بما تملك من ثروات طاقة هائلة، استطاعت روسيا على مدى عقود تعزيز روابط تصدير الغاز مع أوروبا، إلا أن هذه الروابط بدأت تنهار بشكل كبير منذ فرض العقوبات الغربية إثر غزو أوكرانيا، فيما انزلق الروبل إلى أدنى مستوياته في 10 أشهر اليوم الثلاثاء.
ومن غير المرجح أن تتعافى تجارة الغاز بين موسكو وأوروبا من ويلات الصراع العسكري، حيث صُنعت بدقة على مدى عقود باعتبارها مصدرا رئيسيا لإيرادات الكرملين، وفقا لتقرير موسّع أعدّته "رويترز".
وبعدما بدأت "العملية العسكرية الخاصة" التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا منذ عام تقريبا، أدت مجموعة من العقوبات الغربية وقرار روسيا قطع الإمدادات عن أوروبا إلى خفض صادرات البلاد من الطاقة بشكل كبير.
ومن المرجح أن تؤدي العقوبات الأخيرة، بما في ذلك تحديد سقف الأسعار، إلى مزيد من تعطيل تجارة النفط، لكن من الأسهل العثور على أسواق جديدة للخام والمنتجات المكررة مقارنة بالغاز. وتعتمد تجارة الغاز الروسية مع أوروبا على آلاف الأميال من الأنابيب التي تبدأ في سيبيريا وتمتد إلى ألمانيا وما وراءها. وحتى العام الماضي، ارتبط المشترون الغربيون مع روسيا في علاقة توريد طويلة الأمد.
وزير الوقود والطاقة الروسي الأسبق بين عامي 1993 و1996 يوري شافرانيك قال لـ"رويترز": "طبعا، خسارة السوق الأوروبية اختبار خطير للغاية بالنسبة لروسيا في مجال الغاز". غير أن مديرا كبيرا سابقا في شركة "غازبروم"، فضل عدم الكشف عن هويته، كان أكثر مباشرة في كلامه، حيث قال للوكالة: "عمل مئات الأشخاص الذين بنوا نظام التصدير لعقود من الزمان قبل أن ينهار على هذا النحو".
ومع ذلك، يقول موظفون حاليون إن العمل يسير كالمعتاد. ويقول مسؤول في "غازبروم"، غير مصرح له بالتحدث للصحافة: "لم يتغير شيء بالنسبة إلينا. زادت رواتبنا مرتين العام الماضي".
دولة داخل دولة
وتأسست شركة "غازبروم" العملاقة لتصدير الغاز في أيام احتضار الاتحاد السوفييتي عام 1989 تحت إشراف وزارة صناعة الغاز، برئاسة فيكتور تشيرنوميردين، الذي قال شافرانيك إنه "لم يسمح لأي شخص بالتدخل في غازبروم. لقد كانت دولة داخل دولة، ولا تزال كذلك إلى حد ما".
ومنذ بدء العملية العسكرية في 24 فبراير/شباط 2022، لم تتوفر عنها معلومات كافية. فهي مثل العديد من الشركات الروسية، توقفت عن الكشف عن تفاصيل نتائجها المالية.
لكن وفقا لتقديرات "رويترز"، بناء على رسوم التصدير وبيانات حجم الصادرات، بلغت عائدات "غازبروم" من المبيعات الخارجية حوالي 3.4 مليارات دولار في يناير/كانون الثاني المنصرم، نزولا من 6.3 مليارات في الشهر نفسه من العام الماضي. (الدولار = 73.7000 روبلا).
وتشير الأرقام، جنبا إلى جنب مع توقعات الصادرات ومتوسط أسعار الغاز، إلى أن عائدات تصدير "غازبروم" ستنخفض إلى النصف تقريبا هذا العام، وهو ما يوسّع عجز الموازنة البالغ 25 مليار دولار الذي سجلته روسيا في يناير.
عمليا، انخفضت صادرات الغاز الطبيعي للشركة في العام الماضي إلى النصف تقريبا إلى أدنى مستوى لها في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي واستمر الاتجاه التنازلي هذا العام.
وقدرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين أن روسيا قطعت 80% من إمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي في الأشهر الثمانية التي أعقبت اندلاع الصراع في أوكرانيا. ونتيجة لذلك، وفرت روسيا حوالي 7.5% فقط من احتياجات أوروبا الغربية من الغاز بحلول نهاية العام الماضي، مقارنة بحوالي 40% في عام 2021.
وتقوضت قدرات النقل الروسية في العام الماضي بعد انفجارات غامضة في بحر البلطيق في خطوط أنابيب "نورد ستريم" الممتدة من روسيا إلى ألمانيا. وتبادلت روسيا والغرب الاتهامات بالمسؤولية عن التفجيرات.
مفاوضات معقدة في المستقبل
محللون في الصناعة قالوا إن المفاوضات مع الصين بشأن مبيعات الغاز الجديدة من المتوقع أن تكون معقدة، لأسباب ليس أقلها أنه من غير المتوقع أن تحتاج الصين إلى غاز إضافي إلا بعد عام 2030.
وتواجه روسيا أيضا منافسة أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي من الطاقة المتجددة، حيث يسعى العالم للحد من تأثير تغير المناخ، فضلا عن منافسة إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب إلى الصين، بما في ذلك من تركمانستان.
والغاز الطبيعي المسال، الذي يمكن شحنه إلى أي مكان في العالم، قلل من الحاجة إلى غاز خطوط الأنابيب. وأبقت "غازبروم" والصين سعر الغاز المتفق عليه سرا، فيما توقع رون سميث، المحلل في شركة BCS للسمسرة ومقرها موسكو، أن يبلغ متوسط السعر لعام 2022 ما مقداره 270 دولارا لكل 1000 متر مكعب، وهو أقل بكثير من الأسعار في أوروبا، كما أنه أيضا أقل من سعر تصدير غازبروم البالغ 700 دولار لكل ألف متر مكعب الذي توقعته وزارة الاقتصاد الروسية هذا العام.
وفي العام الماضي، كانت موارد الطاقة في روسيا، والتي لم يتم تقسيمها علنا إلى النفط والغاز، مدعومة بتأثر السوق نتيجة المخاوف من النقص. وفي أوروبا، وصلت أسعار الغاز إلى مستويات قياسية، وارتفعت أسعار النفط العالمية بعد وقت قصير من بدء العملية العسكرية الخاصة بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ومنذ ذلك الحين، تراجعت أسعار الغاز والنفط، وفُرضت سقوف الأسعار الغربية في ديسمبر/ كانون الأول وأوائل هذا العام بهدف زيادة تآكل الإيرادات الروسية.
في غضون ذلك، كلف الكرملين شركة غازبروم بالمهمة الضخمة لبناء 24 ألف كيلومتر من خطوط الأنابيب الجديدة لتوفير الغاز لـ538 ألف منزل وشقة في روسيا في الفترة من 2021 إلى 2025. ويتم تنظيم أسعار الغاز المحلي من قبل الحكومة وكانت هناك مناقشات حول تحرير سوق الغاز، وهي قضية حساسة للأسر الروسية.
بالعودة إلى نوفي يورنغوي، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية تحت الصفر (ناقص 58 فهرنهايت)، يقع مقر "أشيمغاز" Achimgaz، وهو مشروع مشترك بين "غازبروم" و"وينترشل ديا" Wintershall Dea الألمانية، ولديه أيضا مكاتب ويرفرف خارج مبناه الإداري علم شركة الطاقة النمساوية OMV.
وردا على سؤال عن وجودها هناك، قال متحدث باسم الشركة النمساوية إن المبنى فقط يضم مكاتب المشغل في حقل Yuzhno-Russkoye، حيث تمتلك الشركة حصة.
وقد ألغت OMV في مارس/آذار خططها للاستحواذ على حصة في مشروع حقل غاز "غازبروم"، بينما قالت "وينترشل ديا" التي تمتلك فيها BASF أقل بقليل من 73%، الشهر الماضي، إنها تنسحب من روسيا.
وقال مسؤول في "غازبروم" تحدث شرط عدم الكشف عن هويته، إن الشركة ستندم على ذلك، مضيفا: "سيتعيّن علينا فقط استخدام المزيد من الغاز للمنازل المحلية بدلا من تصديره إلى أوروبا. والصين بحاجة أيضا إلى الغاز".
الروبل الروسي قرب أدنى مستوى في 10 أشهر مقابل الدولار
هذا ووصل الروبل إلى أضعف مستوى له منذ أواخر إبريل/نيسان 2022، اليوم الثلاثاء، متأثرا بانخفاض تدفقات إيرادات العملات الأجنبية من صادرات الهيدروكربون واستمرار تعافي الواردات مع قيام الشركات ببناء سلاسل إمداد جديدة.
وفي الساعة 07:26 بتوقيت غرينتش، تراجع الروبل بنسبة 0.1% مقابل الدولار عند 73.88، بعدما وصل إلى 73.9850 خلال الجلسة، وهو أدنى مستوى له منذ 25 إبريل. وبذلك، فقدت العملة الروسية 0.3% لتتداول عند 79.26 مقابل اليورو وتراجعت 0.3% مقابل اليوان إلى 10.83.