سر زيارة ماكرون كازاخستان قبل حلول الشتاء

17 نوفمبر 2023
الرئيسان ماكرون وتوكاييف في مدينة المآتا (Getty)
+ الخط -

ربما تكون درجة برودة هذا الشتاء عاملاً حاسماً في تحديد مستقبل عدد من قيادات الحكومات الأوروبية، خاصة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يواجه مجموعة من الأزمات، على رأسها الغضب الشديد من موقفه المنحاز لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حرب الإبادة القذرة التي يشنها الاحتلال على غزة، وارتفاع معدل التضخم وكلفة المعيشة وفواتير الطاقة.

ورغم أن فرنسا تقول إنها مستعدة لهذا الشتاء، فإن من غير المعروف كيف ستنتهي الحرب على غزة، وهل ستتوسع وتؤثر على إمدادات الطاقة العالمية إلى مستويات غير مسبوقة، وبالتالي تهدد قطاع الطاقة الأوروبي الذي يعاني أصلاً من العقوبات على الطاقة الروسية وتداعيات حرب أوكرانيا وفق محللين يعملون لصالح موقع إدارة معلومات الطاقة الأميركي ومؤسسات أخرى متخصصة في تحليل سياسات الطاقة.
في هذا الصدد، قالت ناتالي جيرل المحللة في مجموعة "إل سي إي جي": "عامل الخطر الرئيسي في هذا الشتاء هو درجة الحرارة، وذلك لأن استهلاك الكهرباء تراجع في فرنسا".
من جانبه، قال لوكا أوربانوتشي المحلل بشركة ICIS إنه لا تزال عقود أسعار الغاز في أوروبا مرتفعة للربع الأول من عام 2024 بسبب ارتفاع المخاطر".
لكن محلل شركة ريستاد، فابيان رونينجن، يقول إن التقلبات الشديدة في الأسعار العام الماضي في العقود الفورية لم تظهر مرة أخرى في العام الجاري 2023، مما يمنح المشاركين في سوق الطاقة بعض الثقة بأن أسعار الطاقة ربما لن تكون مقلقة هذا العام. ويشير رونينجن إلى أن علاوة المخاطر بالنسبة لفرنسا كانت أعلى من ألمانيا.

وتعتمد فرنسا بنسبة 80% على توليد الكهرباء عبر المولدات النووية. وحسب الخبيرة أليسا فاشنغ في تقرير نشره موقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية يوم 20 سبتمبر الماضي، فإن محطات الطاقة النووية في فرنسا ولدت 361 مليار كيلوواط/ساعة من الكهرباء في عام 2021، وهو ما يمثل 68% من توليد الكهرباء السنوي في البلاد.
كما تمتلك فرنسا 56 مفاعلًا نوويًا قابلاً للتشغيل بقدرة إجمالية تبلغ 61 جيغاواط، وتأتي فرنسا في المرتبة الثانية بعد محطات الطاقة في الولايات المتحدة التي تبلغ طاقتها 95 جيغاواط. ولكن مشكلة المحطات النووية قديمة وتحتاج إلى صيانة بشكل مستمر.
وقبل انقلاب النيجر الذي نفذه في يوليو/تموز الماضي 2023، الجنرال عبد الرحمن تشياني على محمد بازوم، كانت فرنسا تخفض تعرفة الكهرباء اعتمادا على النيجر التي تستورد منها اليورانيوم بسعر رخيص مقارنة بالدول الأخرى.
ووفقاً لتقرير بنشرة "ذا سبيكتاكل" الأوروبية التي تهتم بسوق اليورانيوم، فإن فرنسا كانت تستورد اليورانيوم من النيجر بسعر 0.80 يورو للكيلوغرام، لكن الحكومة النيجيرية الجديدة رفعت السعر لمستويات قياسية ليصل إلى 200 يورو للكيلوغرام.
وحسب تقرير النشرة، استوردت فرنسا نحو 17.6 ألف طنًا من اليورانيوم سنويًا من النيجر في السنوات العشر الماضية، ودفعت 1.4 مليار يورو سنوياً.
وعقب وقوع الانقلاب العسكري في النيجر بدأت فرنسا رحلة البحث عن مصادر بديلة لليورانيوم. وعلى رأس هذه المصادر دول آسيا الوسطى، وتحديداً كازاخستان وأوزبكستان، وهما الدولتان اللتان لديهما احتياطي كبير من اليورانيوم. وربما يكون هذا هو السر وراء زيارة الرئيس ماكرون لكازاخستان يوم 1 نوفمبر الجاري ومحاولة تقوية علاقته التجارية والسياسية معها، إذ إن كازاخستان تعد من كبار الدول في العالم في إنتاج اليورانيوم، وتمتلك نحو 40% من الإنتاج العالمي، بينما تعد النيجر سابع دولة في إنتاج اليورانيوم، وفقاً لبيانات الاتحاد العالمي لليورانيوم.
ومع دخول فصل الشتاء في أوروبا يتزايد القلق من النقص في توليد الطاقة بأوروبا، خاصة في فرنسا التي تمد بعض الدول الأوروبية بالكهرباء المولدة نووياً.
ولا تعني إمدادات الطاقة الرخيصة في فرنسا فقط التدفئة والإنارة، ولكنها تعني كذلك تنافسية المنتجات الفرنسية، حيث يؤدي ارتفاع أسعار الكهرباء إلى زيادة كبيرة في تكاليف تشغيل المرافق العامة والمصانع.
وكانت أسعار الطاقة قد سجلت في فرنسا أرقاماً قياسية في أواخر أغسطس/آب الماضي. ويبدو أن الأزمة لم تنته بعد، إذ ارتفعت أسعار الكهرباء في فرنسا في العقود المستقبلية ارتفاعاً بنسبة 25% لتصل إلى 1130 يورو لكل ميغاواط/ساعة، وفقاً لبورصة الطاقة الأوروبية، وهي المرة الأولى التي يتجاوز فيها أسعار العقود الآجلة للكهرباء الفرنسية 1000 يورو.

ويبدو أن ماكرون بات قلقاً من احتمال ارتفاع أسعار الطاقة وإثارة المزيد من التظاهرات على حكومته، حيث دعا في وقت سابق الشركات والأفراد إلى خفض استهلاك الطاقة بنسبة 10% على الأقل، محذراً من أنه بخلاف ذلك قد تواجه البلاد تقنيناً وتخفيضات هذا الشتاء، وذلك وفقاً لوكالة فرانس برس.
وعلى الرغم من توقف غاز الأنابيب من روسيا في الشتاء الماضي، تمكنت أوروبا من تجنب أزمة الشتاء المخيفة، وذلك بفضل الطقس الدافئ غير المعتاد والتدابير التي أدت إلى كبح الطلب على الوقود الأزرق.
وتراجعت تكاليف الطاقة منذ ذلك الحين مع تراجع مخاطر انقطاع التيار الكهربائي، لكن أسعار الطاقة الفرنسية "لا تزال مرتفعة بعض الشيء"، حيث لا تزال لدى بعض الناس "شكوك" بشأن الإمدادات هذا الشتاء، حسبما قال باتريك بويان، الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال إنيرجي إس إي، لوكالة بلومبيرغ الأميركية.
ولتفادي أزمة الطاقة في فرنسا هذا الشتاء، سجل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة رسمية إلى كازاخستان في الأول من نوفمبر/تشرين الجاري، حيث التقى بالرئيس قاسم جومارت توكاييف.
ويرى الخبراء أن زيارة ماكرون بمثابة شهادة على دور كازاخستان المتنامي في أمن الطاقة العالمي، بما في ذلك المواد الخام الحيوية، ليس فقط لفرنسا ولكن للاتحاد الأوروبي.
ووفقاً لمذكرة أعدها كبير خبراء مجموعة التحليل والتنبؤ لفاليري سيتينكو، المتخصصة في الطاقة المتجددة، فإن كازاخستان هي مفتاح أمن الطاقة لفرنسا.
وإضافة إلى حاجة فرنسا لكازاخستان في تعويض اليورانيوم من مناجم النيجر، يأمل الرئيس ماكرون أن تمهد الزيارة لتعزيز علاقات الطاقة لآسيا الوسطى مع دول الاتحاد الأوروبي.
في هذا الصدد قال لخبير سيتينكو، إن هذا ينبع من "الأهمية الجيواستراتيجية للمنطقة كحلقة وصل بين أوروبا وآسيا. ومعروف أن أوروبا تسعى لزيادة وارداتها من النفط والغاز المنتج في آسيا الوسطى لتعويض خسارة الطاقة الروسية.
وفي أكتوبر 2022، قام رئيس المجلس الأوروبي، تشارلز ميشيل، بزيارة رسمية إلى كازاخستان، وشهد توقيع مشروع الهيدروجين الأخضر الذي ستنفذه شركة سفيفيند الألمانية السويدية في منطقة مانجيستاو.
كما شارك في الاجتماع الأول بين آسيا الوسطى والاتحاد الأوروبي، وذلك وفقاً لبيانات صحيفة "أستانا تايمز" الوقود النووي في فرنسا. وفي الأشهر الأولى من عام 2023، استمرت المخاوف من استمرار مشاكل الإمدادات النووية، لكن التوافر تحسن تدريجيًا على مدار العام.
وقال المحلل في شركة كبلر، إيميريك دي فيجان، إن انخفاض الأسعار يرتبط ارتباطًا مباشرًا بزيادة الثقة في توافر الطاقة النووية، حيث شهد السوق ارتفاعًا في الأسابيع القليلة الماضية.
كما قال عدد من رؤساء شركات الطاقة الرئيسية في فرنسا ومنها EDF و(TTEF.PA)، إن الإمدادات ستكون أفضل هذا الشتاء مقارنة بالشتاء الماضي، لكن من المرجح أن تظل الأسعار مرتفعة.

المساهمون