سنوات تقشف جديدة في تونس... كبح الاستيراد ولا توظيف

14 ابريل 2024
كبح الاستيراد تسبب في نقص العديد من السلع الأساسية بالأسواق (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حكومة تونس تعلن موازنة العام القادم مع التركيز على خفض عجز الموازنة إلى أقل من 6.6%، من خلال ضبط النفقات، ترشيد الدعم، وتحديد نفقات الاستثمار بناءً على التنفيذ الفعلي للمشاريع.
- تونس تواجه تحديات اقتصادية مع نمو اقتصادي لم يتجاوز 0.4% في 2023، وارتفاع معدل البطالة إلى 16.4%، مما يؤثر سلباً على معيشة المواطنين ويعكس فشل السياسات التقشفية في تحقيق النمو.
- الإصلاحات الاقتصادية والسياسات التقشفية لم تحقق النتائج المرجوة، مع تراجع جاذبية الاستثمار واستمرار الانكماش الاقتصادي. خبراء يدعون إلى ضرورة اعتماد سياسة مالية توسعية لإنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل.

كشفت حكومة تونس عن الخطوط العريضة لموازنة العام القادم، ضمن وثيقة توجيهية أرسلتها إلى الوزارات تضمنت توصيات بشأن ضبط النفقات لعام 2025 لخفض عجز الموازنة، والحد في الوقت نفسه من الاستدانة والتعويل على الموارد الداخلية.

وتنوي الحكومة وفق الوثيقة مواصلة التحكم في كتلة الأجور والتحكم في الدعم وتحديد نفقات الاستثمار بناء على ضوء التنفيذ الفعلي للمشاريع. ووفق الوثيقة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، فإن الحكومة تستهدف خفض عجز الموازنة إلى ما دون 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، والتي قدّرتها الحكومة للعام الجاري.

وبحسب النوايا المفصح عنها تتجه حكومة أحمد الحشاني إلى مواصلة ذات السياسات التقشفية التي اعتمدتها الحكومات السابقة، عبر مواصلة غلق باب التوظيف في القطاع الحكومي وكبح الاستيراد إلى جانب ترشيد دعم المواد الأساسية.

ومنذ أكثر من ست سنوات تعتمد تونس سياسات تقشفية في إطار خطة للإصلاح الاقتصادي، غير أن البلاد لم تتمكن من استعادة النمو الاقتصادي وتحسين مؤشرات عجز الموازنة.

وخلال عام 2023 لم تتجاوز نسبة النمو المعلنة 0.4% في العام بأكمله، كما صعدت البطالة إلى 16.4% خلال الربع الأخير (أكتوبر/تشرين الأول إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول).

ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي، أن وثيقة التوجيهات الحكومية تكرّس رؤية السلطة على المدى المتوسط، مشيرا إلى أنها لا تبتعد عما يطالب به صندوق النقد الدولي.

وقال الشكندالي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن رؤية الحكومة لموازنة 2025 لم تختلف عن رؤيتها لموازنات الأعوام السابقة، معتبرا أن الانكماش الذي ضرب الاقتصاد التونسي كان جراء خيارات خاطئة توجهت نحو خيار تسديد الديون الخارجية على حساب تزويد السوق بالمواد الأساسية، خاصة المواد الأولية الضرورية لعملية الإنتاج.

وينعكس التقشف سلباً على معيشة التونسيين الذين يضطرون يومياً للبحث عن المواد التموينية المفقودة من السوق، فضلاً عن نقص الدواء وتراجع الخدمات العامة، ولا سيما النقل والصحة والتعليم.

وخلال عام 2023 تراجع عجز الميزان التجاري للبلاد بنسبة 32.4% إلى 17 مليار دينار (5.4 مليارات دولار) مقارنة مع 25.2 مليار دينار (8.1 مليارات دولار) في 2022، وهو ما تعتبره السلطات نجاحاً ودافعاً إلى المزيد من خفض نفقات الاستيراد خلال العام الجاري.

لكن الخبير رضا الشكندالي قال إن ما تراه السلطات إنجازاً، لم يكن في الحقيقة كذلك، مؤكدا أن تحسّن عجز الميزان التجاري لم يكن من خلال تطور في الصادرات، بل بسبب تقشف على مستوى واردات المواد الأولية ونصف المصنعة والمواد الأساسية، وهو ما أضر بالاقتصاد الوطني وأحدث انكماشاً اقتصادياً وفقدان المواد الأساسية من السوق.

وأشار إلى أن هبوط النمو الاقتصادي إلى 0.4% مقابل تقديرات بـ1.8% أفقد ميزانية الدولة أكثر من ملياري دينار(643 مليون دولار) كما لم يساعد المنحى التنازلي للتضخم على كبح الأسعار التي واصلت ارتفاعها الجنوني، خاصة على مستوى المواد الغذائية الضرورية والأدوية، وفق قوله.

وغالبا ما واجهت سلطات تونس انتقادات بسبب تنفيذ سياسات تقشفية ضمن خطة إصلاح اقتصادي دون بلوغ الأهداف المرجوّة، كما لم تتوصل البلاد إلى توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي يفضي إلى حصولها على تمويلات بقيمة 1.9 مليار دولار.

ويرى الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق محسن حسن، أن تواصل السياسات التقشفية التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة بغاية التحكم في كتلة الأجور ثبت فشلها، في ظل مستويات ضعيفة من النمو وتواصل ارتفاع مستويات البطالة.

وقال حسن لـ"العربي الجديد" إن زيادة نسب النمو العام واستعادة الأنشطة الاقتصادية المهمة وتحريك الاستثمار، هي الأدوات الوحيدة القادرة على استيعاب كتلة أجور عالية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي.

وأكد المتحدث أن من أكبر المخاطر التي تهدد البلاد هو تردي مناخ الاستثمار وتراجع جاذبية تونس في مجال الأعمال، مشيرا إلى أن تحريك النمو يحتاج إلى دفع جديد لكل القطاعات المهمة. وأكد أن استمرار الانكماش الاقتصادي سيكون له تبعات اجتماعية كبيرة بسبب زيادة نسبة البطالة.

واعتبر أن سياسة التقشف التي اعتمدتها الحكومات السابقة أثبتت فشلها ولم تمكن من زيادة النمو ولا خلق الوظائف. وشدد على ضرورة اعتماد الحكومة على سياسة مالية توسعية تقوم على الإنفاق العمومي، من أجل إنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل جديدة للحد من نسب البطالة والفقر.

ويدعم الرئيس التونسي قيس سعيد فكرة التعويل على الذات والحد من الاقتراض الخارجي، كما يرفض تنفيذ إصلاحات صندوق النقد الدولي التي تمسّ بالسلم المجتمعي. وفي المقابل، لجأت الحكومة في فبراير/شباط الماضي إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي التونسي وسحب 7 مليارات دينار (2.25 مليار دولار) في شكل تمويل مباشر للخزينة.

ووافق البرلمان بشكل استثنائي حينها على طلب حكومي للحصول على تمويل مباشر من البنك المركزي، في خطوة تهدف إلى سداد الديون الخارجية، بما فيها 850 مليون يورو جرى سدادها في منتصف ذلك الشهر. وتواجه تونس صعوبات كبيرة في الحصول على تمويل خارجي منذ أن سيطر الرئيس قيس سعيد على كل السلطات تقريباً عام 2021، وحل البرلمان لاحقاً.

المساهمون