كشفت بيانات مراقبة صادرات روسيا النفطية عن زيادة تؤكد مخالفة موسكو لالتزامها خفض صادرات النفط بمقدار 300 ألف برميل يومياً، ما يثير حالة من القلق لدى الدول الأعضاء بتكتل "أوبك+"، بقيادة السعودية، خصوصاً أن موسكو توقفت عن إعلان بيانات الإنتاج الرسمية منذ 30 إبريل/نيسان 2023.
ويعزز من حالة القلق تلك أن روسيا تعهدت في أحدث اجتماع لـ "أوبك+" بتعميق خفض صادرات النفط الخام والمنتجات البترولية خلال الربع الأول من العام المقبل، لتصل إلى 500 ألف برميل يومياً، بينما بلغ متوسط إجمالي الشحنات المُصدرة من روسيا خلال النصف من الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، 2.4 مليون برميل يومياً، وفقاً للبيانات التي جمعتها شركة "فورتيكسا" لتحليل البيانات، وهو أعلى مستوى لحجم الصادرات منذ منتصف سبتمبر/أيلول 2023، حسبما أوردت وكالة "بلومبيرغ".
وتأتي المخالفة الروسية لالتزامات "أوبك+" بينما نقلت وكالة "إنترفاكس" عن نائب رئيس الوزراء، ألكسندر نوفاك، قوله إن بلاده وافقت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي على زيادة تخفيضات صادراتها النفطية إلى 500 ألف برميل يومياً في الربع الأول من عام 2024.
لكن نوفاك عاد لاحقاً للتصريح بأنه "لا توجد حاجة لاتخاذ إجراء على الفور من أوبك+"، مضيفاً: "من الخطأ القول إنه يتعين اتخاذ قرارات"، وفقاً لما أوردته وكالة "رويترز" بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وسبق أن دعت السعودية وروسيا، أكبر مصدّري النفط في العالم، في الشهر ذاته، جميع أعضاء "أوبك+" إلى الانضمام إلى اتفاق لخفض الإنتاج بعد اجتماع عاصف لمجموعة المنتجين.
مخاوف من مسار روسيا
ويشير الخبير في شؤون الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن روسيا فرضت حظراً مؤقتاً على صادرات المشتقات النفطية مثل الديزل في سبتمبر/أيلول 2023، ما دفع دول أوروبا إلى الاستيراد من الهند والصين وتركيا والإمارات، وتعزيز مخزوناتها تحسباً لفصل الشتاء، وجاء هذا الموقف مرتكزاً على تلبية حاجة روسيا المحلية والقطاع الزراعي، لكنه فُسِّر باعتباره "معاقبة للغرب" على الموقف الداعم لأوكرانيا.
لكن الحظر الروسي لم يستمر أكثر من شهرين، وانتهى في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ما فسره مراقبون على أنه خطوة "لإحباط سياسة أوبك+ وتقويضها"، بحسب إسماعيل، مشيراً إلى أن وتيرة التصدير الروسي للوقود، خصوصاً الديزل، ارتفعت إلى 2.4 مليون برميل يومياً في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر/أيلول 2023، كذلك بلغت صادرات النفط الروسي المنقول بحراً إلى 3.28 ملايين برميل يومياً حتى 3 ديسمبر/كانون الأول.
ويلفت إسماعيل، في هذا الإطار، إلى أن صادرات روسيا من النفط الخام في أكتوبر/تشرين الأول 2023 اجتازت التزام تخفيض 300 ألف برميل يومياً، رغم طمأنات نائب رئيس الوزراء، ألكسندر نوفاك، بأن روسيا تلتزم تعهداتها في إطار اتفاقات "أوبك+" الإنتاجية، لكن الأسعار بقيت مستقرة إلى حد ما.
ومع ذلك، يرى الخبير في شؤون الطاقة أن الخطر على أسعار النفط والديزل "لن يأتي من تجاوزات روسيا، بل من عوامل أخرى، منها المخاوف بشأن الإمدادات بسبب التوترات الجيوسياسية واحتمالات التصعيد العسكري في البحر الأحمر وإغلاق مضيق باب المندب ومضيق هرمز واستخدام المسار البحري حول أفريقيا".
ويشير إسماعيل إلى أن القطاع الصناعي الأميركي والأوروبي، الذي يعتمد على الديزل في التشغيل، يعاني ضعفاً في الفترة الأخيرة، ومع ارتفاع المخزونات ستبقى أسعار الديزل مستقرة حتى في فصل الشتاء على الأرجح "بشرط ألّا يتدهور الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط".
كذلك يتوقع إسماعيل أن يكون الديزل محور الاهتمام العالمي خلال عام 2024 في ظل التطورات الراهنة، باعتباره الوقود الأهم للتدفئة والنقل وتشغيل المعدات الزراعية والمصانع.
دوامة شريرة
وفي السياق، يشير الخبير في الاقتصاد السياسي، بكري الجاك، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن الزيادة الروسية في ضخ النفط من طرف واحد سيؤدي إلى زيادة العرض، وبالتالي تراجع الأسعار وعدم استقرارها من جانب، وربما يعقّد العلاقات الروسية السعودية من جانب آخر، باعتبار أن السعودية هي رأس "أوبك+" والدول ذات التأثير الأول فيه.
ويضيف الجاك أن القرار الروسي الأحادي دون التنسيق مع بقية أعضاء التكتل النفطي "قد يكون له تأثيرات مستقبلية عميقة في علاقات روسيا بدول الخليج، ما قد يضاعف من عزل روسيا دولياً".
ولا يعتقد الجاك أن تصل تلك التأثيرات إلى انفكاك عقد "أوبك+"، لكنه يرجح أن يفقد التكتل تدريجياً قدرته على التنسيق والعمل بتناغم يحقق مصالح جميع الدول الأعضاء.
وعن انعكاس هذا الوضع على مصالح دول الخليج النفطية، يتوقع الجاك تراجعاً في أسعار الخام وعدم استقرار بالأسعار في الفترة القادمة، ما سيؤثر في عائدات دول الخليج وقدرتها على الوفاء باحتياجات ميزانياتها.
وفي المدى الطويل، يتوقع الجاك أن تزيد دول الخليج إنتاج النفط، ما قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في الأسعار والدخول في "دوامة شريرة"، أو أن "تأكل هذه الدول من صناديقها السيادية، وهذا يعني عدم استقرار مالي بهذه الدول قد يكون له تداعيات سياسية"، حسب تعبيره.