ذعر في الأسواق المصرية من انفلات الدولار وموجات الغلاء

31 يناير 2024
تقفز الأسعار في مصر دون ضوابط رغم وعود ضبط الأسواق (Getty)
+ الخط -

يواجه المستهلكون صدمات شديدة جراء انفلات أسعار السلع والمنتجات الصناعية بصورة لم تشهدها مصر في أحلك ظروفها، إذ ترتفع الأسعار بين عشية وضحاها وعلى مدار الساعة.

ودعت الأزمة برلمانيين ورجال أعمال إلى دعوة الحكومة للتدخل من أجل إنقاذ الأسواق من حالة انهيار متوقعة، مع انجراف الأسواق إلى هاوية تهدد القوة الشرائية للمواطنين.

وتحولت مناقشات برلمانية إلى معارك كلامية، بينما انشغلت الحكومة بعقد لجان فنية تستهدف الدفع بقوات أمنية ورقابية للسيطرة على الأسواق، في وقت يمثل ذروة الطلب على السلع الأساسية مع اقتراب شهر رمضان. 

انفلات الأسعار 

وتقفز الأسعار دون ضوابط، إذ ارتفعت أسعار الأجبان واللحوم والبيض والدواجن والمخبوزات والمعجنات، بمعدلات تتراوح ما بين 10% و20% خلال الأيام القليلة الماضية.  

انتشرت في الأسواق ظاهرة تجميع السلع الغذائية والأدوية، من بينها سلع محظور نقلها للخارج كالبصل والسكر والدقيق واللحوم والزيوت، ليعاد تصديرها بكثافة للخارج.

ويستهدف المصدّرون جني أكبر عوائد من البيع بالدولار، وإعادة توظيف العوائد في إجراء صفقات جديدة للاستيراد بالدولار.

وبلغ سعر الفاصوليا المحلية 98 جنيها، يرتفع في بعض المحلات إلى 118 جنيها، واللوبيا 80 جنيها بزيادة 30 جنيها عن أسعار الشهر الماضي. 

وزاد سعر ورق الطباعة ومستلزمات التغليف بنسبة 17.5% منذ مطلع العام الجاري. وتجاوز سعر الطن 45 ألف جنيه، صعودا من مستوى 27 ألف جنيه في الربع الأخير من عام 2023، مدفوعا بزيادة الأسعار العالمية إلى مستوى 1000 دولار للطن، وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار.

وتنتج المصانع المحلية نحو 150 ألف طن من الورق، ويستورد القطاع الخاص نحو 300 طن لتلبية احتياجات السوق المحلية. 

وقفز سعر طن الحديد عدة مرات خلال الشهر الجاري، ليصل إلى 64 ألف جنيه لطن حديد التسليح، و75 ألف جنيه لطن الألواح، و100 ألف جنيه لطن الحديد المجلفن.

وجاء مشهد اختفاء جنيهات وسبائك الذهب من الأسواق، وسط شائعات بوجود مشغولات ذهبية وسبائك وجنيهات مغشوشة، لتزيد الأسواق ارتباكا، في وقت يقبل الجمهور بشدة على شراء الذهب، بينما يعاني التجار من نقص الخامات، وعدم القدر على تصريف المشغولات تامة الصنع.

ويفضل المستهلكون شراء السبائك وجنيهات الذهب، تجنبا لدفع مصنعية المشغولات، التي تصل إلى 60 جنيها للجرام، واحتفاظهم بالمعدن الأصفر كملاذ آمن، في ظل تدهور قيمة الجنيه أمام الدولار وباقي العملات الرئيسية.

ويؤكد مسؤولون في شعبة الذهب صعوبة التنبؤ بأسعار الذهب في الفترة المقبلة، لارتباط حالة التذبذب في الأسعار بعدم استقرار سعر الصرف التي تشهدها البلاد.

ووصل سعر غرام الذهب عيار 24 نحو 4575 جنيها وعيار 21 الأكثر تداولا 4000 جنيه وعيار 18 بلغ 3428 جنيها. صعد سعر الجنيه إلى 32 ألف جنيه والأونصة 142 ألفا و171 جنيها. 

وارتبكت أعمال شركات السياحة المنظمة لرحلات الحج والعمرة، حيث طلبت من الحكومة تعديل أسعار برامجها التي التزمت بعقود مع المسافرين على أسعارها في نوفمبر الماضي، لمواجهة التدهور في قيمة الجنيه أمام الدولار والريال. 

اتهامات متبادلة 

ويتبادل المصنعون والتجار الاتهامات حول مسؤولية زيادة الأسعار، بينما تختفي السلع وترتفع دون ضوابط، بحثا عن الأرباح أو تعويض الخسائر مع الزيادة المستمرة في قيمة الدولار، وصعوبة تدبير بدائل محلية لمستلزمات الإنتاج. 

ويؤكد الخبير الصناعي أحمد عيسى أن تسعير الحديد يظهر اعتماد شركات الإنتاج لسعر الدولار عند 100 جنيه، بما يعني دخول البلاد في موجة هائلة من التضخم، خلال المرحلة المقبلة.

ويبدي عيسى دهشته من تشجيع الحكومة لشركات الحديد تصدير نسبة هائلة من إنتاجها للخارج، بهدف تمكينها من تدبير عملة تساعدها على شراء مستلزمات الإنتاج، بينما لا تسمح باستيراد الحديد من السوق الدولية، الذي يعادل 80% من سعره محليا.

ويتعجل التجار والمستوردون تعويما جديدا للجنيه، يواجه تعدد سعر الصرف للدولار، الذي أصبح له سعر رسمي عند حدود 31 جنيها بالبنوك التي لا توفره دون تعليمات من الحكومة لاستيراد السلع الاستراتيجية والأدوية والتزامات الجهات الرسمية، وسعر للتداول في السوق الموازية تخطى 70 جنيها للدولار، وثالثا لتبادل الصفقات بين التجار عند 72 جنيها للدولار لمدة أسبوعين، وفي سوق الذهب يصل إلى 70.09 جنيها. 

وأكد أعضاء في جمعية رجال الأعمال، أن الزيادة الهائلة في سعر الدولار، تدفع التجار إلى الإحجام عن عمليات البيع أو تسعير المنتجات لحين استقرار الأوضاع.

وامتنع أغلب تجار الذهب عن عمليات الشراء والبيع، انتظارا لزوال الحالة الضبابية التي تنتاب الأسواق. ويخشى المصنعون من وقوعهم فريسة بين زيادة سعر الدولار، وارتفاع أسعار الفائدة على الجنيه، مع وجود اتجاه لدى البنك المركزي بمواصلة "التشدد النقدي" ورفع الفائدة لتعزيز قيمة الجنيه، بما يثير مخاوف من زيادة معدلات الركود في الأسواق. 

ويحمّل المنتجون الجمهور توابع زيادة الأسعار، حيث يشير محمد المصري، نائب رئيس الغرف التجارية، إلى ضرورة سعي المواطنين إلى الحصول على السلعة بأرخص الأسعار، ومقاطعة المحلات التي تبالغ في زيادة السعر.

ويلقي حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية بالغرف التجارية، باللوم على المنتجين والمستوردين في زيادة الأسعار، مشيرا في بيان صحفي إلى أن المحلات مجرد وسيط بين المنتج والمستورد والمستهلكين، تؤدي خدمة البيع مقابل هامش ربح عادل وثابت.

ويذكر المنوفي أن ارتفاع الأسعار يؤثر سلبا على سرعة دوران رأسمال المحلات الصغيرة، وأن وجود أكثر من سعر للسلعة الواحدة يرجع إلى عدم كتابة المنتج أو المستورد سعر المنتج وعدم اعتماد سعر محدد للسلعة الواحدة في مختلف المحافظات، وبيع الشركات بأكثر من سعر للسلعة الواحدة للتجار. 

نقاشات برلمانية ساخنة 

وانتقلت حالة الهلع التي أصابت الأسواق إلى البرلمان، الذي طالب الحكومة بإلزام المحلات التجارية بطبع أسعار السلع على كل عبوة معروضة للبيع، وهو إلزام لم تستطع وزارة التموين ضبطه عمليا، حيث تتغير الأسعار بصفة يومية من قبل الموردين والموزعين وإدارات البيع بالمحلات الكبيرة والصغيرة.  

وفي مناقشة ساخنة حديثة في لجنة الصناعة بمجلس النواب، اعترف محمد السلاب رئيس اللجنة بوجود زيادة كبيرة في أسعار السلع الغذائية خلال الأيام الماضية، مؤكدا أن كل سلعة أصبح لها أكثر من سعر، بما يربك المستهلكين.

وقالت شيرين عليش، وكيل اللجنة البرلمانية، إن المواطنين بكافة مستوياتهم يعانون من جنون الأسعار لكافة السلع، لدرجة أن المواطن يشتري السلعة بسعر ليجدها بسعر آخر في اليوم التالي مباشرة، محذرة من موجات غلاء خطيرة في الأيام المقبلة.

ومن الملفت أن تتحول الجلسة البرلمانية إلى ملتقى لبث شكاوى النواب والمسؤولين.

وأوضح اللواء محمود السيد، المسؤول عن الرقابة في جهاز المستهلك الحكومي، وجود مغالاة في الأسعار، منوها إلى عدم قدرة الجهاز على تحديد سعر السلع، ومحملا المسؤولية لجهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار التابع لوزارة الصناعة.

لم تسفر اجتماعات اللجنة البرلمانية عن شيء سوى توصيات بتدوين الأسعار على السلع الأساسية الغذائية اعتبار من أول فبراير المقبل، وهو التزام سبق أن تعهدت به الحكومة مطلع العام الجاري، على أن تنفذه في مارس/آذار 2024.  

أزمة السكر  

تتهم وزارة التموين التجار بافتعال أزمة السكر، مشيرة إلى رفع سعر توريد السكر من المصانع إلى 18 ألف جنيه للطن، وتوزيع السكر على حائزي بطاقات الدعم التمويني بسعر 12.6 جنيها للكيلو، والمجمعات والمراكز التجارية بسعر 24 ألف جنيه للطن، مقابل بيعه للجمهور بسعر 27 جنيها، وإجبار الموزعين على كتابة سعر البيع وتاريخ الإنتاج، لعدم التلاعب في الكميات المطروحة للجمهور.

يؤكد على مصيلحي، وزير التموين، أن وجود مخزون استراتيجي من السكر يكفي لمدة 5.5 أشهر. في جولة لـ"العربي الجديد" بالأسواق، أظهرت قلة المعروض من السكر بالمراكز التجارية المشاركة لوزارة التموين في مبادرة توفيره بسعر 27 جنيها.

تحصل المحلات الكبرى على كميات قليلة توزع بمعدل يتراوح ما بين كيلوغرام و2 كيلو لكل عميل، إلى أن تنتهي الكمية المطروحة عادة خلال ساعتين على الأكثر، ويمتنع باقي التجار من خارج المنظومة عن بيع السكر، الذي يفوق سعره 55 جنيها، خشية الوقوع تحت القبضة الأمنية التي أطلقتها الحكومة للرقابة على الأسواق. 

يشير إبراهيم السجيني، رئيس جهاز حماية المستهلك، في مقابلة مع رئيس الوزراء مطلع الأسبوع الجاري، إلى تسجل نحو 10 آلاف قضية لمخالفي بيع السكر والتسعير.

يدفع الغلاء معدلات التضخم إلى مستويات قياسية جديدة، بعد هدوء نسبي خلال شهر ديسمبر الماضي، حيث استقر عند 33.7٪، والمدفوع بزيادة أسعار الأغذية والسلع الأساسية، مرتبطة بزيادة أسعار الكهرباء والغاز والنقل والمياه والخدمات الحكومية. 

أزمة الدولار والديون 

رغم انهيار الجنيه، وتضاعف قيمة الدولار في السوق الموازية خلال 10 أشهر، تعهدت الرئاسة بعدم اللجوء إلى تعويم جديد للجنيه، رغم عدم توصل الحكومة إلى اتفاق نهائي حول سعر الصرف، مع بعثة صندوق النقد الدولي الموجودة حاليا.

تسعى الحكومة إلى رفع قيمة قرض تعهد الصندوق بتقديمه لمصر عام 2022، بقيمة 3 مليارات دولار، ليصل إلى نحو 10 مليارات دولار.

تدرس الحكومة مبادرات جديدة لمبادلة الديون مع الدول أعضاء تجمع "بريكس"، ليتم سدادها بالعملات المحلية، والابتعاد عن الدولار الذي يشكل 90% من قيمة الديون، وإعادة هيكلة الدين الخارجي، الذي فاق 165 مليار دولار، لا تتوافر لدى الدولة موارد تكفي لسداد فوائد وأقساط الدين دون اللجوء إلى قروض جديدة. 

تنظر الحكومة إلى زيادة القروض كطوق نجاة ينجيها من الغرق في دوامة التضخم والغلاء، وتدهور الجنيه والأزمة الاقتصادية الطاحنة.

بينما يميل وائل النحاس الخبير الاقتصادي وزمرة من المحللين إلى القول بأن الوضع الاقتصادي السيئ لن يحل عبر نفس الشخصيات التي تسببت في وقوع الأزمة التي تمر بها البلاد.

ودعا النحاس إلى البحث عن شخصيات جديدة، قادرة على التفكير خارج الصندوق وإعادة هيكلة للاقتصاد برمته، بما يوقف شبح الانهيار وموجات الغلاء غير المبررة في الأسواق. 

المساهمون