصول شاحنات المساعدات والبضائع التجارية إلى أصحابها التجار ومستحقيها من النازحين والمواطنين في ظل انتشار ظاهرة السرقة على نحو واسع في المناطق الجنوبية خلال الشهور الماضية، حيث اتسعت ظاهرة بيع المساعدات في السوق السوداء.
وباتت هذه العصابات تتحكم في طريق مرور الشاحنات في وقت يوفر لها الاحتلال الإسرائيلي الحماية الكافية عبر استهداف مجموعات التأمين الشعبية وتلك المحسوبة على الأجهزة الأمنية في القطاع، ما عزز من ظاهرة سرقة الشاحنات التجارية بالرغم من المبالغ الكبيرة التي يدفعها التجار من أجل تنسيق مرور الشاحنات ولتوفير الحماية لبضائعهم.
هجوم على العصابات في غزة
ومساء يوم الاثنين، نفذت وحدة خاصة من وزارة الداخلية في غزة هجوماً مركباً على مجموعات لصوص وقطاع طرق كانوا يحتمون بمنطقة قريبة من منطقة العمليات العسكرية الإسرائيلية شرقي مدينة رفح، وأجهزوا على الموجودين في المنطقة. وأدت العملية، التي يقول المسؤولون في غزة إنها الأولى ولن تكون الأخيرة، إلى القضاء على نحو 25 عنصراً إجرامياً ومسؤولاً عن عمليات السرقة واللصوصية.
وارتفعت أسعار المواد والسلع الغذائية في القطاع المحتل بشكل كبير حيث تتراوح ما بين 10 أضعاف إلى 20 ضعفا في بعض الأحيان، في وقت قفزت فيه مؤشرات الغلاء المعيشي، حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى 283% عما كانت عليه الأوضاع قبل العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وتكررت في الشهور الأخيرة حوادث استشهاد مجموعات التأمين سواء تلك الحكومية أو المجموعات التي تم تشكيلها من قبل العشائر بالاتفاق مع الفصائل الفلسطينية لحماية الشاحنات ووقف ظاهرة السرقات التي تجري لها وهو أمر لم يتوقف.
وقبل حادثة مساء الاثنين، عملت المجموعات الأمنية التابعة للفصائل الفلسطينية والأجهزة الشرطية في غزة على ملاحقة جزئية للعصابات المسلحة من خلال اشتباكات شهدتها بعض المناطق في رفح وخانيونس والنصيرات جنوبي ووسط القطاع.
وأدت هذه الاستهدافات لقتل عدد من المسلحين وإصابة عشرات آخرين، غير أن المعالجة الأمنية لم تضع حداً لهذه الظاهرة التي باتت تلاحق الفلسطينيين في ظل حرب الإبادة التي أوشكت على دخول شهرها الخامس عشر على التوالي دون توقف.
وحسب بيانات البنك الدولي، فإن نسبة الفقر في غزة وصلت في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي إلى 100% في وقت قفزت فيه معدلات التضخم إلى 250%، علاوة على نسبة انعدام الأمن الغذائي التي تجاورت 80% في وقت تدعو فيه مؤسسات وجمعيات دولية إلى إعلان المجاعة في القطاع بسبب شح المواد الأساسية.
تداعيات كارثية على النازحين
في الأثناء، يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إن فئات منفلتة وخارجة عن القانون تعمل في جنوب قطاع غزة على سرقة شاحنات البضائع والمساعدات المخصصة للتجار ولأبناء الشعب الفلسطيني، ما يعمل على تأزيم ظروف الحياة للنازحين وغلاء المعيشة.
ويضيف الثوابتة لـ "العربي الجديد" أن الجهات الحكومية حاولت منذ اللحظة الأولى معالجة هذه الإشكالية مع الفئة الخارجة عن القانون منذ أشهر طويلة، ونجحت نسبيا في هذا الأمر، ولكن مازالت المشكلة قائمة.
وبحسب مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي فإن: "هذه الفئات تعمل في مساحة جغرافية لا تستطيع الطواقم الشرطية التحرك فيها بسبب خطورة الوضع الأمني الذي يفرضه جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، وعلاوة على ذلك فإن هؤلاء الخارجين عن القانون يتحركون تحت نظر الاحتلال".
ويشير إلى أن الاحتلال يوافق على سلوكهم، حيث يعملون تحت أعين قواتهم ويعمل على تسهيل هذه السلوكيات المسيئة، والتي تعمل في نهاية المطاف على تعزيز سياسة التجويع المتعمد.
ويؤكد الثوابتة أن أفراد العصابات عليهم قضايا سابقة وأحكام صادرة بحقّهم تدينهم من قبل الجهات القضائية في غزة، فيما جزء منهم محكوم في القضايا المُدانين فيها، فضلاً عن أن سلوك هذه العصابات الخارجة عن القانون يتماشى ويتسق مع أهداف الاحتلال وسياساته العدوانية بحق الفلسطينيين.
تحركات حكومية
ويلفت الثوابتة إلى أن الحكومة في غزة تبذل كل الجهود في إطار معالجة المواقف الميدانية مع هذه العصابات الخارجة عن القانون، والكثير منهم قام بتسليم نفسه للأجهزة الحكومية وأعرب عن تراجعه عن هذه السلوكيات، وتعهّدوا بعدم تكرار هذا الأمر.
ووفقاً لمدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، فقد وصلت لهم معلومات أن بعض هذه الفئات تقوم بالتنسيق مع الاحتلال لمعرفة موقع تحرك شاحنات المساعدات وأنواعها؛ من أجل السطو عليها وسرقتها تحت نظر الطيران "الإسرائيلي".
تشير بيانات الأمم المتحدة في أحدث تقاريرها إلى أن ما يصل إلى 1.9 مليون شخص أو حوالي 90% من عدد السكان في قطاع غزة هم نازحون، والعديد منهم نزحوا بشكل متكرر، بعضهم نزحوا عشر مرات أو أكثر، في حين ذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، أن ما يقرب من 84% من قطاع غزة يخضع لأوامر الإخلاء.
سوق سوداء للمساعدات
بدوره، يقول الصحافي والباحث في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر لـ"العربي الجديد" أن الاحتلال من اليوم الأول لحربه على غزة انتهج فكرة إعدام الأمن عبر استهداف رجال الأمن وتدمير الاقتصاد عبر منع إدخال البضائع وتعزير حالة الاحتكار، ما جعل الاحتلال متحكماً في حالة التجويع في القطاع.
ويؤكد أبو قمر أن سياسة سرقة الشاحنات والمساعدات أوجدت سوقاً سوداء، تتحكم في أسعار المواد بطريقة جعلت الفلسطينيين يقتربون من المجاعة مع عدم مقدرتهم على شراء المواد الغذائية الرئيسية، في وقت وصلت فيه البطالة إلى 95%. ويوضح أن الاحتلال معني بأن تذهب هذه المساعدات بطريقة لا تحقق أي أثر على المدى الطويل، في صفوف النازحين في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع للعام الثاني على التوالي.
ويشير إلى أن الاحتلال يعمل بشكل دائم على تعزيز سرقة المساعدات، من خلال دعم قطّاع الطرق عبر الاستهداف المباشر للمجموعات التي تلاحق هذه العناصر من أجل تعزيز التجويع ومحاولة تعزيز حالة الفراغ الأمني والاقتصادي في غزة.
وبحسب أبو قمر فإن هناك مشكلات اقتصادية كبيرة موجودة بالقطاع تتمثل في السوق السوداء التي انتشرت بشكل كبير جداً، إلى جانب المشكلات الاجتماعية التي تتمثل في عدم قدرة الفلسطينيين على تلبية احتياجاتهم من هذه المواد والأسعار.
ووفقاً للباحث في الشأن الاقتصادي، فإن الاحتلال يعتمد على سياسة "التنقيط" في إدخال الشاحنات بطريقة تجعل الأسواق متعطشة للبضائع، وتجعل الفلسطينيين يعيشون حالة من الاحتياج الدائم للبضائع والمستلزمات الأساسية.