اتجه الكثير من السوريين نحو بيع ممتلكاتهم وأثاث منازلهم، من أجل الإنفاق على الاحتياجات الأساسية لأسرهم.
وارتفع متوسط تكاليف المعيشة في سورية، خلال الشهر الجاري، إلى أكثر من 3 ملايين ليرة لعائلة مكونة من خمسة أفراد، ووصلت نسبة الارتفاع مقارنة بمارس/آذار الماضي إلى أكثر من خمسة في المائة، بحسب مؤشر مركز قاسيون للدراسات في العاصمة السورية دمشق.
وفي هذا السياق، تكشف الإعلامية السورية "ح.م" عن عرض بيتها في حي قدسيا بريف العاصمة دمشق للبيع، لتسد الديون المترتبة عليها جراء تكاليف المعيشة وتعليم "ابنتها الوحيدة". مضيفة لـ"العربي الجديد" أن بيع المنزل هو الحل الوحيد المتاح للاستمرار بواقع ما وصفته "كفر الغلاء وغياب الرحمة".
وتضيف الإعلامية، التي طلبت عدم ذكر اسمها الكامل، أن تبديد الممتلكات "من حلي وعقارات وسيارات" هي السمة العامة للسوريين، لأن "الفارق الهائل" بين الدخل الذي لا يتجاوز 100 ألف ليرة، والتكاليف المعيشية التي لا تقل شهرياً عن 3 ملايين ليرة للأسرة، دفع "معظم السوريين إلى بيع ما يمكن ليستمروا، خصوصاً أنّه لا أمل لهم في الحفاظ على الأملاك" على حد تعبير الإعلامية السورية.
ورغم ما يوصف بالركود الشديد في سوق العقارات، خصوصاً بعد بدء تطبيق التعليمات التنفيذية للقانون 37 أخيراً، والتي رفعت من الضرائب وتكاليف رخصة البناء من نحو 5 ملايين ليرة إلى 300 مليون وأكثر، فإنّ الأسعار حسب صاحب مكتب بيع العقارات بمنطقة دمر، سمير غنمة، تحافظ على ارتفاع أسعارها التي تتراوح بين 300 و500 مليون ليرة سورية (الدولار = نحو 4000 ليرة).
ويشير المتخصص في بيع العقارات، غنمة لـ"العربي الجديد" إلى زيادة عروض البيع، لكنّ حركة الشراء تراجعت كثيراً خلال العام الأخير، بعد الإقبال السابق من الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين.
ولا يخفي البرلماني السوري زهير تيناوي، زيادة حالات بيع السوريين ممتلكاتهم بسبب "الظروف المعيشية الضاغطة والتضخم المتزايد".
مقدّراً، في تصريح لصحيفة "البعث" الناطقة باسم الحزب الحاكم في سورية، نسبة من يبيعون لتحسين معيشتهم مؤقتاً بين 30 و40% من السوريين. ويضيف البرلماني أن ظروف المعيشة تدفع مالكي العقارات في دمشق إلى بيعها وتأمين سكن بديل بمواصفات أقل جودة، لاستمرار الإنفاق في ظل غلاء الأسعار ومحدودية الموارد.
ووفق دراسة أجراها "قاسيون" الشهر الماضي وقبل تكاليف عيد الأضحى، تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، حاجز الثلاثة ملايين ليرة سورية، والحد الأدنى مليوناً و881 ألف ليرة سورية.
ويتساءل الاقتصادي السوري حسين جميل، في تصريحه لـ"العربي الجديد": "ماذا عن الذين لا يمتلكون عقارات وسيارات وذهباً للبيع، كيف يعيشون؟!". ويلفت جميل إلى أن معظم السوريين لا يعملون، فنسبة البطالة تزيد عن 85%، أي أنّ الأجر الشهري القليل حتى ليس في متناول الجميع، وهؤلاء الفقراء الذين تمارَس عليهم جميع طرائق التجويع "يعتاشون على المساعدات وتحويلات ذويهم أو أهل الخير".
ويرى الاقتصادي السوري أنه "من المضحك" أن نرى "زملاءنا الاقتصاديين" يدعون إلى تغيير النمط الاستهلاكي للأسرة السورية لمواجهة الجوع، بدلاً من مواجهة نظام بشار الأسد وحكومته، ومطالبتهما بتحسين الدخول وإلغاء الضرائب وتأمين حوامل الطاقة.
لا يخفي البرلماني السوري زهير تيناوي، زيادة حالات بيع السوريين ممتلكاتهم بسبب "الظروف المعيشية الضاغطة والتضخم المتزايد"
وكان اقتصاديون وباحثون من دمشق، اقترحوا أخيراً تغيير نمط المعيشة وتفعيل ما أسموه الاقتصاد المنزلي، إضافة إلى حسن التدبير واعتماد القيم الأخلاقية خلال الإنفاق. وفي هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد مضر الأحمد: "بات علينا التدقيق أكثر في تفاصيل يومياتنا، وتوجيه البوصلة الحياتية المعيشية بشكل عقلاني نحو قراءة المستجدات والحياة بشكل مختلف".
ودعا الأحمد في لقاء نشرته وسائل إعلام سورية، الأربعاء الماضي، إلى "اتخاذ الكثير من الإجراءات الاحترازية التي تدور في فلك الاقتصاد المنزلي بكل أدواته وطرقه، وتحويل منازلنا إلى منشآت إنتاجية صغيرة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مراحلها الأولى، سواء الزراعي منها أو الصناعي الخدمي".
كما اعتبر الباحث منير سيف، أن قضية الاستهلاك تشكل نقطة تحول في الظروف الحالية، ويجب أن يكون هناك تغيير في النمط الاستهلاكي، خصوصاً الاستهلاك العائلي الذي يمثل كلّ ما تستهلكه العائلة، بغرض تحقيق الاستفادة وإشباع الحاجات والرغبات، ويجب أن يكون هذا الاستهلاك واعياً ويواكب مقدرة الفرد على حسن استخدام واستغلال الموارد المتاحة، سواء أكانت مرتبطة باللوازم اليومية من مصروفات الأطعمة والملابس، أو اللوازم اليومية التي تعكس حاجات الحياة الأساسية.
وفي واقع تلك الدعوات إلى ترشيد الاستهلاك واستغلال المنازل للإنتاج، يذكر أن متوسط الأجور للعاملين بالقطاع الحكومي في سورية، لا يتجاوز 93 ألف ليرة سورية، في حين تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد في بداية إبريل/نيسان الماضي حاجز 2.8 مليون ليرة سورية، وتعدى الشهر الجاري ثلاثة ملايين ليرة.