زيادة الأجور وتعويم الجنيه وجديد الغلاء في مصر

17 سبتمبر 2023
القرارات الجديدة قد تمس رغيف الخبز/ geety
+ الخط -

المؤكد أن المواطن المصري بات على موعد مع قرارات تقشفية عنيفة، وإجراءات حكومية حادة، وسياسات تفقير وتجويع جديدة، مع تعميق التبعية للدائنين الخارجيين، وبيع مزيد من أصول الدولة، وتعميق عجز الموازنة العامة، وزيادة الضغط على العملة المحلية والموارد الدولاراية الشحيحة أصلا، وقد تمس القرارات رغيف الخبز الخط الأحمر بالنسبة لكل الحكومات السابقة. لكن متى يجرى إتخاذ وتطبيق تلك القرارات، ربما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية المقبلة.

والمؤكد أيضاً أنّ موجة الغلاء الحالية التي تسيطر على الأسواق وباتت مصدر ازعاج متواصل للمواطن، لن تتوقف عن الارتفاع في القريب العاجل رغم تراجع الأسعار في الأسواق الدولية بما فيها أسعار القمح والذرة والشعير وغيرها من الحبوب، وكبح البنوك المركزية الكبرى تلك الموجة القاسية.

وأنّ التضخم الحالي في مصر، الذي يعد الأعنف منذ أكثر من 60 سنة، سيواصل ارتفاعه، بخاصة مع استمرار السياسات الحكومية الرامية لزيادة أسعار السلع والخدمات، ومنها السلع التموينية والبنزين والسولار والغاز والكهرباء والمياه، وخفض قيمة العملة المحلية.

موجة الغلاء تلك المتوقعة تأتي أيضاً بدعم من الزيادات الجديدة في الأجور والرواتب والمعاشات وقيمة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لموظفي الحكومة والتي سيتم العمل بها بداية من شهر أكتوبر المقبل.

المؤكد أنّ مصر على موعد مع تعويم جديد للجنيه هو الرابع منذ مارس/آذار 2022، مع إصرار صندوق النقد الدولي على تحقيق هذا المطلب

صحيح أنها زيادات طفيفة في الدخل مقارنة بقفزات الأسعار المتواصلة ومستوياتها منذ سنوات، لكن التجار سيستغلون زيادة الأجور بنحو 300 جنيه، أي أقل من 10 دولارات، أسوأ أستغلال في إجراء قفزات في الأسعار وزيادة الضغط على المواطن المطحون.

والمؤكد ثالثاً أنّ مصر على موعد مع تعويم جديد للجنيه مقابل الدولار هو الرابع منذ شهر مارس/آذار 2022، بخاصة مع إصرار صندوق النقد الدولي على تحقيق هذا المطلب مقابل الإفراج عن شرائح جديدة من القروض، ووجود فارق كبير بين السعرين الرسمي في البنوك وغير الرسمي، ومخاوف المستثمرين الأجانب على أرباحهم الاستثمارية، لكن متى سيحدث التعويم ونسبة الخفض المتوقعة؟

موقف
التحديثات الحية

لا أحد لديه الإجابة الدقيقة، لكن من المؤكد أن الحكومة لن تغامر بتعويم الجنيه في التوقيت الحالي الحساس شعبيا، لأنّ البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية، وأي خفض في قيمة الجنيه تتبعه مباشرة حدوث هزات في الأسواق سواء أسواق السلع أو الصرف أو البنوك، وهذا ليس في مصلحة السلطة القائمة.

والمؤكد رابعاً أن قرارت تأجيل زيادات أسعار الوقود والكهرباء والمياه التي طبقتها الحكومة في الأشهر الماضية لامتصاص غضب الرأي العام لن تطول، وأن الحكومة قد تتخلى عن هذه السياسة في الربع الأول من العام المقبل، خاصة مع الدخول في جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وانتهاء جولة الانتخابات، فغضب المواطن قد لا يحظى بأي أهمية في هذا التوقيت من جانب السلطات الرسمية، والسياسات التقشفية ستُفرض بالقوة كما حدث في السنوات الماضية.

والمؤكد خامساّ أن القاصي والداني بات يعرف أن هناك خلافات حادة بين مصر وصندوق النقد الدولي، بسبب عدم تنفيذ الحكومة التعهدات التي قطعتها على نفسها مع توقيع اتفاق حصلت بموجبه على قرض بقيمة 3 مليارات دولار.

من المؤكد أن الحكومة لن تغامر بتعويم الجنيه في التوقيت الحالي الحساس شعبيا، لأنّ البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية

وأن هذه الخلافات تدور حول عدة أمور منها تأخر الحكومة في تعويم الجنيه، وفي تقليص دور الدولة ومؤسساتها الاقتصادية في الحياة والأنشطة الاقتصادية، أو الإسراع في بيع أصول الدولة، ورفع أسعار الوقود والغاز وغيرها من الخدمات الرئيسية.

كل ما فعلته الحكومة في الأشهر الماضية هو فرض مزيد من الضرائب والرسوم ورفع كلفة المعيشة والمواصلات العامة وزيادة أسعار السلع الغذائية وبيع عدد من الشركات مقابل نحو ملياري دولار.

وبسبب هذا الخلاف، رفض صندوق النقد إيفاد بعثة فنية لمراجعة مدى التزام مصر بتعهداتها، حدث هذا التأخر خلال شهري مارس الماضي وسبتمبر/أيلول الجاري، وقد يوفد الصندوق البعثة في نهاية شهر مارس المقبل، أو بعد إجراء الانتخابات الرئاسية وفق الاتفاق مع السلطات المصرية.

الحكومة المصرية غير قادرة على الابتعاد عن قروض صندوق النقد التي أدمنتها خلال السنوات الماضية، لأسباب عدة، منها حاجتها إلى شهادة المؤسسة المالية حتى تعود الاستثمارات والمساعدات الخليجية للتدفق مرة أخرى سواء في شكل شراء أصول أو ضخ استثمارات مباشرة.

كما أنّ الحكومة بحاجة إلى سيولة دولارية ملحة، وشهادة الصندوق تفتح الباب أمام الحكومة للعودة إلى أسواق الدين العالمية واغتراف مليارات الدولارات والحصول على قروض خارجية جديدة.

الحكومة المصرية غير قادرة على الابتعاد عن قروض صندوق النقد التي أدمنتها، لأسباب عدة منها حاجتها الملحة للسيولة الدولارية

إضافة إلى عنصر أهم وهو استمرار شح النقد الأجنبي من الأسواق المصرية في ظل تراجع إيرادات أهم موردين للنقد الأجنبي، وهما الصادرات الخارجية وتحويلات المصريين المغتربين.

فقد تراجعت صادرات مصر السلعية "غير النفطية" في النصف الأول من العام الجاري 17% إلى نحو 16 مليار دولار، مقابل 19.3 مليار دولار قبل عام، وتراجعت قيمة الصادرات من الغاز الطبيعى والمسال بنسبة 52.3% خلال الـ5 شهور الأولى من 2023، لتبلغ 2.27 مليار دولار، مقابل 4.76 مليار دولار خلال نفس الفترة مـن العام السابـق.

وتراجعت تحويلات المصريين العاملين في الخارج بنحو 26% في الفترة بين يوليو 2022 إلى مارس 2023، وهذا التراجع يدفع تجاه شح السيولة الدولارية في الأسواق.

المساهمون