يوما بعد يوم تزيد الضغوط على البنوك المركزية العالمية وصناع السياسة النقدية حول العالم لاتخاذ قرارات عاجلة تعالج أزمة التضخم الحادة وتكبح قفزات الأسعار التي تكاد تطيح الاقتصادات الكبرى والنامية على حد سواء، وتقضى على ما تبقى من قوة شرائية لدى المستهلكين حول العالم، وترفع كلفة السلع الرئيسية خصوصاً النفط وموارد الطاقة والغذاء والمواد الخام، وتزيد نسب البطالة والفقر.
وبعدما كانت التوقعات تشير إلى قيام البنوك المركزية الكبرى برفع سعر الفائدة على عملاتها بمعدل مرتين خلال العام الجاري، زادت التوقعات لأربع زيادات، ثم لما يزيد عن ضعفي الرقم الأخير حيث بتنا نتحدث عن احتمال رفع الاحتياطي الفيدرالي، أي البنك المركزي الأميركي، سعر الفائدة 7 مرات خلال عام 2022 بدلا من 5 ارتفاعات توقعها في وقت سابق "غولدمان ساكس" وهو من أكبر المصارف الاستثمارية حول العالم.
تبعات زيادة سعر الفائدة على اقتصادات دول العالم، سواء المتقدم أو النامي، ربما لن تقل خطورتها عن تلك المخاطر التي سببتها الجائحة
بل إنّ الاقتصاديين في بنك "جي بي مورغان" توقعوا يوم السبت الماضي، رفع السلطات النقدية الأميركية أسعار الفائدة بنسبة ربع في المائة في كل اجتماع على مدار 9 اجتماعات متتالية يعقدها خلال العام الجاري في محاولة للحد من التضخم الجامح الذي بات أكبر معضلة تواجه إدارة جو بايدن.
وعلى أقل تقدير توقع الرئيس التنفيذي لبنك "جي بي مورغان" جيمي ديمون الأسبوع الماضي، أن يدفع ارتفاع التضخم الجامح في الولايات المتحدة البالغ حاليا أكثر من 7% البنك المركزي الأميركي لرفع أسعار الفائدة، 6 أو 7 مرات هذا العام.
وبعدما كانت تقديرات بنوك الاستثمار الكبرى هي رفع سعر الفائدة على الدولار بنسبة تتراوح ما بين نصف وواحد في المائة طول العام الجاري، باتت التوقعات تتحدث عن زيادات تصل إلى 2% وربما 2.25% وفق توقعات حديثة لمصارف أميركية كبرى.
ومع هذه التوقعات المتشائمة جداً سواء لمعدل التضخم الذي يعد الأعلى منذ أكثر من 30 سنة، أو رفع سعر الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى في الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان ومنطقة اليورو فإن القلق بات يعصف بالأسواق المالية خاصة في الدول التي تتوقع هروب الأموال الساخنة سواء من بورصاتها أو أدوات الدين الحكومية مثل السندات وأذون الخزانة.
القلق بات يعصف بالأسواق المالية خاصة في الدول التي تتوقع هروب الأموال الساخنة من بورصاتها وأدوات الدين الحكومية مثل السندات والأذون
أو تتوقع حدوث قفزة في تكلفة الاقتراض الخارجي وأعباء السداد، أو تتوقع تسبب رفع الفائدة عالمياً في زعزعة الاستقرار المالي وزيادة الدين العام وعجز الموازنات، وبالتالي حدوث انخفاض حاد في أسعار بعض الأصول.
ومع زيادة منسوب القلق من تبعات زيادة سعر الفائدة فإنّ دولاً عربية عدة تقف متفرجة على القرارات المتوقع صدورها من قبل البنوك المركزية الكبرى لأنه لا قرار لها ولا رأي في ما يحدث على الساحة الدولية سواء في ما يتعلق بإجراءات مكافحة التضخم، أو رفع سعر الفائدة على العملات الرئيسية مثل الدولار والإسترليني.
كل ما ستفعله حكومات تلك الدول هو زيادة سعر الفائدة لمواجهة مخاطر التضخم وأي اضطرابات متوقعة في أسعار العملات وأسواق الصرف المحلية، والحفاظ على ما سيتبقى من أموال ساخنة في أسواقها، أو بهدف جذب مستثمرين جدد يبحثون عن أسعار فائدة مرتفعة بغض النظر عن درجة المخاطر داخل الدول.
تبعات زيادة سعر الفائدة على اقتصادات دول العالم، سواء المتقدم أو النامي، ربما لن تقل خطورتها عن تلك المخاطر التي سببتها جائحة كورونا والتي ستكلف العالم نحو 14 تريليون دولار حتى العام 2024 حسب توقعات صندوق النقد الدولي.