ما كان حلماً طموحاً لإنتاج الطاقة من سد النهضة في إثيوبيا، تحول إلى حقيقة، إلّا أنّ هذا المشروع يثير مخاوف إقليمية، إذ تعد مصر أكبر دولة أفريقية تشعر بالقلق الشديد تجاه استمرار سياسات إثيوبيا للتفرد باستخدام مياه النيل الأزرق، حيث تعتمد القاهرة على مياه هذا النهر في تلبية أكثر من 90 في المائة من احتياجاتها من الري والشرب.
ولإنتاج الطاقة من السد الإثيوبي تم تشغيل توربين لإنتاج الكهرباء وإعداد توربين أخر للتشغيل، من أصل 13 توربيناً.
وكانت الحكومة الإثيوبية احتفلت في 20 فبراير/شباط الماضي بتدشين مشروع إنتاج الطاقة الكهربائية من سدّ النهضة، وذلك بعد 7 أشهر عقب إعلان أديس أبابا عن اكتمال الملء الثاني لخزان السد.
وقال رئيس الوزراء أبي أحمد إنّ ميلاد عهد جديد بزغ للإثيوبيين بعد طول انتظار لهذا المشروع الذي تأمل إثيوبيا أن يسد احتياجات قومياتها من الطاقة الكهربائية، إذ يتوقع أن يوفر الطاقة لنحو 60 في المائة من إجمالي السكان في إثيوبيا (115 مليون نسمة) الذين لم ينعموا بالكهرباء من قبل، كما أنه سيرفع العناء عن كاهل الأمهات الفقيرات اللواتي يجمعن الحطب من أجل التدفئة أو الإنارة.
وفي عام 2011 أطلقت إثيوبيا مشروع إنتاج الطاقة الكهربائية من سد النهضة، وقدرت تكلفته بنحو 4 مليارات دولار.
وفي ما يخص القلق المصري والسوداني حول تأثيرات إنتاج الطاقة من السد خصوصاً حصصهما المائية، طمأن أبي أحمد الدولتين، وقال في تصريح مقتضب إنّ "المياه ستتدفق إلى السودان ومصر، لأنّ علاقة إثيوبيا أخوية مع الشعبين ولن يلحق بهما أي ضرر". وتدعم النخبة الإثيوبية رأي أبي أحمد حيث ترى أنّ مشروع إنتاج الطاقة من سد النهضة هو انعكاس للتنمية الداخلية في إثيوبيا.
توفير الكهرباء للقرن الأفريقي
وفي السياق يقول مدير المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مشروع إنتاج الطاقة من سد النهضة أصبح واقعاً خاصاً بوحدة الإثيوبيين، كما أنه بمثابة نهضة لأفريقيا من منظور الرؤية الإقليمية للنهضة الأفريقية، وسيسهم في توفير الطاقة أيضاً لدول القرن الأفريقي (إريتريا، الصومال، جيبوتي) التي لا تتوافر فيها طاقة كهربائية كافية.
ويشير ياسين إلى أنّ الفوائد الاقتصادية لتوليد الطاقة ستأخذ الحيز الأكبر في عملية تطوير الزراعة، إذ إنّ المزارعين لا يتركون أراضيهم ويرحلون من الأرياف إلى المدن، نتيجة عدم توفر الكهرباء، كما كان الحال سابقاً، ويمكن أن توفر الطاقة المنتجة من سد النهضة في تنظيم عملية تطوير حرث الأراضي الزراعية بالري ومدِّهم بالتكنولوجيا الحديثة لرفع الإنتاج الزراعي من خلال الاستفادة من الطاقة الكهربائية المولدة من السد، وهذا سيحدث فرقاً هائلاً في اقتصاد إثيوبيا مستقبلاً.
السد الأكبر في القارة السمراء
ستصبح إثيوبيا بذلك أكبر مُصدر للطاقة الكهربائية في أفريقيا، حيث يُعد سد النهضة الأكبر في أفريقيا والعاشر على مستوى العالم في توليد الطاقة الكهربائية.
وسارعت العديد من دول القرن الأفريقي بشراء عقود إمداد الكهرباء من إثيوبيا في الفترة الماضية، وبالإضافة لعائدات تصدير الكهرباء باعتبارها موردا متجددا للنقد الأجنبي، فمن المتوقع أن ينخفض استيراد إثيوبيا للنفط، وهذا بلا شك سيكون له أثر كبير على الاقتصاد الإثيوبي المتنامي، وهو من دوافع بنائها للسد من الأساس.
ووفق مدير المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية: "هناك وضع جديد بعد إطلاق مشروع إنتاج الطاقة بتشغيل التوربين الأول الذي بدأ عملية توليد 350 ميغاواتاً"، وهذه الخطوة في تقديره ستكون عنصرا مساهما في استئناف المفاوضات الثلاثية على أساس التعاون الإقليمي والاقتصادي لتعزيز المصالح المشتركة للدول الثلاث وشعوبها.
ويضيف ياسين أن إنتاج إثيوبيا الكهرباء من سد النهضة، سيغير حتماً الخطاب السياسي لقيادات دول المصب، إلى خطاب أكثر اتزاناً ومرونة، للتركيز علي تحقيق المصالح المشتركة عبر جسور الدبلوماسية وبروح التعاون الإقليمي حول احتواء نقاط الخلاف بين الدول الثلاث والتي يكمن حلها في تقديم تنازلات من الدول الثلاث، على تقاسم عادل يرضي كافة الأطراف.
مخاوف من تطور النزاع
لكن على مستوى القلق الدولي والإقليمي المتزايد حول تطور النزاع المائي بين الدول الثلاث (مصر السودان إثيوبيا) يرى البعض أن خطوة توليد الطاقة من السد، ستزيد القضية تعقيدًا، خاصة بعد التخزين الأول والثاني الذي أقدمت عليه إثيوبيا أيضًا بشكل أحادي، ويضع دولتي المصب في أزمة حقيقية، ليس بسبب بدء تشغيل السد وتوليد الكهرباء؛ لكن نتيجة التعنت الإثيوبي والاستمرار في اتخاذ خطوات أحادية في قضية مصيرية تمس الأمن المائي لمصر والسودان.
وحول فرضية أن يتصاعد التوتر بين دولتي المصب (مصر والسودان) وإثيوبيا، تقول الباحثة المصرية روضة علي عبد الغفار، لـ"العربي الجديد": "من المستبعد حالياً بالنسبة لدولتي المصب، اللجوء إلى خيار التصعيد مع أديس أبابا عسكرياً، فمصر لا تميل للحل العسكري، والسودان منشغل بأزماته الداخلية".
تضيف: "لذلك فالخيارات الآن محصورة في التفاوض، لصعوبة الحلّ العسكري، وتعثُر الحلّ القانوني المتمثل في التحكيم الدولي، فـبدء توليد الكهرباء من السد لن يُشعل فتيل توترات أو صراع عسكري بين الدول الثلاث؛ لكنّ استمرار الجانب الإثيوبي في التصرفات الأحادية والمماطلة في التوصل لاتفاق مُلزم سيزيد الوضع سوءاً".
أضرار دول المصب
وحول أضرار إنتاج الطاقة من السد، يقول الباحث السوداني المقيم في أديس أبابا عباس محمد صالح، في حديث لـ"العربي الجديد" إنّ الأضرار على دولتي المصب ستكون في المستقبل أكثر تأثيراً لكن بدرجات متفاوتة بين الخرطوم والقاهرة؛ فبالنسبة للسودان، فإن المخاوف بشأن الأضرار ستتركز حول قضايا السلامة وحجم تدفق المياه لضمان تشغيل خزان الروصيرص، فضلاً عن آليات تبادل المعلومات الفنية بصورة دورية.
يضيف عباس: "أما بالنسبة لمصر، فإنّ الأضرار تبدو بعيدة المدى، لناحية تناقص كميات تدفق المياه الواردة إليها، أي بدء خسارة حصصها التاريخية من المياه بشكل عام، علماً أنّ مصر تعتمد بأكثر من 90 في المائة على مياه النيل".
لكنّ الأضرار على دولتي المصب حالياً تتمثل في أنّ مسار التفاوض لم يعد ذا جدوى بالنسبة لقضاياهما، خصوصاً أنّهما لا تتمتعان بأوراق ضغط أو فرص حقيقية في ظل هذا المسار بشكله الحالي. فضلاً عن ذلك فإنّ نهاية هذا المسار قد كرست لسابقة وهي استمرار إثيوبيا في استغلال مواردها المائية بالتوسع في إنشاء السدود والمشاريع الضخمة من دون تفاهمات بالضرورة مع دولتي المصب.
ويشير عباس، إلى أنّه مع بدء تشغيل أحد التوربينات في هذه المرحلة من إجمالي 13 توربينا، لذا في الوقت الراهن لا تأثير على تدفق المياه صوب دولتي المصب، لكنّ التأثير سيظهر مع استمرار عمليات ملء السد وإنتاج الكهرباء بشكل تدريجي في السنوات القادمة، خصوصاً بعد اكتمال السدّ وفشل المفاوضات في التوصل إلى حلول توافقية بين الأطراف الثلاثة حول قضايا السد.