رياض سلامة خطر على لبنان

02 فبراير 2021
رياض سلامة حاكم مصرف لبنان / فرانس برس
+ الخط -

لا أعرف سبباً وجيهاً يجعل رياض سلامة متمسكاً بمنصبه كحاكم لمصرف لبنان المركزي، فالرجل الذي يتولى منصبه منذ عام 1993، أي منذ أكثر من 27 عاماً، ويشغل منصباً غاية في الحساسية، ويعد المسؤول الأول عن حماية أموال المودعين وإدارة الدين العام في الدولة اللبنانية، يواجه بعشرات من الاتهامات التي تلوّث سمعته، خاصة تلك المتعلقة بمزاعم الفساد المالي وتهريب الأموال ومساعدة ساسة فسدة على نهب ثروات البلاد وأموال البنوك. 
ولو كان الرجل في منصب سياسي لتفهمنا هذه الاتهامات التي قد تأتي في إطار مناكفات ومعارك سياسية وشائعات حزبية وطائفية، لكن بما أن سلامة في موقع مالي واقتصادي ونقدي متقدم في الدولة اللبنانية، فإنه يجب عليه تبرئة ساحته، والحفاظ أولاً على سمعته التي هي جزء أصيل من سمعة القطاع المالي والمصرفي، بل ومن سمعة لبنان السياسية قبل الاقتصادية، وبالتالي فإن الرجل عليه أن يغادر منصبه في حال عدم فعل ذلك لأنه يكون بذلك خطراً على الدولة اللبنانية.
ليست الاتهامات الموجة لرياض سلامة هينة وقليلة، بل اتهامات كبيرة ومتلاحقة، من عينة المساعدة في السطو على أموال المودعين، وتعريض القطاع المصرفي والمالي للخطر، خاصة مع تبخر نصف احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وتسبب سياساته في توقف البلاد عن سداد ديونها الخارجية وانهيار العملة الوطنية ونشر الفقر والبطالة في المجتمع.
كما توسع في الاستدانة الخارجية وبأسعار فائدة عالية وعبر أدوات الدين ومنها السندات وأذون الخزانة، وهو ما أغرق البلاد في جبال من الديون تجاوزت 90 مليار دولار، إضافة إلى مزاعم أخرى تتعلّق بارتكاب جرائم غسل أموال وشبهات فساد واختلاس، وما تردد مؤخراً عن حصول سلامة على عمولات من ساسة فاسدين هرّبوا أموالهم إلى بنوك سويسرا قبل فرض قيود على التحويلات الخارجية من قبل مصرف لبنان.

أحدث الاتهامات الموجهة إلى محافظ مصرف لبنان المركزي هي إعلان وزارة العدل اللبنانية أنها تسلمت طلباً من السلطات القضائية في سويسرا يتعلق بتقديم مساعدة قضائية حول ملف تحويلات مالية تخصّ رياض سلامة. 
وقبلها فتحت السلطات السويسرية تحقيقاً في تحويلات سلامة إلى الخارج، وخضع المحافظ بالفعل لجلسة استماع لدى مدعي عام التمييز غسان عويدات، بناء على طلب سويسرا، في إطار التحقيق في جرائم غسل وتهريب أموال وابتزاز وتحويلات مالية بقيمة 400 مليون دولار، تخصّ سلامة وشقيقه ومساعدته ومؤسسات تابعة للمصرف المركزي، بينها شركة طيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان.
والملفت أن سلامة لم ينكر هذه التحويلات التي تمت لسويسرا، وإن اعترف أنها تمت بمبلغ أقل، فقد أبلغ حاكم مصرف لبنان المحقق عويدات أنّ مجمل التحويلات التي أجراها لا تتعدى 240 مليون دولار، وبدأت منذ عام 2002، قبل 20 عاماً، لتمويل شركة أسّسها مع شقيقه رجا في سويسرا، وتمّت من حساباتهما الخاصة. 

وجديد الاتهامات الموجهة لحاكم مصرف لبنان، تحديد قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور جلسة يوم الاثنين المقبل لاستجواب رياض سلامة ورئيسة لجنة الرقابة على المصارف مايا دباغ وآخرين بجرم الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة ومخالفة قرارٍ اداريٍّ.

وقبل أيام ادعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على رياض سلامة، بجرم الإهمال الوظيفي وإساءة الأمانة، وأحالته على قاضي التحقيق لاستجوابه. 

ومنتصف شهر يونيو الماضي أصدر رئيس دائرة تنفيذ بيروت، القاضي فيصل مكي، قراراً تم بموجبه فرض الحجز الاحتياطي على الأسهم العائدة لحاكم مصرف لبنان المركزي، في عددٍ من العقارات والمنقولات المملوكة له.

موقف
التحديثات الحية

رياض سلامة بات عبئاً على الدولة اللبنانية، ومن الأفضل له أن يتنحي ويترك منصبه، فربما يجد من يخلفه حلاً لأعقد أزمة يواجهها لبنان في تاريخه الحديث ألا وهي فقدان الثقة بالقطاع المصرفي والمالي، وضياع ما يقرب من نصف أموال المودعين، وانهيار الليرة.
لا يكفي رياض سلامة الادعاء المتواصل بالبراءة واحتفاظه لنفسه بحق الملاحقة القانونية بوجه جميع الذين يصرون على نشر الإشاعات المغرضة والإساءات التي تطاوله شخصياً كما يقول مراراً، بل عليه أن يثبت للشعب اللبناني وبشكل عملي عدم تورطه في ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه، فهو ليس شخصية سياسية أو حزبية، كما قلت، بل شخصية مالية واقتصادية من الوزن الثقيل تشغل موقعا مهما في وقت تمر فيه البلاد بأوقات عصيبة.