ديون لبنان... والخيارات المرة

14 فبراير 2020
دياب وفريقه بأولى جلسات حكومته الخميس (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -


حتى أمس الخميس، وحسب تصريحات وزير المالية اللبناني غازي وزني، لم تحدد الحكومة الجديدة كيفية التعامل مع الديون المستحق سدادها خلال أيام لأصحاب السندات الدولية والبالغ قيمتها 1.2 مليار دولار، إضافة إلى 1.3 مليار دولار قيمة سندات أخرى مستحقة على دفعتين في شهرَي أبريل ويونيو المقبلين، حيث قال الوزير، بعد اجتماع مع رئيس الجمهورية ميشال عون وحاكم "مصرف لبنان" المركزي، رياض سلامة، إن الحكومة تبحث خيارات للتعامل مع استحقاقات السندات الدولية الوشيكة، بما في ذلك ما إذا كنت ستفي بالمدفوعات أم لا.

"وزني" لم يقطع بالتزام حكومته سداد الدين المستحق في موعده، بل ترك الأمر معلقا والباب مفتوحا على كل الاحتمالات، حيث قال إنه جرى خلال اجتماع أمس بحث العديد من الخيارات بشأن التعامل مع السندات الدولية، ومنها خيار الدفع أو عدم الدفع، وأنه تم تأجيل اتخاذ القرار النهائي، لأنه "غير سهل ومهم كثيرا بالنسبة للبلد والمودعين والبنوك والقطاع الاقتصادي والعلاقات الخارجية". 

إذن، لبنان بات لديه خيارات صعبة وضيقة للتعامل مع أزمة الدين المستحق ومع قضية الدين العام بشكل عام، خاصة أن البلاد تعد من أكبر دول العالم المثقلة بعبء الدين العام، مع بلوغ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي 150 بالمائة.

فإما أن تسحب الحكومة من الاحتياطي الأجنبي لدى مصرف لبنان المركزي والبالغ نحو 30 مليار دولار لسداد قيمة الدين المستحق، وهو احتمال وارد، إلا أن له تداعيات سلبية وخطيرة، حيث سيؤثر على التصنيف الائتماني للبلاد، وعلى قدرة البلاد على سداد الديون الخارجية المقبلة، كما قد سيؤثر سلبا على قدرة المصرف المركزي على ضبط سوق الصرف الأجنبي وكبح السوق السوداء التي أطلت برأسها في العام الماضي، وكذا على تدبير النقد الأجنبي لفاتورة الواردات سواء للوقود أو الغذاء أو الدواء.
وإما أن تطلب الحكومة إعادة جدولة الديون المستحقة، وإصدار سندات جديدة لسداد السندات القائمة، وهذا خيار صعب وغير موثوق به أيضا، فالبنوك اللبنانية هي أكبر مكتتب في السندات الدولارية، وهي لا تملك السيولة الكافية لتغطية الاكتتاب إن تم طرحه، خاصة وأنها في أزمة أصلا مع المدخرين الذين يسعون لسحب أموالهم بالنقد الأجنبي، لكن القيود الحالية تمنعهم.

كما أن المستثمرين الأجانب ليست لديهم ثقة في قدرة الحكومة على سداد قيمة الديون مستقبلا، وبالتالي فإن تحمسهم للمشاركة في الاكتتاب في أي سندات لبنانية قد يتم طرحها في الوقت الحالي قد تكون محل شك.

وهناك خيار آخر متاح أمام الحكومة، وهو تأجيل السداد، وهو خيار خطر ووارد حدوثه، إذ قد يترتب عليه حدوث هزات عنيفة ليست فقط في القطاع المالي والاقتصادي بالبلاد، بل في كل مناحي الاقتصاد وسمعة البلاد الخارجية وتصنيفها الائتماني.

أما بالنسبة لخيار لجوء الحكومة اللبنانية إلى صندوق النقد الدولي للحصول منه على سيولة دولارية يتم من خلالها سداد الدين المستحق بعد أيام، فهو خيار صعب بسبب تكلفته السياسية والاقتصادية المرتفعة، وعدم قدرة الحكومة على فرض شروط الصندوق القاسية وروشتته السامة على اللبنانيين الغاضبين أصلا من فساد النخبة الحاكمة.

ولذا فإن الحكومة تقدم رجلا وتؤخر أخرى نحو الصندوق بسبب التأثيرات الخطيرة التي يمكن أن تنجم عن الدخول في مفاوضات معه، كما أن التفاوض مع الصندوق يستغرق وقتا، ولذا لن يسعف الحكومة في مواجهة الأزمة الحالية المتعلقة بسداد نحو 2.5 مليار دولار في غضون شهور قليلة.