خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اليوم الثلاثاء، أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري وجوب عقد جلسة للحكومة لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، في تصريحٍ لافتٍ على وقع صراع الصلاحيات بين القوى السياسية والانقسام الحاد حول خلفية محاكمات الحاكم الحالي رياض سلامة الذي يغادر منصبه آخر الشهر الجاري، منهياً عهداً استمرّ 30 عاماً على رأس أحد أعلى وظائف الدولة.
ويشهد لبنان صراعاً سياسياً حول صلاحيات حكومة تصريف الأعمال والقرارات التي يمكن أن تتخذها في ظلّ الشغور في سدّة الرئاسة الأولى، ومن بينها المتّصلة بتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، بعد إقفال الباب نهائياً على سيناريو التمديد لسلامة، إذ يرى فريق سياسي وازن ولا سيما الذي يمثل الكتل النيابية المسيحية في تعيين حاكم جديد بمثابة وضع يد على صلاحيات رئيس الجمهورية وخرق للدستور والميثاق اللبناني، وذلك في وقتٍ حذر فيه البطريرك الماروني بشارة الراعي بدوره من "تعيينات الضرورة".
في المقابل، يتذرّع قسمٌ سياسيٌّ بقدرة الحكومة على تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان من بوابة الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها البلد، و"الضرورة الملحة" في ظلّ مخاطر الفراغ في سدة الحاكمية على المرفق العام النقدي والمصرفي.
كما يُتَّهم "حزب الله" و"حركة أمل" برئاسة بري، من معارضيهما، برفضهما تسلّم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري، عملاً بأحكام قانون النقد والتسليف، مهام رياض سلامة بعد انتهاء ولايته في 31 يوليو/تموز الجاري، وهو محسوبٌ عليهما، لعدم تحميله كرة المسؤولية، نظراً لضبابية المرحلة المقبلة، وما تحمله من مؤشرات تشي بانهيار حاد للعملة الوطنية، وذلك مع استمرار الشغور الرئاسي، ودخول الاتفاق مع صندوق النقد الدولي نفقا مظلما، خصوصاً وأن فريق بري السياسي، ممسك في الوقت نفسه، بأهم مواقع الدولة المالية، وعلى رأسها وزارة المال.
ولم تنجح حتى اللحظة المشاورات التي بدأها ميقاتي مع نواب حاكم مصرف لبنان، والتي ينتظر أن تُحسم نتائجها ومصير الاستقالة، في الـ48 ساعة المقبلة، وذلك بعدما طلبوا من الحكومة أمس الاثنين، توفير الغطاء القانوني الذي يسمح لهم بإقراض الحكومة من مصرف لبنان في سبيل التمكن من الإنفاق الحكومي الضروري والملح، كما والتدخل في سوق القطع لاستقرار سعر الصرف، مع العلم أن هناك انقساماً في صفوف نواب الحاكم حول خطوة الاستقالة.
وقرّر مجلس الوزراء في جلسة عقدها أمس الاثنين استطلاع رأي الجهات القضائية المختصة حول ذلك ليصار في ضوئه الاجتماع مجدداً مع نواب الحاكم لتقييم الوضع، في حين اعتبر ميقاتي، أن هناك استحالة لتطبيق خطة نواب الحاكم قبل 1/8/2023، رغم إعلانه أنها تتماهى مع خطة الحكومة، ما يستدعي وضع خطة طوارئ للحفاظ على الاستقرار النقدي وتأمين صرف الرواتب وفقاً لسعر منصة صيرفة. مع الإشارة إلى أن هذه المنصة لا تلقى قبولاً من نواب الحاكم.
وكان لافتاً، قول ميقاتي، إن "الخيار الأمثل هو في تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان متى نضجت الظروف التي تسمح بذلك، وهو أمرٌ نسعى إلى تحقيقه من خلال مشاورات مكثفة بما يسمح بتمرير المرحلة بأقلّ الأضرار ولا سيما أنه من حق الحكومة لا بل من واجبها تأمين استمرار سير المرفق العام"، علماً أن رئيس الحكومة كان صرح قبل أيام أن لا تعيين لمن يخلف حاكم البنك المركزي.
في السياق، يقول المحامي والخبير الدستوري، سعيد مالك، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الثابت أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، أي تصرّف الأعمال بالمعنى الضيق عملاً بأحكام الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور اللبناني، يعني ذلك أن الحكومة تصرّف الأعمال من دون أن يحق لها التعاقد أو التعيين أو التمديد أو حتى قبول الاستقالة".
من ناحية ثانية، يشدد مالك على أن "الحكومة بهيئة تصريف الأعمال لا يحق لها أن تعيّن حاكماً جديداً لمصرف لبنان، ولا سيما أن المادة 25 من قانون النقد والتسليف، تنصّ على حلول نائب الحاكم الأول مكان الحاكم المركزي عند الشغور، لذا وطالما أن هناك نصّاً قانونيّاً يرعى الشغور والفراغ، فلا ضرورة ملحّة للحكومة أن تجتمع لتعيّن حاكماً جديداً كونها حكومة تصريف أعمال ولغياب رئيس الجمهورية الذي يجب أن تكون له كلمة الفصل في هكذا تعيين".
كذلك، يقول مالك إن "النائب الأول ملزمٌ بتسلّم المهام تحت طائلة ملاحقته قانوناً والادعاء بحقه جزائياً، كون القانون يفرض على الموظف القيام بعمله وعدم ترك وظيفته وإلحاق الأذى بالمرفق العام، بالتالي، في حال رفض منصوري تولي المهام، فهو يرتّب على نفسه مسؤولية ولا اعتقد أنه بهذا الاتجاه، ولكن اليوم، الخيارات المفتوحة، إما أن لا يستقيل أو يستقيل ولكنه يبقى بمهام نيابة الحاكمية وبعدها بمهام الحاكمية حتى تعيين حاكم جديد".
ولا تزال سيناريوهات مرحلة ما بعد سلامة غير واضحة رغم أن أياما قليلة تفصل البلاد التي تمرّ بأسوأ وأخطر أزمة اقتصادية ونقدية، عن انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، ومن بين الخيارات التي يتم التداول بها، تسلّم نائب حاكم مصرف لبنان الأول وسيم منصوري، منصب الحاكم لحين انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين حاكم أصيل، إلى جانب خيار استقالة نواب الحاكم، واحتمال أن يطلب منهم وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل الاستمرار بتسيير مهامهم عملاً بمبدأ تسيير المرفق العام، وتفادي الشغور، ما يجعلهم بمنأى عن المسؤولية أو التبعات القانونية، أو بقاء النواب بمراكزهم، بعد حصولهم على الضمانات التي طلبوها من الحكومة.