سوريو تركيا ومصر.. ما أشبه اليوم بالأمس

14 يناير 2024
دور مهم للسوريين في تنشيط الأسواق وتحسين الإنتاج في مصر (فرانس برس)
+ الخط -

وشاءت الأقدار أن أكون، كآلاف السوريين، ممن جرّب الهجرة بعد الثورة السورية والملاحقة والاستهداف، إلى مصر ومن ثم إلى تركيا، ما يضعني، كما كثيرين، بصورة تشابه مسيرة الانقلاب على السوريين في مصر اليوم.

كما تدرّجت بتركيا، منذ زمن "المهاجرين والأنصار" إلى ما هم عليه اليوم، بعد تكريس حملات العنصرية التي أوصلتهم "لدودة حمراء بالطبيخ" يمنع تأجيرهم منازل بمعظم أحياء إسطنبول.

بعد أن حمّلتهم الأحزاب المعارضة -وتلكأت الحكومة والحزب الحاكم طبعاً- وزر تردي الوضع المعيشي والبطالة وتراجع سعر صرف الليرة وما رافقه من ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، التي زادت من نسبة الفقر واحتقان الشارع التركي على المهاجرين.

فالذي رأيناه بالقاهرة، بعد ما رشح عن اجتماع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مع لجنة وزارية موسعة الأسبوع الفائت، وتكشّف الخطة لإدارة ملف اللاجئين للتخلص من الأعباء المالية التي تتكبدها الدولة، وما تلاها من فرض رسوم تجديد إقامة السوريين إلى الأعلى بين اللاجئين "1200 دولار تسوية المخالفة ولمرة واحدة وهي إجراء غير موجوود بأي بلد يستضيف السوريين".

إضافة إلى دولرة معاملاتهم الرسمية وتعليم أبنائهم، بعد التمهيد للمبالغة بأعدادهم وتبديدهم موارد الدولة وسرقتهم فرص عمل المصريين.

تتشابه هذه الإجراءات، إن لم نقل تتطابق، مع بداية التحوّل التركي بعد عام 2018 وبدء تراجع سعر الصرف واستهداف المعارضة للاجئين، بل ويمكن للمدقق أن يلحظ نسخ بعض بنود الاستهداف من تركيا بالأمس إلى مصر اليوم، سواء عدم نظافة مطاعم السوريين ولعبهم بالدولار ومنحهم، من ميزات وتسهيلات لا تطاول ابن البلد، أو تعكير صفو العلاقات الخارجية للعديد من الدول، جراء إيواء السوريين.

من دون أن يتطرق المحرضون، بتركيا ومصر، إلى الاستثمارات السورية ودور اللاجئين بتنشيط الأسواق وتحسين الإنتاج والصادرات، خاصة في مصر العربية، التي أقر كثيرون، بمن فيهم مسؤولون، بكفاءة السوريين وحسن سلوكهم، فضلاً عن دور أعمالهم واستثماراتهم بتغيير النمط الاستهلاكي وتحسين الإنتاج.

ففي مصر، وبحسب الهيئة العامة للاستثمار، وطّن نحو 30 ألف مستثمر سوري بعد عام 2011 نحو 1254 شركة بقيمة 23 مليار دولار، بحسب تصريح سابق لرئيس مجلس الأعمال السوري المصري خلدون الموقع.

ولم يكن السوريون بتركيا أقل نشاطاً، إذ زادت استثماراتهم، بحسب رئيس جمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب "أسياد" عبد الغفور صالح عصفور، عن 10 مليارات دولار، من خلال 13880 شركة وفروا عبرها مئات آلاف فرص العمل في تركيا.

وتمكن ملاحظة زيادة قيمة الاستثمارات بمصر رغم قلة عدد الشركات، ما يدلل على حجم وطبيعة أعمال السوريين بمصر ويعكس ثقة أصحاب الرساميل بمناخ الأخوة وديمومة الإقامة.

قصارى القول: ليس من المصادفة ربما، بتزامن استهداف السوريين بمصر بالفترة التي استعادت علاقاتها السياسية مع أنقرة ومحاولة الاقتداء بالتجربة التركية، خاصة ما يتعلق بابتزاز الغرب والمانحين بورقة السوريين واستخدام المهاجرين داخلياً، ذريعة لعدم تنفيذ الوعود الاقتصادية.

بيد أن ثمة نقاط اختلاف مهمة ويمكن أن يكون لها دور بفارق مسيرة استهداف اللاجئين السوريين في كلا البلدين المستضيفين لأكبر عدد من السوريين بالمنطقة.

فمصر ليست فيها معارضة فاعلة يمكن أن تلعب هذه الورقة لمواجهة الحزب الحاكم أو الرئيس، على عكس تركيا التي وجدت أحزابها المعارضة في اللاجئين مطية تدين خلالها الحزب الحاكم وتتسلل عبر هذه الثغرة إلى البرلمان أو البلديات الكبرى... أو حتى رئاسة الدولة كما لاحظنا في مايو/أيار العام الماضي، وقت استعرت الحملة على السوريين خلال الانتخابات الرئاسية وإعادتها.

كما لا منطقة محررة قريبة من مصر كما إدلب بالنسبة لتركيا، يمكن أن تعزف عليها القاهرة أو تهدد السوريين بالترحيل إليها، من دون أن تطاولهم اعتقالات نظام الأسد، فالترحيل القسري من مصر يعني العودة إلى حضن الأسد والتخيير بين أمرين أحلاهما مرّ، الاعتقال أو الابتزاز.

ويمكن بنقاط الاختلاف بين الدولتين اللتين ضاقتا باللاجئين السوريين، أن ندرج عروبة مصر، فالأحزاب التركية المعارضة عزفت، ضمن ما عزفت لترحيل السوريين، على وتر القومية، بعد أن نكأوا بعض جراحات التاريخ المتخثرة التي زادت من تأجيج الشارع التركي المحتقن.

ولكن تركيا كانت، ومنذ شرارة ثورة السوريين الأولى، حليفة للثوار ومطالبهم، في حين أن مصر، بعد الانقلاب على الراحل محمد مرسي، تبنت خطاب الأسد ودعمته بغير موقع ومحفل وملف، ما يزيد من التوقعات والمخاوف بأن نهاية اللاجئين بمصر قد تكون أكثر قتامة مما هم عليه بتركيا اليوم.

رغم التعويل المستمر على طيبة الشعب المصري وابتعاده عن العنصرية ومحبته للسوريين خاصة والعرب بشكل عام.

نهاية القول: قضايا عدة لا بد من إدراجها، كحوامل أو مسببات لضيق صدر مستضيفي السوريين والانتقال من "البلد بلدك" إلى "أنت سبب مآسينا" ربما يأتي الزمن بمقدمة هاتيك الأسباب، فأن تطول أزمة السوريين ثلاث عشرة سنة من دون حلول، بل ويتبدل الحال تجاه نظام الأسد من "ارحل" إلى إعادة الإنتاج والقبول أو إلى تعويم، ففي ذلك سبب لبدء تفكير المضيفين بحل أزمة بدأت تأخذ صفة الأبدية، على طريقتهم.

كما لغياب قضية السوريين ومساعيهم للكرامة والحرية ومحاسبة النظام عن جدول أعمال الدول الكبرى، بعد نشوء أزمات أكثر سخونة، إن بأوكرانيا أو السودان أو أخيراً بفلسطين، يدفع الدول الحاضنة للاجئين للبحث عن طرائق تخفيف الحمولة أو الحصول على لقاء استضافتها السوريين.

وربما الأهم هنا، أن تراجع سخونة وطرح القضية السورية، رافقه تراجع كتلة مساعدات الدول المانحة للدول المضيفة، فزاد الأمر المترافق مع ارتفاع ديون المضيفين وتردي واقع شعوبهم المعاشي، كما ابتدأه لبنان ومن ثم الأردن، من اللعب على وتر أثر اللاجئين على الوضع الداخلي وتبديد موارد الدولة.

ولكن، وبواقع تفشي عدوى استهداف السوريين التي يمكن أن تطاول الدول الأوروبية، خاصة بعد وصول اليمين إلى الحكم بعضها، ما العمل؟!

ثمة مساران هنا، الأول يقع على عاتق السوريين اللاجئين، يمكن اختصاره بالانضباط بقوانين وتقاليد الدول المضيفة وعدم مخالفة القوانين، على الأقل، لسحب الذرائع وتقليل فرص الاستهداف.

والمسار الثاني إقليمي ودولي، يتجلى بالبحث عن سبب مشكلة اللجوء وإزالته، لأن النظر إلى النتائج عبر الهاربين الضعفاء، وترك أس وأساس البلاء، فيه من الآثام، القانونية والإنسانية وحتى الأخلاقية، ما يصعب على شعب قومي طيب ومضيّاف، كما المصري، تحمله.

طبعاً إن لم نتطرق إلى "لعنة السوريين" بحال التضييق عليهم وترحيلهم، والتي يمكن أن تطاول أسواق مصر واقتصادها، كما يلمسها الأتراك اليوم، بقلة العمالة وتراجع الاستهلاك والصادرات... فالسوريون منتجون ويجيدون صناعة الحياة أنى حلّوا.

المساهمون