زراعة العراق في خطر: الفلاحون يهجرون أراضيهم لشح المياه وتأخر مستحقاتهم

23 اغسطس 2021
قلة المياه تهدّد بتراجع القطاع الزراعي (فرانس برس)
+ الخط -

بعدما كاد العراق يقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي لمحصولي القمح والشعير، بإنتاج قرابة 5 ملايين طن على التوالي للعامين الماضيين، بدأت تحذيرات مختصين ومزارعين من تراجع حاد للقطاع هذا العام في حال لم تعالج الحكومة المشاكل المتعلقة بالموسم الحالي، من بينها مشكلتا المياه والدعم الحكومي.

وجاءت التحذيرات على لسان عاملين في القطاع الزراعي، مؤكدين أن عدة أسباب تحول دون حفاظ العراق على معدلات الإنتاج التي حققها بالعامين الماضيين من محصولي القمح والشعير، منها تأخر دفع الحكومة مستحقات قسم كبير من الفلاحين للموسم الماضي رغم تسلمها المحصول منذ أشهر طويلة، ما حال دون تمكنهم من إدامة أراضيهم وحقولهم والاستعداد للموسم الجديد.

يأتي ذلك بالإضافة إلى عودة ظاهرة احتكار المستلزمات الزراعية، ومنها البذور المدعومة للفلاحين، والتمييز الذي تمارسه وزارة الزارعة بين فلاح وآخر، وارتفاع المواد المستوردة بفعل تراجع قيمة الدينار أمام الدولار، وانقطاع التيار الكهربائي باستمرار ولأوقات تصل إلى أيام في بعض المناطق وفق عاملين في القطاع الزراعي.

ووفقا للمستثمر الزراعي فلاح الحسوني فإن "زراعة القمح والشعير من أفضل المهن التي تدرّ أموالاً جيدة للفلاح والمستثمر، إلا أنها بدأت تتراجع، حالها حال القطاعات الأخرى".

وأضاف أنّ "أعداداً كبيرة من المزارعين قرروا عدم زراعة أراضيهم هذا الموسم بسبب عدم التزام الحكومة العراقية بدفع مستحقاتهم المالية، التي أغرقت المزارعين بالديون". ولفت إلى أنّ "بعض المواطنين قاموا ببيع معداتهم الزراعية من مضخات مياه وسيارات، وذلك لتسديد ديون الموسم الماضي".

وفي نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أكد وزير الموارد المائية العراقي، مهدي الحمداني، أنّ كميات المياه الواردة من تركيا وإيران انخفضت بنسبة 50%، نتيجة بناء العديد من السدود والمشاريع على منابع نهري دجلة والفرات.

من جهته، قال المزارع علي البلداوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "المناطق التي تشتهر بزراعة القمح والشعير، كمحافظة صلاح الدين والأنبار وكركوك وديالى والموصل وبعض مناطق الوسط والجنوب، اعتادت في مثل هذه الأيام أن تشهد تحضيرات الموسم الزراعي، إلّا أنّ هذه التحضيرات انخفضت بشكل كبير بالقياس مع السنوات السابقة بسبب ضعف السيولة النقدية لأغلب المزارعين".

وأضاف أن "ما يقارب 30 إلى 40% من المزارعين امتنعوا عن زراعة أراضيهم هذا الموسم، ومنهم من انتقل إلى مناطق أخرى لعدم توفر الكهرباء واعتماد المزارعين بنسبة 90% على الوقود في تشغيل مضخات المياه، وهو ما جعل الزراعة مكلفة إلى حد كبير بالنسبة للمزارعين".

وفي سياق ذلك، قال رئيس لجنة الزراعة والمياه في البرلمان العراقي، سلام الشمري، في بيان، الخميس الماضي، إن "مستحقات المزارعين في جميع محافظات العراق لم تصرف لغاية الآن، رغم تضمينها في النفقات بالموازنة المالية أسوة برواتب الموظفين".

وأوضح أننا "دخلنا في الثلث الأخير من العام الحالي ولم يصرف إلا القليل من مستحقاتهم"، مبينا أن "شريحة الفلاحين تمثل نحو 60 % من الشعب".

ولفت إلى التراجع الواضح بإيرادات المحاصيل الاستراتيجية رغم الجهود المبذولة لدعم المنتج المحلي والوصول للاكتفاء الذاتي بسواعد الفلاحين والجمعيات والبرلمان والوزارات القطاعية المعنية.

وعزا الشمري هذا التراجع إلى "سوء إدارة وزارة المالية والوزارات الأخرى بعدم دفع المستحقات التي تهدد بتراجع إيرادات محصول القمح والشعير إلى 3 ملايين طن بعدما كانت أكثر من 5 ملايين العام الماضي".

وحمّل الحكومة ووزارة المالية والوزارات المعنية سبب ما يعانيه الفلاح "كونه استهدافا واضحا لا يمكن السكوت عنه ويجب إعادة السياسة المالية بهذا الخصوص".

جمعيات واتحادات الفلاحين اشتكت بدورها من الإهمال المتعمد لشريحة المزارعين من قبل الحكومة العراقية والجهات المعنية للقطاع الزراعي.

وفي حديث مع "العربي الجديد" قال عضو جمعية الفلاحين في محافظة صلاح الدين، ناهض الجبوري، إن "تأخر دفع مستحقات الفلاحين للموسم الحالي يهدّد تحضيرات الخطة الشتوية التي تتطلب شراء الحبوب والأسمدة وحرث الأراضي وتهيئتها، وكذلك شراء المعدات الزراعية، بالإضافة إلى جانب مديونية 90% من المزارعين لأصحاب المكاتب والشركات الزراعية الأهلية والتي تهدد المزارعين بإجراءات قضائية بسبب تأخر دفع الديون المترتبة بذمتهم".

ويضيف الجبوري أن "زراعة الحنطة والشعير ومحاصيل أخرى باتت مهدّدة بالانهيار لأسباب عدة، منها تأخر مستحقات الفلاحين وارتفاع أسعار المستلزمات والمعدات الزراعية وانخفاض منسوب المياه الجوفية"، متهماً الحكومة بالتقصير والإهمال تجاه القطاع الزراعي "الذي يمثل سلة العراق الغذائية وأمنه الغذائي".

ودعا الجبوري إلى "إطلاق فوري للمستحقات المالية لمحصولي الحنطة والشعير، وتفادي وقوع كوارث معيشية واقتصادية تلحق بالمزارعين والاقتصاد الوطني بشكل عام".

من جهته، قال الخبير الاقتصادي، عادل المختار، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "المزارعين استبشروا خيرا هذا العام عندما أصبحت مستحقات الفلاحين حاكمة في قانون الموازنة، وتوزيعها مباشرة لمزارعي الحنطة والشعير، لكن للأسف الشديد لم يوزع إلا القليل، والقسم الأكبر من المزارعين لا يزالون ينتظرون مستحقاتهم لغاية اللحظة".

وأضاف أن "الزراعة في العراق ستتأثر بشكل كبير ولأسباب كثيرة أبرزها تأخر مستحقات الفلاحين، وقلة منسوب المياه في نهري دجلة والفرات" لافتاً إلى أن "انخفاض منسوب المياه ستكون له تداعيات كبيرة على القطاع الزراعي، وخصوصاً محصولي الحنطة والشعير".

وشدّد المختار على "ضرورة إعادة النظر بالسياسة الزراعية على أساس انخفاض مناسيب المياه، وتحديد المحاصيل التي يجب أن تُزرع، والاعتماد على محاصيل أخرى لا تُهدر عليها كميات كبيرة من المياه كالمغطاة والبيوت الزجاجية وتوسيعها بـ 10 إضعاف عن محاصيل الحنطة والشعير، لأنها تستخدم مياهاً قليلة بإنتاجية عالية جداً".

وحذر المختار من "مغبة تأخر دفع مستحقات الفلاحين لغاية اللحظة، وعدم إيجاد حلول ناجحة لمعاجلة انخفاض منسوب المياه بالضغط على الدول المسيطرة على منابع المياه، وهي تركيا وإيران، والمحافظة على ما تبقى من المياه الجوفية، وإلا فإنّ العراق مقبلٌ على كارثة اقتصادية وزراعية كبيرة".

المساهمون