سلاح الغذاء الروسي ... موسكو تقايض "الغذاء بالولاء" لكسب تأييد الدول

05 يوليو 2022
الجفاف يضرب محصول القمح في إيطاليا ويفاقم أزمة الغذاء (Getty)
+ الخط -

تستخدم روسيا حتى الآن سلاح الغذاء بقوة لكسب دول العالم النامي لصالحها في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا. وتستفيد موسكو من شح إمدادات الغذاء في بعض أجزاء العالم وارتفاع أسعارها واحتمال حدوث مجاعة عالمية تتحسب لها بعض أنظمة الحكم في الدول الأفريقية والشرق أوسطية تهدد بقاءها في الحكم. وعادة ما تؤدي أزمات الغذاء إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية تطالب بتغيير النظام الحاكم.

ويرى تجار حبوب ودبلوماسيون غربيون، أنّ الدول الغربية ربما لن تكون قادرة على توفير الغذاء للدول الفقيرة في حال حدوث أزمة غذاء عميقة في إمدادات الحبوب العالمية بسبب الجفاف وجائحة كورونا والنزاعات المسلحة التي تضرب العديد من أجزاء العالم الفقير في أفريقيا وآسيا.
وحتى الآن تقايض موسكو بعض الدول بـ"الحصول على الغذاء مقابل الولاء"، خصوصاً في تعاملاتها مع الدول الفقيرة التي تواجه أزمات مالية لا تستطيع معها تسديد أثمان الغذاء والوقود.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وتقول صحيفة وول ستريت جورنال في تحليل نشر في عدد الأحد إنّ "روسيا تمارس لعبة خطيرة في تحديد من يحصل على صادراتها من الحبوب، إذ تفرض حصة من واردات القمح وتحدد الدول التي ستحصل على الغذاء وفقاً لولائها السياسي".
وفي ذات الشأن يحذر مسؤولون وجنرالات في البحرية الأميركية في تعليقات نقلتها الصحيفة المالية الأميركية من مخاطر عدم تمكن الدول الغربية من الحصول على ممر آمن لصادرات الحبوب الأوكرانية.
ويشير التقرير إلى أن محادثات الأمم المتحدة الخاصة بإيجاد ممر آمن لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر موانئ البحر الأسود إذا فشلت، فإنّ الدعوات الدولية بتدخل أساطيل حلف شمال الأطلسي أو أساطيل أخرى لفك ضائقة الغذاء ستتزايد وتطالب بإيجاد ممر مائي آمن للسفن التجارية حتى يتمكن العالم من الحصول على الحبوب الأوكرانية.
وأجرت تركيا اتصالات دبلوماسية مع موسكو والأمم المتحدة من أجل تشكيل آلية لضمان التسليم الآمن للحبوب من أوكرانيا إلى الأسواق العالمية، لكنّ المفاوضات لا تزال متعثرة حتى الآن.
وحسب وكالة تاس الروسية فإنّ الخطة التركية تناولت استراتيجية لفتح ممر آمن لتصدير الحبوب، وإطلاق مركز تنسيق سيسمح بتصدير 20 مليون طن من الحبوب من موانئ أوكرانيا إلى الأسواق العالمية، لكنّ هذه الخطة لم تنجح حتى الآن في تحقيق أهدافها.

ولا تخفي موسكو استخدامها لسلاح الغذاء بفعالية في الحرب الأوكرانية لضرب العقوبات المالية والاقتصادية المشددة التي فرضت عليها. في هذا الصدد، قال المسؤول الروسي ورئيس الوزراء الروسي السابق ديمتري ميدفيديف: "الغذاء هو سلاح روسيا الذي سيحميها من العقوبات الغربية".
من جانبه، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء مع نظيره الإندونيسي جوكو ويدودو، يوم الخميس الماضي، إنّ زبائننا سيحصلون على الإمدادات الغذائية، وإنّ أوكرانيا حرة في تصدير منتجات الغذاء. وأضاف بوتين: "لا أحد يمنع الأوكرانيين من نزع الألغام من المياه والسماح للسفن المحملة بالقمح من الإبحار عبر موانئ البحر الأسود". لكنّ مسؤولي الدول الغربية يقولون إنّ روسيا أغلقت فعلياً الموانئ الأوكرانية وزرعت الألغام في البحر الأسود، وبالتالي سيطرت على صادرات الحبوب في أوكرانيا".
وحسب المستشار بمركز الدراسات الاستراتيجية والشؤون الدولية في واشنطن، مارك كانكيان، فإنّ "الإمدادات الغذائية من روسيا وأوكرانيا أساسية لتحقيق الأمن الغذائي العالمي". وتقدّر صادرات القمح الروسية بنسبة 13% والأوكرانية بنسبة 8.5% من إجمالي صادرات القمح العالمية. ويرى الخبير كانكيان أنّ حصار الأسطول الروسي حرم العالم من وصول هذه الإمدادات.
ويتخوف دبلوماسيون أميركيون من نجاح الاستراتيجية الروسية في استخدام سلاح الغذاء لكسب مؤيدين لحربهم في أوكرانيا.

ولاحظ خبراء أنّ رؤساء دول من أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط غيروا مواقفهم التي كانت ضد الغزو الروسي لأوكرانيا حينما بدأت الحرب.

ولاحظوا في هذا الشأن، أنّ هنالك 141 دولة صوتت في الأمم المتحدة لصالح قرار يدعو روسيا لسحب قواتها من أوكرانيا في مارس/آذار الماضي، وأنّ عدد الدول التي صوتت لصالح قرار يدعو لطرد روسيا من منظمة حقوق الإنسان في إبريل/ نيسان الماضي تراجع إلى 93 دولة فقط، وهو ما يعني أنّ ضغوط القمح الروسي كسبت بعض الدول لصالحها بعدما كانت تدين الغزو الروسي.
وحسب تقرير لهيئة الزراعة الأميركية، فإنّ الدول التي تعتمد على واردات القمح من منطقة البحر الأسود، وهي إندونيسيا وباكستان ومصر وبنغلادش والمغرب، امتنعت جميعها عن التصويت لصالح قرار أممي لطرد روسيا من منظمة حقوق الإنسان في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعلقت المسؤولة السابقة لبرنامج الغذاء في وزارة الخارجية الأميركية، كاثلين ويلش: "هذه الدول في نهاية المطاف ترغب في الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي في دولها، وبالتالي فإنّها إن لم تحصل على القمح الأوكراني، فإنّها ستلجأ لروسيا".

وكدليل على صحة ما قالته المسؤولة الأميركية، فإنّ الرئيس السنغالي ماكي سال، الذي يرأس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، دعا موسكو في مارس/ آذار الماضي إلى "احترام القانون الدولي وسيادة أوكرانيا على حدودها الجغرافية"، ولكنه عاد إلى تحذير المسؤولين في أوروبا من تداعيات العقوبات الغربية على البنوك الروسية على واردات القارة الأفريقية من القمح الروسي.

وقال الرئيس السنغالي: "إنّ هذه العقوبات تجعل من الصعوبة بمكان إن لم تجعل من المستحيل حصول القارة الأفريقية على إمدادات الغذاء الروسية".

المساهمون