سلاح الغاز الطبيعي... واشنطن تسعى لتحرير أوروبا من هيمنة الطاقة الروسية

17 يناير 2022
أول لقاء مباشر بين الرئيسين الأميركي والروسي بجنيف في يونيو الماضي (Getty)
+ الخط -

يدخل العالم العام 2022 وهو يعاني من تقاطعات خطرة في أسواق الطاقة، إذ بينما تضغط موسكو على أوروبا عبر إمدادات الغاز الطبيعي وتواصل توسيع نفوذها الجيوسياسي في شمال شرقي أوكرانيا، تعمل الولايات المتحدة على سد ثغرة الغاز الطبيعي عبر تشجيع زيادة شركات الطاقة الأميركية لصادراتها بمعدلات قياسية لدول الاتحاد الأوروبي.

ويرى محللون أن شركة غاز بروم الروسية العملاقة التابعة للحكومة الروسية عملت خلال العام الماضي على خفض إمدادات الغاز الروسي لأوروبا وخلق أزمة طاقة بالدول الأوروبية لتحقيق هدفين، وهما الحصول على ترخيص لمشروع "نورد ستريم 2" الذي يمد ألمانيا بنحو 55 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز المسال، وهو مشروع اكتمل من الناحية الفنية، ولكنه ينتظر التشغيل القانوني عبر الحصول على ترخيص من مفوضية الطاقة الأوروبية في بروكسل.

روسيا تسعى إلى  إحداث شرخ في تماسك القرار الأوروبي تجاه دعم أوكرانيا التي تواجه حدودها منذ أسابيع تحشيد الجيوش الروسية

أما الهدف الثاني فهو إحداث شرخ في تماسك القرار الأوروبي تجاه دعم أوكرانيا التي تواجه حدودها منذ أسابيع تحشيد الجيوش الروسية.

ضغط أميركي على موسكو

وفي المقابل فإن الولايات المتحدة تعمل على تخليص حلفائها في أوروبا من أنياب الدب الروسي في أوكرانيا، عبر تأمين احتياجات القارة من الغاز الطبيعي عبر الزيادة القياسية في شحنات الغاز المسال الأميركي والضغط على موسكو بالعقوبات المالية الصارمة في حال تعدي جيوشها على الحدود السيادية لأوكرانيا.

طاقة
التحديثات الحية

لكن يبدو أن دبلوماسية المفاوضات التي جرت بين موسكو وواشنطن وحلفائها في جنيف منذ الاثنين الماضي لم تسفر عن أية نتيجة حتى الآن، إذ تطالب موسكو بضمانات أمنية من واشنطن وحلف شمال الأطلسي "ناتو" بعدم نصب صواريخ باليستية في أوكرانيا، بينما تلوح في ذات الوقت بنشر صواريخ في كوبا وفنزويلا.

على صعيد الغاز الطبيعي الذي سبب أكبر أزمة في أوروبا خلال العام الماضي، ويعد نقطة الضعف الرئيسية في تكوين قرار أوروبي موحد وقوي تجاه تعدي موسكو على الحدود الأوكرانية، تسعى الولايات المتحدة لسد هذه الثغرة عبر توجيه شركات الطاقة الأميركية لتحويل شحنات الغاز الأميركي من آسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وحسب بيانات شركة "ريفنيتيف" اللندنية، فإن شحنات الغاز المسال الأميركية بلغت كميات قياسية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

معظم صادرات أميركا من الغاز تتجه إلى أوروبا لمحاصرة إمدادات الغاز الروسي التي باتت أكبر مهدد لنمو الاقتصاد الأوروبي واستقرار الديمقراطيات

ووفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن طاقة إنتاج الغاز المسال الأميركي قد ارتفعت إلى 11.6 مليار قدم مكعبة في اليوم في نوفمبر/ تشرين الثاني وتتجه للارتفاع إلى 13.9 مليار قدم مكعبة في اليوم بنهاية العام الجاري 2022.

ومعظم هذه الكميات تتجه إلى أوروبا لمحاصرة إمدادات الغاز الروسي التي باتت أكبر مهدد لنمو الاقتصاد الأوروبي واستقرار الديمقراطيات الليبرالية وسط الاحتجاجات المتواصلة التي شهدتها شوارع أوروبا في العام الماضي.

وهذه الكميات الضخمة من الغاز المسال المنتجة بوساطة الشركات الأميركية، تكشف أن الولايات المتحدة لا تخطط لسد عجز الطاقة في أوروبا فحسب، ولكن أيضاً إلى الوصول إلى مستويات تجعلها تتفوق على إمدادات الغاز الروسي لأوروبا.

من جانبها قالت نشرة "أويل برايس" الأميركية، إن دول الاتحاد الأوروبي حصلت على شحنات غاز أميركية تعادل خمسة أضعاف ما حصلت عليه من غاز الأنابيب الذي تضخه شركة غاز بروم الروسية. وحسب النشرة، فإن نحو 30 ناقلة غاز أميركية وصلت إلى أوروبا خلال الشهر الماضي.

الشركات الأميركية تستفيد

وتستفيد شركات الطاقة الأميركية ليس فقط من ناحية فك ضائقة الطاقة الأوروبية وتعزيز موقف واشنطن وحلف "ناتو" في مواجهة روسيا، ولكن كذلك من ارتفاع سعر الغاز في أوروبا إلى مستويات أعلى من آسيا بسبب انخفاض منسوب خزانات الغاز الطبيعي في أوروبا الذي يخضع عملياً لتدفق الغاز الروسي.

في هذا الشأن قال مدير وكالة الطاقة الدولية الفاتح بيرول في تعليقات على موقع التواصل الاجتماعي "لينكد إن" يوم الخميس، إن نظم إمدادات الطاقة تواجه مخاطر كبرى حينما تعتمد على ممون واحد، وذلك في إشارة إلى هيمنة شركة غاز بروم على سوق الطاقة الأوروبي.

وود ماكينزي الأميركية المتخصصة في الطاقة: أوروبا تواجه نقصاً بمخزونات الغاز الطبيعي وربما تصل المخزونات إلى مستوى قياسي منخفض

وقال بيرول في تعليقه "نرى أن أزمة إمدادات الطاقة في السوق الأوروبي مفتعلة بسبب سلوك شركة غاز بروم".

من جانبها تقول شركة "وود ماكينزي" الأميركية المتخصصة في الطاقة، إن أوروبا تواجه نقصاً بمخزونات الغاز الطبيعي وربما تصل المخزونات إلى مستوى قياسي منخفض يأخذها تحت 15 مليار متر مكعب بنهاية مارس/ آذار المقبل.

وفي ذات الشأن، تقول كاترينا فيليبنكو محللة الطاقة بـ"وود ماكينزي": "يبدو أن شركة غاز بروم مترددة في زيادة إمدادات الغاز الطبيعي إلى أوروبا وتضغط عبر الغاز الطبيعي للحصول على الترخيص اللازم لتشغيل أنبوب "نورد ستريم 2".

يُذكر أن الشركات الأميركية رفعت معدل صادراتها إلى الخارج بنسبة 52% إلى 25.3 مليار متر مكعب في العام الماضي 2021 في خطوة وضعتها كأكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.

مصدر القوة لروسيا

على الصعيد الروسي، تعد الطاقة تاريخياً مصدر القوة الاقتصادي والسياسي لروسيا، وتعمل موسكو على تعزيز إستراتيجية الهيمنة على سوق الطاقة عبر زيادة إنتاج الغاز الطبيعي خلال العقد الجاري وتلبية احتياجات حليفها الصين والهيمنة كذلك على سوق النفط عبر تحالفها مع منظمة "أوبك" لرفع أسعار النفط، وبالتالي الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وآسيا.

ويلاحظ أنه ولأول مرة رفضت "أوبك" طلباً أميركياً متكرراً لزيادة إمدادات الخامات في سوق الطاقة العالمي بسبب الهيمنة الروسية على قرار التحالف النفطي العالمي.

لأول مرة ترفض "أوبك" طلباً أميركياً متكرراً لزيادة إمدادات الخامات في سوق الطاقة العالمي بسبب الهيمنة الروسية على قرار التحالف النفطي العالمي

وتعد الطاقة تاريخياً مصدر القوة الاقتصادي والسياسي لروسيا، وتعمل موسكو على تعزيز إستراتيجية الهيمنة على سوق الطاقة عبر زيادة إنتاج الغاز الطبيعي وتلبية احتياجات حليفها الصين.

وحسب وكالة تاس تخطط روسيا لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي من مستواه الحالي البالغ 739 مليار متر مكعب إلى 1.03 تريليون متر مكعب بحلول العام 2030. كما أنها تخطط لزيادة الغاز المسال من مستواه الحالي البالغ 41.5 مليار متر مكعب سنوياً.

ولكن قد تواجه روسيا أزمة أسواق في المستقبل إن لم تتمكن من التفاهم مع الولايات المتحدة بشأن أزمة أوكرانيا، لأن واشنطن تخطط لإجراءات حظر قاسية على صناعة الطاقة الروسية في المستقبل وتحرمها من التقنيات المتقدمة التي تحصل عليها حالياً.

ويرى محللون أن الولايات المتحدة ربما تواصل حصار روسيا وتقليل حصتها من الطاقة الأوروبية عبر عدة مسارات لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا.

من بين هذه المسارات، مشروع "ترانس غاز" بحر قزوين الذي ينقل الغاز من تركمانستان وأذربيجان إلى تركيا ثم يمر إلى أوروبا. ولكن هذا الخط يحتاج إلى عودة التفاهم مع أنقرة بشأن مد خط غاز بحر قزوين إلى أوروبا.

وخط أنابيب "ترانس قزوين" يبلغ طوله 300 كيلومتر. وتعود بداية المشروع إلى التسعينيات من القرن الماضي. وتم تصميم المشروع لنقل 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، 16 مليار متر مكعب منها للسوق التركي و14 مليار متر مكعب للمستهلكين في أوروبا. ولكن واجه المشروع مجموعة من العقبات.

أنبوب غاز المتوسط

على صعيد مشروع أنبوب غاز المتوسط الذي كان مخططاً له أن ينقل الغاز من الحقول المصرية والفلسطينية المحتلة إلى أوروبا عبر جزيرة كريت إلى اليونان ثم إلى إيطاليا، فقد توقف خلال الأعوام الماضية بسبب عدم الجدوى المالية.

وهناك خط "إيست ميد" المخطط له أن ينقل نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا وتقدر كلفته بأكثر من 7 مليارات دولار. 

لكن هذا الخط يواجه خلافات بين اليونان وتركيا حول الحدود البحرية، إضافة إلى الكلفة الضخمة، ولكن الولايات المتحدة إذا اضطرت ربما تتمكن من تسوية الخلافات المشتركة في المشروع وفق مراقبين.

المساهمون