لم يسلم القطاع الصحي في سورية من الدمار، مثله مثل الصناعة والسياحة والبنى التحتية وحتى الطاقات البشرية.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تواجه فيه البلاد جائحة كورونا التي تحتاج إلى تطوير القطاع الصحي بدلا من تدميره. وامتد التخريب لمنشآت صناعة الأدوية، إذ أغلق الكثير منها بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وهجرة الكفاءات.
وفي هذا السياق، يؤكد العامل بقطاع الأدوية، أحمد الصمودي، لـ"العربي الجديد" أن في سورية كان يوجد قبل اندلاع الثورة عام 2011، نحو 79 شركة ومعملا لإنتاج الدواء، خرج 24 منها عن الإنتاج، معظمها في مدينة حلب، كما توقف أكثر من 20 معملاً عن الإنتاج أخيراً. وتبدل واقع سوق الأدوية بعد تراجع الإنتاج المحلي بنسبة 75%، حسب مصادر متخصصة من العاصمة دمشق، فسورية التي كانت قبل عام 2011 تصدر أدوية إلى 58 دولة، تستورد حتى المسكنات حالياً.
وتشير المصادر، التي رفضت ذكر أسمائها إلى أن روسيا أهم مورد رسمي لسورية، بنحو 30% من احتياجات السوق المحلية والباقي من إيران ودول الجوار وخاصة من لبنان.
نقص الأدوية
وانعكس ذلك على أسعار ووفرة الأدوية بالأسواق المحلية، رغم رفع وزارة الصحة بحكومة بشار الأسد، أسعار الدواء خمس مرات منذ عام 2016 لتصل نسب الارتفاع في بعض الأدوية إلى 1500% بحسب الصمودي.
ويرى صمودي خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن وقف حكومة الأسد دعم مستوردات المواد الفاعلة والأولية بصناعة الأدوية، هو السبب الأهم لارتفاع السعر، لأن التكاليف على أصحاب المعامل ارتفعت بشكل كبير، فهم يستوردون بالدولار، خاصة إذا ما قيست الأسعار على الليرة السورية المتهاوية (الدولار = 3300 ليرة).
ويضيف العامل بقطاع الأدوية، أن "سعر الدواء المنتج محليا، مثل "زيروليك 100"، ارتفع من 225 إلى 1300 ليرة و"نوركولت" من 300 إلى 1800 ليرة، ولم تسلم أدوية الأطفال والمسكنات من ارتفاع الأسعار. تؤكد مصادر من دمشق، تفشي الأدوية المهدئة والمخدرات، نتيجة غياب الرقابة والضغط المعيشي، في وقت تتناقص فيه أدوية الأمراض المزمنة بشكل كبير.
وكانت وزارة الصحة التابعة للنظام، قد كشفت في مارس/ آذار العام الماضي، عن ضبط حالات تعاطٍ للمخدرات في مدارس بريف دمشق وبعض الجامعات السورية. وتؤكد المصادر لـ"العربي الجديد" أن من المخاطر الكبيرة التي يتعرض لها السوريون، عدم الاهتمام وفحص فعالية وصلاحية الأدوية التي تدخل سورية تهريباً من لبنان والعراق بشكل خاص.
فوضى الاستيراد
ولا ينكر نظام الأسد فوضى الحدود والأسواق ووجود أدوية مهربة ومنتهية الصلاحية بدمشق، إذ أعلن الآمر العام في الجمارك، العميد آصف علوش، عن ضبط مستودع أدوية في ريف دمشق يحتوي أدوية بياناتها الجمركية تعود إلى ما قبل عام 2016 ومعظم الأدوية منتهية الصلاحية وتمت مصادرتها.
وبيّن آمر الجمارك خلال تصريحات أخيراً، أن "هناك عدة قضايا ضبطتها الجمارك حول أدوية مهربة وتم التعامل معها وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها جمركياً لأن معظم هذه الأدوية غير مطابقة للمواصفات القياسية السورية أو غير مراقبة وغير معروف مدى سلامتها أو صحة استخدامها".
وانعكس انهيار القطاع الصحي عموماً بسورية، والذي يراه الطبيب محمد الدندل متعمداً، على أسعار معاينة الأطباء والدواء. ووصلت أجرة معاينة الطبيب بحسب مصادر من العاصمة السورية دمشق، إلى ما بين 10 و25 ألف ليرة سورية (الدولار = نحو 3300 ليرة)، على حسب الاختصاص وشهرة الطبيب، وأجرة العمليات الجراحية إلى مئات الآلاف من الليرات.
وتؤكد المصادر أن أجرة الأطباء رسميا لم ترتفع منذ قبل الثورة، لكن رفع الأجور يتم بشكل فردي ويتم غض النظر عن تعرفة الأطباء من النقابة ووزارة الصحة.
ويشير نقيب الأطباء في سورية، كمال عامر، خلال تصريحات أخيراً، إلى أن عملية إصدار تعرفة جديدة للمعاينة الطبية تأخرت، إذ من المفترض أن يُعاد النظر بأجر المعاينة كل ثلاث سنوات، لكن التسعير الرسمي لم يزل سارياً وفق آخر رفع عام 2004، لافتاً إلى تعرفة ستصدر قريباً و"ستشمل قيمة الوحدات الجراحية".
من جانبه، يرى الطبيب السوري، محمد الدندل خلال حديثه لـ"العربي الجديد" أن المصيبة ليست بهجرة الكفاءات فحسب، بل بتردي الواقع التعليمي وتهديم البنى التحتية للقطاع الطبي، فسورية التي كانت تخرج آلاف طلاب الطب سنويا، من جامعاتها الحكومية في حلب، دمشق، اللاذقية ودير الزور، ومن ثم الجامعات الخاصة (القلمون والميادين) تعطلت بشكل شبه كامل اليوم، بعد هجرة الكفاءات، ولم يعد يتخرج مئات طلاب الطب بعموم سورية، مشيراً إلى افتتاح كليات طب (سورية وتركية بالمناطق المحررة شمال غرب سورية) معتبراً الفساد الذي طاول القطاع الطبي، من أخطر ظواهر التهديم لمهنة إنسانية بالأساس.
هجرة الكفاءات
وحول دخل الأطباء وواقع المعيشة، يؤكد الطبيب إبراهيم شحود، من الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، لـ"العربي الجديد"، أن متوسط دخل الطبيب بالمشافي لا يزيد عن مئة ألف ليرة شهرياً (نحو 30 دولاراً) في حين تكاليف المعيشة تزيد عن 600 ألف ليرة، فما الذي يدفع الأطباء للبقاء بسورية؟
يكشف شحود أن عدد الأطباء المسجلين في سورية، قبل عام 2011، كان نحو 35 ألف طبيب، لكن سورية اليوم، بجميع مدنها لا تحوي على 12 ألف طبيب. ويروي الطبيب السوري، أن الكفاءات والمتخصصين وحتى طلاب الطب، هاجروا من سورية "منهم من تابع الدراسة أو عدّل الشهادة، ومنهم من بدّل مهنته".