استمع إلى الملخص
- التراجع في أسعار الذهب بعد فوز ترامب ناتج عن تحول المستثمرين نحو بدائل مثل العملات الرقمية، وقوة الدولار المدعومة بسياسات ترامب الاقتصادية.
- رغم التراجع، تظل التوقعات إيجابية للذهب على المدى المتوسط والبعيد بسبب التوترات الجيوسياسية، مع توقعات بوصول سعر الأوقية إلى 2900 دولار بحلول نهاية الربع الثالث من 2025.
سجلت أسعار الذهب قفزات قياسية قبل إجراء الانتخابات الأميركية التي فاز فيها دونالد ترامب، لدرجة أن توقعات بنوك استثمار ومؤسسات مالية كبرى، منها "سيتي بنك" و"ساكسو بنك"، ذهبت إلى بلوغ سعر الأوقية ثلاثة آلاف دولار خلال فترة قصيرة، وهو المستوى الأعلى في تاريخ المعدن النفيس، بل إن بنكاً استثمارياً عملاقاً هو "غولدمان ساكس" الأميركي توقع بلوغ السعر 3080 دولاراً بحلول بداية عام 2025. وهناك مؤسسات بالغت في تقديراتها حيث توقعت أن يصل الذهب إلى 10 آلاف دولار للأوقية إذا فازت نائبة كامالا هاريس في الانتخابات الأميركية.
لكن مع فوز ترامب تعرضت السوق لصدمة حيث تراجعت أسعار الذهب بشكل مفاجئ وصادم للكثيرين الذين راهنوا على صعود متواصل للمعدن الأصفر، على خلفية إقبال المستثمرين على حيازته ملاذاً آمناً، والطلب الشديد على الشراء من الدول والبنوك المركزية أو الأفراد، أو بسبب زيادة المخاطر الجيوسياسية في العالم، سواء في منطقة الشرق الأوسط أو أوكرانيا، أو بسبب مواصلة مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سياسة خفض أسعار الفائدة.
ووفق الأرقام، فقد بلغت نسبة تراجع سعر الذهب 9% خلال 10 أيام فقط، هي الفترة التي أعقبت الانتخابات الأميركية. وسجلت الأسعار أسوأ أسابيعها في ثلاث سنوات، ومن المتوقع أن يواصل السعر التراجع خلال الفترة القليلة المقبلة، وهو ما يشكل صدمة لهؤلاء الذين راهنوا على موجة قفزات طويلة الأمد للمعدن النفيس.
هناك أسباب تقف وراء التراجع المفاجئ في سعر الذهب، أبرزها الانقلاب الذي حدث في سوق الاستثمار عقب فوز ترامب من وجود بدائل أكثر جاذبية وربحاً للمستثمرين
هناك عدة أسباب تقف وراء التراجع المفاجئ والصادم في سعر الذهب، أبرزها الانقلاب الذي حدث في سوق الاستثمار العالمي عقب فوز ترامب من وجود بدائل أكثر جاذبية وربحاً للمستثمرين والمضاربين معاً، والإقبال المحموم على شراء العملات الرقمية، وفي مقدمتها بيتكوين التي قفز سعرها نحو 40% منذ فوز ترامب يوم 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وتدفق مليارات الدولارات من أصحاب الأموال على حيازة الأصول عالية المخاطر، سواء كانت عملات مشفرة، أو أسهم شركات مدرجة في البورصة، وزيادة سعر الدولار مقابل العملات الرئيسية ومنها اليورو.
والمراقب يلحظ ارتفاع بيتكوين بشكل قياسي وجنوني منتصف الأسبوع الماضي إلى 93 ألف دولار، وسط اندفاع شديد نحو الشراء، وهو ما حول أنظار المضاربين وصناديق الاستثمار بعيداً عن الأصول الآمنة التقليدية مثل الذهب.
أيضاً يجب الأخذ في الاعتبار عند البحث عن سر تراجع أسعار الذهب أن وعود ترامب خلال حملته الانتخابية، خاصة المتعلقة بالعملات الرقمية والحروب التجارية، أشعلت أنظار المستثمرين نحو الأصول ذات المخاطر العالية، والتخلي مؤقتاً عن الأصول شبه الآمنة مثل الذهب.
كما أن خطط الرئيس المنتخب الاقتصادية، ولا سيما المتعلقة بمعاقبة الصين وأوروبا تجارياً، دعمت قوة الدولار التي من المتوقع أن تزداد في فترة ولاية ترامب الثانية مع تفضيله سياسة الدولار القوي، إذ إن الرسوم الجمركية الضخمة التي يعتزم فرضها على الواردات الأميركية من الاتحاد الأوروبي، وخسارة أوروبا 150 مليار يورو سنوياً، من المتوقع أن تؤدي إلى خفض قيمة اليورو بنسبة قد تصل إلى 10%. ومع زيادة قوة الدولار ترتفع تكلفة حيازة الذهب بالنسبة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى مثل اليورو في عملية الشراء.
أيضاً فإن رفع الرسوم على الواردات الأميركية، خاصة القادمة من الصين بنسبة 60% مرة واحدة، سيؤدي إلى رفع الأسعار داخل الولايات المتحدة وخارجها، وهو ما قد يدفع بنك الاحتياط الفيدرالي إلى تجميد خطط خفض سعر الفائدة، وتيسير السياسة النقدية، بهدف السيطرة على التضخم المحتمل.
خطط الرئيس المنتخب الاقتصادية، ولا سيما المتعلقة بمعاقبة الصين وأوروبا تجارياً، دعمت قوة الدولار التي من المتوقع أن تزداد في فترة ولاية ترامب الثانية
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك توقعات في الأسواق وبين المستثمرين بأن الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا منذ فبراير/ شباط 2022 ستتوقف مع دخول ترامب البيت الأبيض، وهو الأمر الذي يحد من الطلب على الذهب، باعتباره الملاذ الآمن في أوقات الحروب والصراعات.
أيضاً تخطط السيناتور الأميركية، سينثيا لوميس، لتقديم مشروع قانون يقضي بتدشين مخزون استراتيجي من بيتكوين، وشراء مليون وحدة بكلفة 90 مليار دولار، والذي اقترحه ترامب، دون إضافة إلى العجز الحكومي، عن طريق بيع كميات من الذهب لدى بنك الاحتياط الفيدرالي. وهذا يعني زيادة المعروض عالمياً من المعدن النفيس، مقابل تهافت المستثمرين على شراء بيتكوين.
لكن، هل هذه العوامل وغيرها ستدفع سعر الذهب نحو التراجع الملحوظ في الفترة المقبلة؟
في تقديري أنه رغم التراجع الأخير في السعر فإن التوقعات لا تزال في صالح المعدن النفيس على المديين المتوسط والبعيد، فاندلاع توترات جيوسياسية وحروب اقتصادية وقلاقل تجارية حول العالم، بسبب صدمات ترامب وغيرها، من المتوقع أن تدفع نحو الأدوات شبة الآمنة ومنها الذهب، وأي خلاف بين ترامب والبنك الفيدرالي هو لصالح الذهب، وأي قلاقل ناتجة عن رسوم ترامب ستدفع بعض الدول نحو تقليص الاعتماد على الدولار في المبادلات التجارية.
كما أن تأثير الرسوم الجمركية المحتملة على الاقتصاد والدولار سيؤدي لإنعاش الطلب على أدوات التحوط مثل الذهب والفضة وسندات وأذون الخزانة، وفق "يو بي إس"، وهو واحد من أكبر البنوك الاستثمارية في العالم، والذي توقع قبل أيام وصول سعر الذهب إلى 2900 دولار للأوقية بحلول نهاية الربع الثالث من 2025 رغم تراجع السعر الأخير.