- الحكومة المصرية تعلن عن جهود لخفض الأسعار وتوفير السلع بأسعار مقبولة، لكن الواقع يظهر زيادات متتالية في أسعار السلع والخدمات، مما يعمق الأزمة الاقتصادية.
- الزيادات الحكومية في أسعار الوقود، الدولار الجمركي، والخدمات تتناقض مع الوعود بتخفيف العبء عن المواطنين، ما يؤكد الحاجة لسياسات تخفض فعليًا تكلفة المعيشة وتعالج الأسباب الجذرية للتضخم.
المثل المصري الشعبي الشهير يقول: "أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب"، وهو مثل يرقى إلى الحكمة التي تلقى رواجاً بين المصريين، حيث تسلط الضوء على أمراض اجتماعية خطيرة، منها النفاق والخداع والكذب والمراوغة، وهناك مثل عبقري آخر أقرب للحكمة السابقة يقول: "الجواب يبان من عنوانه".
هذا المثل وغيره ينطبق حرفياً على ما تفعله الحكومة المصرية هذه الأيام، فهي تملأ الدنيا تصريحات عن الخطوات التي تقوم بها لخفض الأسعار وتوفير السلع لملايين المصريين ومحدودي الدخل بأسعار مقبولة.
وتتحدث بإسهاب عن اجتماعات مكوكية مع التجار والمستوردين ومنظمات الأعمال، بهدف الاتفاق على خفض الأسعار، والعمل على قرارات تستهدف كبح التضخم وموجة الغلاء الحالية التي يعاني منها أغلب المصريين منذ شهور طويلة.
ووصل الأمر إلى حد خروج رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بتصريح لافت يعلن فيه عن مصادرة حكومته سلعاً وبضائع بقيمة 1.7 مليار دولار في الموانئ رفض أصحابها استلامها، وتردد المستوردون في سحبها في انتظار انخفاض قيمة الدولار لتحقيق مكاسب أعلى، مما دفع الحكومة لاتخاذ إجراءات لمصادرتها، وإعادة تطبيق القوانين بشأن البضائع المهملة والراكدة، حسب قوله.
هذا عن التصريحات الرسمية، لكن الواقع يقول عكس ذلك، وأن الحكومة هي المحرك والوقود الرئيسي لموجة الغلاء وقفزات الأسعار الأخيرة في مصر، والأمثلة كثيرة.
فقد رفعت الحكومة الشهر الجاري أسعار العديد من السلع والخدمات، مثلاً رفعت سعر الدولار الجمركي من نحو 30.8 جنيهاً إلى 49.56 جنيهاً، وهو ما أحدث قفزة في الأسعار المستوردة، وعلى رأسها الغذائية والسيارات والأجهزة الكهربائية والمنزلية، وغيرها من السلع الشعبية.
ورفعت أسعار السولار والبنزين بأنواعه الثلاثة في السوق المحلي، بنسب تصل إلى 21%، وسعر أسطوانة الغاز للاستخدام المنزلي من 75 إلى 100 جنيه، بارتفاع 33%، وهو ما أربك الأسواق، وتسبب في حدوث قفزات في أسعار السلع، وتكلفة النقل والمواصلات والشحن، وإيجارات المساكن، وغيرها من تكاليف المعيشة.
ورفعت الحكومة العديد من الرسوم، منها رسوم استخراج جواز السفر، ومضاعفة رسوم لوحات السيارات من 115 جنيهاً إلى 600 جنيه سنوياً، بالإضافة إلى فرض زيادة سنوية نسبتها 10% على هذه الرسوم بعد زيادتها.
وقبلها جرت زيادة على أسعار شرائح الكهرباء بنسب تتراوح ما بين 16 و26%، ومياه الشرب بنسب تصل إلى 40%.
فلو كانت الحكومة صادقة في وعودها، ما رفعت سعر الوقود والدولار الجمركي وأسعار الخدمات والرسوم وفواتير الكهرباء والمياه والمواصلات العامة.
ولأقدمت على خطوات أخرى تعد هي صاحبة القرار بها، منها خفض الجمارك والضرائب، خاصة ضريبة القيمة المضافة التي يجري فرضها بنسبة 14% وبشكل غير عادل، مع التركيز على الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وإعفاء السلع الغذائية وغيرها من الرسوم الجمركية.
الخلاصة أنه حتى لو تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه، فإن الأسعار غير مرشحة للتراجع خاصة مع شح السلع والقيود على الواردات، ما لم تتوقف الحكومة عن تطبيق قرارات الزيادة في كلفة المعيشة وأسعار السلع والخدمات، وتتوقف أيضا عن خفض دعم السلع الأساسية ومنها الوقود والسلع الغذائية، وتعالج الأسباب الحقيقية لقفزات الأسعار ومنها العجز الكبير في الميزان التجاري وتجاهل الأمن الغذائي، والاهتمام بقطاعات ريعية على حساب الزراعة والصناعة.