تسلّم لبنان مذكرة من الإنتربول بتوقيف حاكم البنك المركزي رياض سلامة بعد ادعاء القضاء الفرنسي عليه بتهم الاختلاس وتبييض الأموال. وأكد وزير الداخلية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، الجمعة، في أكثر من تصريح صحافي تسلّم لبنان المذكرة، داعياً سلامة للتنحي، وأضاف أنه سينفذ مذكرة الإنتربول بحق سلامة إذا قرر القضاء اللبناني الأخذ بها.
وقال مولوي إن المسألة ستناقش في اجتماع تشاوري لمجلس الوزراء، يوم الاثنين، لكنها بالفعل جزء من المحادثات بين كبار قادة البلاد. فيما رد سلامة عبر تصريح تلفزيوني أمس الجمعة بأنه سيتقدّم باستئناف لإلغاء هذه المذكرة.
وقالت مصادر "العربي الجديد" إن "هناك مشاورات على أعلى مستوى سياسي في البلاد مع حاكم البنك المركزي لحثه على تقديم استقالته بدلاً من إقالته، وإلا فهناك اتجاه جدّي لإقالته مع وجود مطالبة وزارية بذلك، ومن المرجح أن ينعقد مجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل للبحث في القضية"، في حين لا يزال الحاكم متمسّكاً برفض تقديم استقالته.
وأصدرت القاضية الفرنسية أود بوروسي، الثلاثاء، مذكرة توقيف دولية بحق سلامة، بعد تخلفه عن المثول أمامها في تحقيقات تتعلق باختلاسه أكثر من 300 مليون دولار من أموال مصرف لبنان المركزي، فكان ردّه عليها سريعاً، بإعلان طعنه بالقرار، باعتبار أنه يشكل خرقاً للقوانين، متوقفاً عند تجاوزات ارتكبتها القاضية الفرنسية على صعيد المهل القانونية وسرية التحقيقات وغيرها من الاتهامات التي وجهها إليها.
وأعلن سلامة في تصريحات لقناة "الحدث"، الخميس، أنه إذا صدر أي حكم بحقه سيتنحى، وأنه لن يبقى في منصبه بعد انتهاء ولايته في تموز/ يوليو المقبل، مؤكداً أن نائبه الأول (وسيم منصوري) سيتسلم منصبه بعد انتهاء ولايته. مع الإشارة إلى أن للحاكم 4 نواب، ويفترض أن يتسلم نائبه الأول مكانه مؤقتاً حتى انتخاب رئيس جمهورية للبلاد وتعيين حاكم جديد. ونصح سلامة القضاء بالبدء بالسياسيين وليس بحاكم المصرف المركزي.
وخرجت دعوات لإقالة أو استقالة الحاكم نظراً لخطورة بقائه في منصبه بعد الاتهام الدولي الرسمي له بشأن النقد الوطني والنظام المالي وتعاملات لبنان مع المصارف الأجنبية والجهات الدولية المانحة.
الخطوات القانونية
ويقول الخبير الدستوري والمحامي سعيد مالك لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد صدور مذكرة توقيف دولية عن الإنتربول ضمن النشرة الحمراء بحق حاكم البنك المركزي رياض سلامة مُطالبة بتوقيفه وبعد وصولها إلى لبنان من المفترض أن يُستدعى الحاكم للاستماع أمام النائب العام التمييزي الذي سيبقيه حراً مع تقرير منع سفره ومصادرة جواز سفره، وسيطلب من السلطات الفرنسية تحضير طلب استرداد بحق الحاكم".
ويضيف مالك "بعد أن يصل ملف الاسترداد إلى لبنان بواسطة وزارة الخارجية ومنها إلى وزارة العدل ومن ثم النائب العام التمييزي، وسنداً للمادة 35 من قانون العقوبات اللبناني، سيتولى النائب العام التمييزي التحقيق مع الحاكم بعد استدعائه مجدداً وذلك حول توفر أو عدم توفر الشروط القانونية لطلب الاسترداد ومدى ثبوت التهمة أو عدم ثبوتها".
ويلفت مالك إلى أنه "بعد الاستجواب يتخذ القرار إما بإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحق الحاكم وإما بحفظ الملف لعدم توافر الشروط القانونية للاسترداد أو لعدم ثبوت التهمة وإما اعتبار الفعل المُستند اليه طلب الاسترداد هو الفعل نفسه الملاحق به في لبنان".
ويتابع "بكل الأحوال ومهما كان القرار، يحيل وزير العدل اللبناني في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري الملف مشفوعاً بتقريره، إذ يحيل طلب الاسترداد ومرفقاته والتحقيقات المجراة مع المطلوب استرداده وتقرير النائب العام التمييزي إلى الحكومة للبت بطلب الاسترداد بمرسوم يتخذ بمجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير العدل بالاستجابة إلى طلب الاسترداد أم لا".
ويلفت مالك إلى أنه "من المتوقع ألاّ تُسلِّم السلطات اللبنانية سلامة إلى القضاء الفرنسي بحجة التنازع الإيجابي للجنسيات، إذ إن حاكم البنك المركزي يحمل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية، والبلدان يعلنان اختصاصهما في الملاحقة، والأولوية تعود إلى قانون الجنسية الفعلية، أو الواقعية، أي اللبنانية، وبالتالي فإنّ القضاء اللبناني يملك الأولوية والأفضلية في الملاحقة والمحاكمة".
ويختم المحامي والخبير الدستوري حديثه بالقول: "أما لجهة ما إذا كان قد ثبت مع المطلوب استرداده أن الفعل نفسه المنسوب إليه في فرنسا يحاكم عليه في لبنان، فيُردّ طلب الاسترداد أيضاً لهذه العلّة ولكون الفعل الواحد لا يلاحق إلّا مرة واحدة سنداً للمادة 182 من قانون العقوبات".
ارتباك لبناني
من جهته، يقول رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، المحامي كريم ضاهر، لـ"العربي الجديد"، إن تعاطي لبنان مع القضاء الفرنسي متوقّع لناحية أنه سيتذرع بمبدأ عدم تسليم رعاياه، كما حصل مع قضايا أخرى، أبرزها ملف رجل الأعمال كارلوس غصن.
في المقابل، يشير ضاهر إلى أن "وضع لبنان صعب على صعيد القضاء والحكومة، فهو من جهة سيقول للقضاء الفرنسي إنه لن يسلم رعاياه، ومن ناحية ثانية هناك دعوى مقامة ضد سلامة في لبنان للمبررات والأسباب نفسها ولكنه ليس موقوفاً بها".
ويلفت ضاهر إلى أن "لبنان قد يتمسك بالإجراءات الملحوظة في معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد تحت الفصل الرابع، للقول إن السلطات اللبنانية تنظر بدعوى مماثلة بحق سلامة للأسباب القانونية نفسها، وستلاحقه في لبنان وتحاكمه، وتطلب بالتالي من القضاء الفرنسي إحالة الملف إليها لمتابعته".
وفي حال تشدّد القضاء الفرنسي أو الدولة الفرنسية، قد يتمسك لبنان بمبدأ الاعتداء على السيادة اللبنانية والأمن القومي اللبناني، وفق ما يقول ضاهر.
وبجميع الأحوال، يرى ضاهر أن "سيناريوهات كثيرة محتملة لبنانياً، إذ يمكن دفع سلامة للاستقالة، خصوصاً أن هناك وزيرين حتى الساعة طالباه بذلك، سعادة الشامي، ووزير الداخلية بسام مولوي، وذلك كي لا تتجرع الحكومة الكأس بعدما بات الوضع محرجاً بالنسبة إليها نظراً للأوضاع المستجدة، ويمكن لاستقالته أن تسهل الأمر على الحكومة لحين تهدأ الأوضاع بعض الشيء ويدخل الملف مرحلة المفاوضات والتسويات، أو يمكن سلوك طريق التصعيد، حيث إن الحكومة من الصعب عليها تحدي الفرنسيين وفي الوقت نفسه الإبقاء على الحاكم في منصبه".
ويوضح ضاهر أنه "في حال عقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية لإقالة حاكم مصرف لبنان، فإنه قادر للأسباب نفسها التي انعقد بناء عليها أن يعيّن بديلاً عنه، إلا أنه يتوقع ألا يفعل ذلك بذرائع إجرائية عدّة، وفي حال تعذّر تعيين البديل، فإنه وفق المادة 25 من قانون النقد والتسليف، يتسلم نائبه الأول مكانه مؤقتاً ريثما يعيّن بديل عنه".
دعوات للتنحية
ودعا نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، في تصريح لوكالة "رويترز"، سلامة إلى الاستقالة بعدما أصدرت فرنسا مذكرة اعتقال بحقه. وقال: "عندما يُتهم شخص في أي دولة بمثل هذه الجرائم، ينبغي ألا يظل في موقع مسؤولية ويجب أن يتنحى فوراً". كذلك، طالب عددٌ من النواب في بيان مشترك الخميس بعزل حاكم المصرف المركزي، وقالوا إن "مذكرة التوقيف الفرنسية التي صدرت بحق سلامة توّجت مساراً طويلاً من الملاحقات القضائيّة التي كشفت الطريقة التي كان يُدار بها المصرف المركزي، طوال العقود الثلاثة الماضية، والتي أفضت إلى أحد أكبر الانهيارات المصرفيّة التي شهدها التاريخ الحديث".
وسألوا: "هل من المقبول أن يبقى الملاحق بهذه الجرائم الشائنة والخطرة متربّعاً على رأس الحاكميّة، بما يعطيه هذا الموقع من صلاحيّات يؤتمن من خلالها على سلامة النقد الوطني والنظام المالي؟ وهل من المنطقي أن نشهد كل هذه المراوحة في ملف الحاكم الجنائي في لبنان، في حين أنّ الأموال المشتبه باختلاسها هي أموال عامّة لبنانيّة؟". وسألوا أيضاً "كيف يستمر رئيس الحكومة ورئيس مجلس النوّاب بالتواطؤ في حماية الحاكم حتّى هذه اللحظة، عبر الحؤول دون استبداله، رغم خطورة بقاء الحاكم في منصبه؟".