روسيا وإيران.. تحالف لتقويض هيمنة الدولار وتطوير النفط والغاز

25 يناير 2022
إيران ترغب في زيادة تجارتها مع روسيا إلى 10 مليارات دولار (فرانس برس)
+ الخط -

في خضم مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي بما يرفع العقوبات الأميركية عن الاقتصاد الإيراني المتردي، توجه الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الأربعاء الماضي، إلى روسيا، في زيارة كانت الأولى له إلى موسكو.

وشكل الاقتصاد العنوان الأبرز للزيارة، حسب التصريحات الرسمية الإيرانية، في خطوة مقصودة، أرادت طهران توجيه رسائل منها إلى أطراف المفاوضات في فيينا، وخاصة الولايات المتحدة بأنها بصدد تنويع خياراتها الاقتصادية، وأنها لا تربط اقتصادها برفع العقوبات عنها، وهي المقولة التي ظل المسؤولون في الحكومة الإيرانية الجديدة يكررونها خلال الشهور الأخيرة.

روسيا شريكة في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، وعلى الرغم من دعمها سياسياً لموقف إيران من الاتفاق بعد الانسحاب الأميركي منه عام 2018 وتوجيهها انتقادات لواشنطن، لكنها عملياً لم تسد الفراغ الناتج عن هذا الانسحاب ولم تدعم إيران اقتصاديا في مواجهة العقوبات الأميركية.

توجه إيراني نحو الشرق

اختلف الإيرانيون في تقييم نتائج زيارة رئيسي لروسيا، كما اختلفوا أيضا حول الزيارة نفسها، فبينما وصفها المحافظون والإعلام الرسمي بأنها "زيارة تاريخية" تأتي في صلب الاستدارة الإيرانية نحو الشرق بعد "التجربة المريرة" مع الغرب إثر الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفرض عقوبات شاملة وقاسية على إيران، لكن القوى السياسية الإصلاحية والمنتقدين والمعارضين قللوا من أهميتها واعتبروا أنها "بلا جدوى".

وطاول الجدل نتائج الزيارة، خاصة من الناحية الاقتصادية، فينما تؤكد الحكومة الإيرانية والأوساط المقربة منها أنها حققت "نتائج مهمة" وتوصل الطرفان إلى تفاهمات اقتصادية جيدة.

لكن الأطراف التي تقف على النقيض من الحكومة، تقول إن الزيارة لم تحقق نتائج اقتصادية ملحوظة، ولا أنباء عن "اتفاقيات اقتصادية كبيرة" كما تحدثت عنها الحكومة قبل الزيارة.

ويشير المنتقدون إلى عدم التوقيع على وثيقة التعاون المشترك لـ20 عاماً، والتي اقترحتها طهران على موسكو لرسم خارطة طريق للعلاقات الثنائية على غرار ما حصل مع بكين.

في الجانب المؤيد، يقول الخبير الإيراني المحافظ مصطفى خوش جشم لـ"العربي الجديد" إن البلدين "لديهما فرص ومجالات واسعة للتعاون الاقتصادي"، قائلا إن الزيارة "بداية قفزة لتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية".

ويشير خوش جشم إلى عضوية إيران وروسيا والصين في منظمة "شنغهاي" للتعاون واحتمال انخراط إيران في اتحاد أوراسيا الاقتصادي، مضيفا أن "الزيارة ستدشن مرحلة جديدة في توسيع التعاون الشامل بين إيران وروسيا، سواء في علاقاتهما الثنائية أو في المنظمات الإقليمية الجمعية أو في الدول الثالثة أو في منطقة القوقاز والشرق الأوسط".

غير أن الخبير الإيراني، علي موسوي خلخالي، رئيس تحرير موقع الدبلوماسية الإيرانية، يختلف مع الخبير خوش جشم، قائلا في حديثه مع "العربي الجديد" إنه "لا فرص اقتصادية كبيرة للبلدين لتطوير العلاقات الاقتصادية بشكل مطلوب".

منافسة في النفط والغاز

ولفت إلى أنهما "منافسان في كثير من المجالات الاقتصادية خاصة في قطاعي النفط والغاز، حيث ترى روسيا في إيران منافساً لذلك لا ترتضي تصدير إيران الغاز إلى أوروبا أو عودة إيران إلى سوق النفط بعد أن استحوذت عليه روسيا على خلفية العقوبات على إيران".

ويشير موسوي إلى أن العلاقات الاقتصادية بين إيران وروسيا "لا ترتقي إلى مستوى العلاقات السياسية".

على وقع هذا الجدل، قال الرئيس الإيراني، الخميس الماضي، في مطار طهران بعد عودته من الزيارة التي استمرت يومين، إنه تم التوصل إلى "اتفاق أساسي لتطوير علاقات شاملة ومستدامة ونافعة بين البلدين".

وعما يتعلق بالاقتصاد، قال رئيسي إن البلدين "يمكنهما أن يعملا معا لإنهاء هيمنة الدولار على العلاقات النقدية والبنكية وإجراء مبادلاتهما الاقتصادية بالعملات الوطنية".

وأضاف أن وزير النفط جواد أوجي، الذي رافقه في الزيارة، توصل إلى "اتفاقيات جيدة" مع مسؤولي الطاقة الروس لتطوير حقول النفط والغاز، من دون الكشف عن المزيد من التفاصيل.

وأوضح رئيسي أنه في المجالات التجارية أيضا "اتفقنا على إزالة العقبات التجارية وإحداث قفزة في التجارة بين البلدين"، لافتا إلى أن مستوى التبادل التجاري بينهما "ليس مقبولاً ولذلك اتفقنا على رفعه كخطوة أولى إلى 10 مليارات دولار سنويا".

زيادة التبادل التجاري

ويصل حجم التبادل التجاري بين إيران وروسيا حالياً إلى 4 مليارات دولار. كما أشار الرئيس الإيراني إلى الاتفاق على تفعيل ما يعرف بـ"ممر الشمال ـ الجنوب"، والاتفاق على تحديد أرضيات التعاون في مبادلة السلع الزراعية.

في الأثناء، قال وزير الاقتصاد الإيراني، إحسان خاندوزي، للتلفزيون الإيراني، إن معظم المواضيع الاقتصادية المتفق عليها خلال الزيارة تعود إلى "التعاون في قطاعي النفط والغاز"، والنقل وبناء محطات الطاقة.

وكشف عن الاتفاق على تفعيل خط ائتمان بقيمة 5 مليارات دولار بين طهران وموسكو لتسهيل التجارة بينهما.

وبشأن ممر الشمال ـ الجنوب، قال خاندوزي إن استكمال هذا المشروع عبر النقل السككي لربط جنوب إيران والخليج إلى آسيا الوسطى وأوروبا كان محورا أساسيا في النقاشات الثنائية، لافتا إلى اتخاذ "قرارات جيدة للغاية" لإنشاء الخط السككي بين رشت ـ أستارا والخط السككي بين إينجه برون ـ غرمسار داخل إيران.

يشار إلى أن "ممر الشمال - الجنوب" مشروع نقل دولي عملاق، طُرح خلال قمة الاتحاد الأوروبي في هلسنكي سنة 1992، ويتكون الممر من شبكة خطوط بحرية وبرية وسكك حديدية يبلغ طولها 7200 كيلومتر، ويبدأ من بومباي بالهند ليربط المحيط الهندي ومنطقة الخليج مع بحر قزوين مروراً بإيران، ثم يتوجه إلى سان بطرسبرغ الروسية، ومنها إلى شمال أوروبا وصولا إلى العاصمة الفنلندية هلسنكي.

وتقع إيران في قلب هذا الممر، ويمكّنها في حال تدشينه من التحكم في حلقة وصل حيوية بين آسيا وأوروبا، وعليه توليه طهران أهمية كبيرة، علما أن أربعة ممرات دولية تتقاطع في إيران، هي ممر "الشمال - الجنوب"، والشرق - الغرب، وجنوب آسيا، وممر النقل تراسيكا (أوروبا - القوقاز وآسيا).

تطوير حقول الغاز

ومن المقرر أن تشارك الشركات الروسية في تطوير حقول النفط والغاز في إيران، حسب المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خجسته مهر، الذي كان ضمن الوفد الإيراني إلى روسيا.

وقال خجسته مهر في تصريحات للتلفزيون الإيراني إن إيران وروسيا "تحتلان المركزين الأول والثاني في احتياطيات النفط والغاز في العالم"، قائلا إن "روسيا لديها قدرات تقنية عالية في مجال تطوير حقول النفط والغاز، وفي هذا المجال يمكننا القيام باستثمارات مشتركة".

وأوضح أن "توسيع العلاقات الاقتصادية في مجال الطاقة كان أحد أهم نتائج زيارة الرئيس"، لافتا إلى أنه "في الظروف الراهنة تتشابك المصالح الاقتصادية الإيرانية والروسية".

وتأتي محاولات إيران لجلب استثمارات روسية في قطاعي النفط والغاز، في وقت انتقد وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، عدم القيام بـ"استثمارات لازمة" في قطاعي النفط والغاز خلال السنوات الماضية.

وحذر من أنه "إذا لم يتم الاستثمار في تطوير هذه القطاعات سنتحول إلى مستورد لهذه المنتجات"، وفق ما أورده موقع "نادي المراسلين الشباب" التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية.

وكشف أوجي عن حاجة إيران لاستثمار 160 مليار دولار في هذه القطاعات.

وقال وزير النفط قبل فترة، إن التقديرات تشير إلى حاجة البلاد إلى نحو 22 مليار دولار للاستثمار في الحقول الغازية خلال السنوات الست والثماني المقبلة بسبب تراجع الضغط في هذه الحقول وللحفاظ على الطاقة الإنتاجية الحالية.

وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطيات الغاز بعد روسيا، بنحو 34 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي.

المساهمون