سباق عُماني لتصدير النفط رغم محدودية الاحتياطيات

09 ابريل 2023
الاقتصاد العُماني يعتمد على عوائد النفط والغاز بأكثر من 50% (Getty)
+ الخط -

تكشف أرقام قطاع الطاقة في سلطنة عُمان عن مفارقة مثيرة للتساؤل، إذ تتوسع الدولة في عقد صفقات تصدير النفط والغاز، بينما تؤكد الإحصاءات المعلنة محدودية الاحتياطيات.

فبحسب تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط، مطلع مارس/ آذار الماضي، تكفي احتياطيات الغاز في السلطنة لمدة 17 عاماً، فيما تكفي احتياطيات النفط ما لا يزيد على 19 عاماً.

وفي الوقت ذاته، أعلنت وزارة الطاقة العُمانية عن العديد من الصفقات الخاصة بتصدير الغاز الطبيعي تحديداً إلى مختلف الوجهات العالمية، مثل كوريا الجنوبية واليابان وباكستان وتايلاند، وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا، بالإضافة إلى تركيا، التي استقبلت لأول مرة شحنة من الغاز العُماني في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فضلاُ عن الصين، حيث أعلنت الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال في فبراير/ شباط الماضي عن توقيعها اتفاقاً مع شركة يونيبك الصينية لتوريد نحو مليون طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنوياً على مدى أربع سنوات تبدأ من عام 2025.

وأورد تقرير لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك" تسجيل صادرات الغاز المسال من سلطنة عُمان نحو 11.3 مليون طن خلال العام الماضي، وهو أعلى مستوى في تاريخ السلطنة. ونجحت الحكومة العُمانية في تحقيق الرقم غير المسبوق من صادرات الغاز المسال، بعد استكمال مشروع إزالة الاختناقات من محطة "قلهات" الذي بدأ مؤخراً لرفع قدراتها الإنتاجية إلى 11.5 مليون طن سنوياً، ليصل تصدير الغاز العُماني إلى 22 دولة، منذ بدء عمليات الإنتاج بالمحطة في أبريل/نيسان 2000.

ويتوقع خبير شؤون الطاقة وائل حامد عبد المعطي أن يحقق إنتاج وتصدير الغاز المسال العُماني قفزةً ضخمة خلال العام الجاري، حسبما أورد تقرير "أوابك".

وإزاء مفارقة محدودية الاحتياطيات والتوسع في التصدير، يشير المحلل الاقتصادي مازن أرشيد إلى أن صادرات عُمان من النفط تتجاوز الـ 80% من إنتاجها، في إطار تنسيق سياسات السلطنة مع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، من جانب، وظهور اكتشافات نفطية مؤكدة من جانب آخر، حسبما صرّح لـ"العربي الجديد".

فالعديد من الاكتشافات الجديدة للنفط في عُمان جرى الإعلان عنها أخيراً، ما يرشح زيادة إنتاج السلطنة من 850 ألف برميل يومياً إلى نحو 950 ألف برميل يومياً، خلال السنوات الثلاث المقبلة، بما يمثل زيادة نوعية تفوق الاحتياطيات المسجلة في تقرير معهد الشرق الأوسط، وفق أرشيد.

وتستهدف الحكومة العُمانية من التصدير الكبير من إجمالي الإنتاج تعزيز الوضع الاقتصادي للبلاد عبر الاستفادة من زيادة أسعار النفط والغاز بعد جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا المستمرة منذ نهاية فبراير/ شباط 2022، ما انعكس بشكل واضح على تحقيق ميزانية السلطنة فائضاً ماليا تجاوز 3 مليارات دولار العام الماضي، حسبما أورد تقرير لوزارة المالية العُمانية.

ويشير أرشيد، في هذا الصدد، إلى أن السلطنة تستهدف الاستمرار بمنحنى الفائض المالي في السنوات المقبلة، خاصة في ظل المؤشرات على استمرار ارتفاع أسعار النفط والغاز.

ورغم ذلك، يرى الخبير الاقتصادي، محمد الناير، ضرورة توفيق السلطنة لأوضاعها عبر خطة استراتيجية تستهدف استثمار عوائد النفط والغاز في مشروعات التنويع الاقتصادي بالأساس، وإلا فستواجه أزمة خلال العقود المقبلة، ليس فقط بقطاع الطاقة، بل بمجمل الاقتصاد، الذي ما يزال يعتمد على عوائد النفط والغاز بأكثر من 50%.

وهنا يلعب جهاز الاستثمار العماني (الصندوق السيادي) دوراً حيوياً، بحسب الناير، إذ تعد استثماراته لعوائد النفط والغاز بمثابة تأمين لحقوق الأجيال القادمة، مشيراً إلى أن هذه الاستثمارات تستند إلى مقومات لا تملكها دول أخرى، مثل الموقع الاستراتيجي للسلطنة على مضيق هرمز، وهو مدخل الخليج العربي ورابط الطريق التجاري البحري بين الخليج العربي والمحيط الهندي.

ويلفت الناير إلى أن الاستكشافات الجديدة للثروة الأحفورية (نفط وغاز ومعادن) في عُمان تمثل مرتكزاً لاستثمارات الجهاز، مشيراً إلى أن الاحتياطيات المسجلة في تقرير معهد الشرق الأوسط تعدّ "المؤكدة" حتى الآن، بينما هناك احتياطيات أخرى جرى تصنيفها في السابق باعتبارها "غير مؤكدة" وبفضل التطور التقني وزيادة القدرة الإنتاجية للسلطنة تدخل في إطار المؤكدة.

لكن العلاقة التبادلية بين عوائد الثروة الأحفورية وبين استثمارات الصندوق السيادي العُماني يجب أن تجرى في إطار منظم ومحكوم برؤية عُمان 2040، وبالتالي التحول من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الطاقات الجديدة والمتجددة الصديقة للبيئة، في إطار استراتيجية تدعم الاقتصاد الأخضر، حسبما يرى الناير.

وكانت وزارة الطاقة العُمانية قد أعلنت طرح 3 مناطق امتياز في النفط والغاز للشركات البترولية المحلية والعالمية بنهاية مارس/ آذار الماضي، ومجموعة جديدة من حقول النفط والغاز البحرية بحلول نهاية يونيو/ حزيران مقبل. وعامل الوقت باستثمار عوائد النفط والغاز في غاية الأهمية للسلطنة، التي ستواجه أزمة خلال عقدين إن لم تبدأ تسريعاً لعملية التحول الطاقوي فوراً، بحسب الناير.

المساهمون