يودّع الدمشقيون "مقهى الحجاز"، أحد أشهر مقاهي العاصمة السورية دمشق، الملاصق لمحطة قطار الحجاز التاريخية، المطل على شارع خالد بن الوليد وشارع النصر.
فلم يعد بإمكانهم أن يجلسوا على تلك الكراسي المصنوعة من الخشب والقش، لاحتساء كأس من الشاي أو الزهور الشامية أو فنجان من القهوة مع النرجيلة (الشيشة)، بعد أن بدأت إحدى الشركات الخاصة حديثة التأسيس والتي تدور حولها الكثير من الشكوك، هدمه مؤخراً.
وتبلغ مساحة الصالة الشتوية في "مقهى الحجاز" نحو 900 متر مربع، في حين تتسع صالته الصيفية لنحو 600 شخص، وتصل مساحة العقار الذي يحجز المقهى جزءا منه إلى 5130 مترا مربعا، حيث توجد إلى جانب المقهى بعض المحال التجارية ومحطة وقود.
وأعلن مدير المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، حسنين علي، منتصف العام الماضي، أن مشروع "مجمع نيرفانا" من نصيب شركة تحمل اسم "شركة الحجاز للاستثمار السورية الخاصة". وللمصادفة، تأسست هذه الشركة التي تحمل نفس اسم المحطة، وبذات الفترة التي أعلن فيها عن طرح منطقة الحجاز للاستثمار ضمن "ملتقى الاستثمار السياحي" الذي أقيم نهاية تشرين الأول/أكتوبر من عام 2019 في مدينة طرطوس، برأس مال يبلغ خمسة ملايين ليرة، في حين تقدّر تكلفة المشروع في الحد الأدنى بنحو 25 مليار ليرة سورية. يشار إلى أن سعر صرف الدولار الواحد يعادل نحو أربعة آلاف ليرة سورية، في وقت ينهار سعر صرف العملة المحلية بشكل متسارع في مواجهة العملات الأجنبية.
وأفاد علي، في مقابلة له مع إحدى محطات الراديوهات المحلية، بأن "العقد مع الشركة تم على أساس نظام الـ B.O.T، أي تعود الملكية بعد 45 سنة للمؤسسة، ببدل سنوي قدره 1.6 مليار ليرة سورية، أو 16% من الإيرادات أيهما أعلى".
ويتكون مشروع نيرفانا من بناء مكون من 12 طابقا، يتضمن فندق خمس نجوم يتسع إلى 300 سرير، وستكون نسبة الاستثمار التجاري من البناء الطابقي 20%، في حين سيكون في الطابق رقم 12 مطعم بانوراميا يتسع لألف كرسي، كما سيضم البناء صالة متعددة الأغراض تتسع إلى 500 كرسي، ومركزا لرجال الأعمال، ومركزا صحيا، وناديا رياضيا ومسبحا، ومركزا ترفيهيا وألعابا، وأقبية على كامل المساحة تستخدم للخدمات، و4 مرائب للسيارات تحت الفندق.
بدوره، قال خبير اقتصادي في دمشق، طلب عدم كشف هويته، في حديث مع "العربي الجديد": "أصبح في سورية من الطبيعي أن تنشأ شركات جديدة بشكل مفاجئ وملكيتها تعود لأشخاص غير معروفين في الوسط الاقتصادي، ليحصلوا على استثمارات كبيرة من الدولة، لنكتشف بعد ذلك أنهم واجهة لشخصيات نافذة في النظام، مثل شركة تكامل التي أخذت مشروع تنظيم البطاقة الذكية الخاصة بتوزيع المواد الغذائية والمحروقات المدعومة، حيث يتم اقتطاع نسبة مالية من كل عملية شراء يقوم بها المواطنون، ثم تكشّف بعد ذلك أن رئيس مجلس الإدارة هو مهند الدباغ، ابن خالة زوجة رئيس النظام أسماء الأخرس".
يتكون مشروع نيرفانا من بناء مكون من 12 طابقا، يتضمن فندق خمس نجوم يتسع إلى 300 سرير
وأضاف: "اليوم، بحسب مصادر إعلامية محلية، فإن الشركة تعود إلى شخصين، هما فادي موفق حماده وأحمد فاروق عباس، بنسبة 50% لكل منهما، وغالبا هناك من يقف وراء هذه الشركات التي تتوالد بشكل سريع ولتقوم بمهام محددة، وهذا ليس حكرا على سورية، بل يوجد مثلها في لبنان والإمارات والصين وغيرها من المناطق، وتشكل شبكة احتيال على العقوبات الاقتصادية الدولية".
يُذكر أن "مقهى الحجاز" قد افتتح في بداية الخمسينيات، وبالرغم من أنه غير مسجل في قوائم التراث، إلا أن تلك العقود الماضية جعلت لهذا المقهى أثرا في نفوس السوريين ومقصدا للسياح، خاصة أن للمقاهي في دمشق دورا كبيرا في المجتمع، وفيها كانت تعقد ملتقيات سياسية وفكرية في مراحل مختلفة من حياة السوريين.