قرر البنك المركزي الجزائري التدخل مجددا في القطاع البنكي من خلال رفع الاحتياطي الإلزامي للمؤسسات المصرفية تحت ضغط الأزمات المالية وارتفاع حجم السيولة في المصارف، وسط تحذير الخبراء من ضرورة رفع حجم الاحتياطي الإلزامي ثلاثة إلى أربعة أضعاف النسبة الحالية لمواجهة أي هزة مالية قد تلم بالمشهد المصرفي الجزائري، في وقت يشهد فيه العالم موجات إفلاس مفاجئة مست العديد من البنوك.
وأمرت تعليمة البنك المركزي، التي اطلعت عليها "العربي الجديد" في 15 إبريل/ نيسان، البنوك والمؤسسات المالية المعتمدة برفع الاحتياطي الإلزامي من السيولة من 1 إلى 3 بالمائة، مع تعزيز عمليات سحب السيولة الثنائية التي تم إدراجها في شهر أيلول / سبتمبر 2020 لتصبح عند 600 مليار دينار، أي 4.4 مليارات دولار.
واضطر البنك المركزي الجزائري للتدخل في العديد من المرات في السوق المصرفية في البلاد، خلال السنوات الماضية، بعد تفاقم الأزمة المالية وما ترتب عليها من نقص في السيولة، التي تفاقمت مع الجائحة الصحية بين 2020 و2022، إذ دفع نحو مراجعة سقف احتياطي المصارف العمومية والخاصة التي هوت من 12 بالمائة نهاية 2019 إلى 1 بالمائة نهاية 2022، بهدف توفير السيولة المطلوبة للأسواق.
ويشرح الخبير المصرفي سليمان ناصر ياحي أن "رفع احتياطي البنوك يهدف بالدرجة الأولى إلى امتصاص مصادر السيولة الفائضة التي قد تكون تضخمية، حيث إن العملية ستسمح للبنك المركزي باسترجاع ما يعادل 4.4 مليارات دولار كاحتياطي إضافي للبنوك، كما أن الهدف الثاني من رفع حجم احتياطي البنوك هو حماية القطاع المصرفي من أي أزمة مالية أو نقص في السيولة وحماية جزء من الودائع". وانتقلت سيولة البنوك في الجزائر، حسب أرقام البنك المركزي، من 1996 مليار دينار (14.7 مليار دولار) في ديسمبر/ كانون الأول 2022، إلى 2475 مليار دينار (18.3 مليار دولار) نهاية مارس/آذار.
ويرى ياحي في حديث مع "العربي الجديد" أن "نسبة 3 في المائة كاحتياطي إلزامي تبقى ضئيلة ومنخفضة جدا عن المستويات العالمية المُقدرة بين 11 و14 في المائة، ولذلك نتوقع أن يُضاعف المركزي النسبة مجددا مع تحسن الوضعية المالية وضخ الحكومة كتلاً نقدية جديدة لتمويل الاقتصاد، خاصة أن موازنة 2023 تعد الأكبر في تاريخ البلاد بقرابة 98 مليار دولار".
وانتعش احتياطي الصرف الجزائري من العملة الصعبة متأثرا بارتفاع عائدات النفط وتواصل سياسة كبح الواردات، حيث قفز إلى 66.14 مليار دولار نهاية مارس/آذار، بعدما استقر عند 60 مليار دولار مطلع السنة الحالية. وسبق للبنوك الجزائرية أن عاشت أزمة سيولة حادة، رغم تدخلات البنك المركزي العديدة لإنقاذها من فخ شح الموارد الذي دفعها إلى الامتصاص من الاحتياطيات الإجبارية، حيث هوى حجم السيولة المتداولة في السوق البنكية إلى ما تحت عتبة 8 مليارات دولار.
وحسب الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، فإن "تدخل المركزي الجزائري لخفض الاحتياطي المالي للبنوك يعتبر دليلا على أن أزمة السيولة بلغت الذروة، وتحتاج إلى حلول عميقة وليس مسكنات للآلام، فبعد 3 أشهر، ستجد البنوك نفسها أمام نفس المشكل، وهذه المرة لا يمكن للمركزي أن يتجاوز قواعد "تسيير" الشأن المالي بجعل البنوك تعمل من دون احتياطي".
ويضيف نفس المتحدث لـ"العربي الجديد" أن "طباعة الأموال واحتياطي الصرف يمكن أن يكونا ملاذا مستقبلا، لكن بالموازاة مع ذلك، على المصرف المركزي والحكومة، بالدرجة الأولى، التفكير في طرق امتصاص الأموال المتداولة خارج الاقتصاد الرسمي وإعادة ضخها في البنوك، سواء عن طريق رفع نسب الفائدة التي تعد تحت مستويات التضخم الآن، أو عن طريق طرح سندات دين عام داخلي بنسب فوائد مرتفعة".