دوا الجوار الأفغاني ... عين على المصالح الاقتصادية والاستقرار وأخرى قلقة من طالبان

21 أكتوبر 2021
غياب الدولارات يخنق متاجر كابول (Getty)
+ الخط -

بينما عقدت الدول المجاورة لأفغانستان مؤتمراً في موسكو أمس الأربعاء، حول مستقبل البلاد والاعتراف بحكومة طالبان، حذّر صندوق النقد الدولي من تداعيات انهيار الاقتصاد الأفغاني على تدفق اللاجئين على هذه الدول التي تتباين مصالحها في عودة الاستقرار السياسي لكابول.

وعقدت دول الجوار الأفغاني، الأربعاء، اجتماعاتها تحت مظلة ما يعرف بـ"إطار موسكو"، لمدة أربعة أيام، وبمشاركة ممثلين عن روسيا والصين وباكستان وإيران والهند، ولكن في غياب الولايات المتحدة التي تمسك بأوراق الحل الرئيسية لمستقبل اقتصاد أفغانستان.

 إذ إن واشنطن لا تزال تضع حركة طالبان في قائمة "المنظمات الإرهابية" التي يحظر القانون الأميركي التعامل معها مالياً، ولا تزال تفرض عقوبات مالية وتجارية على البنوك الأفغانية والدول التي تتعامل معها ضمن ما يعرف بـ"الحظر المالي الثانوي"، ولا تزال كذلك تضع يدها على احتياطي البنك المركزي الأفغاني المودع في مجلس الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" والبالغ نحو 9 مليارات دولار.

خلال فترة الغزو الأميركي لأفغانستان استفادت إيران من الاستقرار في أفغانستان، إذ تمكّنت من رفع حجم تجارتها مع السوق الأفغانية إلى نحو 2.5 مليار دولار في 2020 

في هذا الشأن يقول الخبير القانوني والمالي البروفسور روبرت هوكيت، الأستاذ بجامعة كورنيل الأميركية، في تحليل لموقع "إنسايدر الأميركي"، "من المستحيل أن تحصل طالبان على هذه الأموال المجمدة من الناحيتين العملية والقانونية".
وأضاف البروفسور هوكيت "من الناحية القانونية فإن حصول حكومة طالبان على هذه الأرصدة المجمدة مستحيل، لأن طالبان غير معترف بها بعد كحكومة شرعية لأفغانستان من قبل الحكومة الأميركية".
وقال هوكيت "حسب نصوص القانون الأميركي فإن الولايات المتحدة تملك الحق في تجميد الأموال لدولة ما معترف بها، حينما يتم استبدال حكومتها بحكومة أخرى غير معترف بها".

وسط هذه التعقيدات التي يفرضها عدم الاعتراف الأميركي بحكومة طالبان، ما هي المصالح المحققة لدى دول الجوار في الاستقرار السياسي والاقتصادي في أفغانستان وكيف يمكنها تخطي العقوبات الأميركية؟
حتى الآن يبدو أن معظم دول الجوار التي اجتمعت في موسكو ترغب في الاستقرار السياسي في أفغانستان واستغلال موقعها الجغرافي الوسيط بين آسيا الوسطى و"إندو آسيا" لتحقيق مصالح سياسية خاصة بها واقتصادية تتمثل في الربط التجاري والاستثماري المهم لإنعاش اقتصاداتها، ولكنها في ذات الوقت قلقة من وجود إمارة إسلامية قوية اقتصادياً ومستقرة سياسياً على حدودها.
وعلى سبيل المثال، فإن إيران قلقة من تداعيات نجاح طالبان في الحكم على مصالحها التجارية في آسيا الوسطى، كما أن بكين تتخوّف من دعم "حركة طالبان" أقلية الإيغور في إقليم شينجيانغ التي تتعرض للاضطهاد من قبل السلطات الصينية وتعمل على دمجها في "الصين الشيوعية".

تستضيف إيران أعداداً تراوح بين 2.5 إلى 3 ملايين لاجئ أفغاني أغلبهم غير مسجلين

وتنتاب الهند مخاوف سياسية من تحريك طالبان مطالب السكان المسلمين. ويوجد في الهند نحو 200 مليون مسلم، وتواجه الحكومة الهندوسية المتطرفة الحالية، برئاسة ناريندا مودي وحزبه "بهاراتيا جاناتا"، ثورات شعبية في إقليم كشمير واحتجاجات ضد الاضطهاد الذي مارسه الهندوس بحق المسلمين. أما باكستان فلديها مخاوف من مجموعة البشتون في شمال البلاد التي تطالب بحكم ذاتي.
على الصعيد الإيراني، تستضيف إيران أعداداً تراوح بين 2.5 إلى 3 ملايين لاجئ أفغاني أغلبهم غير مسجلين.

وهذا الرقم الضخم من اللاجئين يشكّل عبئاً على الاقتصاد الإيراني الذي يعاني في الوقت الراهن من الحظر الأميركي وتداعيات جائحة كورونا، وربما ستعاني طهران مستقبلاً من صعوبات في العراق بعد الانتخابات الأخيرة.

ولكن رغم ضغوط اللاجئين الأفغان، فلدى طهران مصالح اقتصادية وتجارية واسعة ترغب في خدمتها عبر الاستقرار السياسي في أفغانستان.

ويرى محللون أن الاستقرار السياسي في كابول سيسمح لإيران بالتجارة المباشرة مع الشركات الصينية التي ترتبط معها باتفاقات ضخمة وطويلة الأجل في مجال النفط والبتروكيماويات، كما يسمح لها بتنشيط تجارتها مع دول آسيا الوسطى.

في هذا الشأن يشير تحليل بمؤسسة "راند" الأميركية إلى أن طهران كانت تأمل رؤية حكومة خالية من سيطرة طالبان بعد انسحاب القوات الأميركية، وأنها استثمرت بكثافة في المحافظات الشرقية الأفغانية المتاخمة لحدودها على أمل أن تتمكّن من تقوية نفوذها السياسي والاقتصادي بعد انسحاب القوات الأميركية.
ويقول التحليل إن هذا المنظور الإيراني لمستقبل أفغانستان ينسجم مع استراتيجية طهران الرامية لمحاصرة المدّ السني في المنطقة.

ويتوقع التحليل أن تشهد علاقات طهران مع طالبان توتراً في المستقبل بسبب الخلاف حول تقاسم المياه التي تنحدر من المرتفعات الجبلية وتصب في غربي إيران، إذ يعاني كلا البلدين حالياً من النقص في المياه، خاصة في المحافظات الشرقية لإيران، كما أن حركة طالبان تتجه نحو التكثيف الزراعي من أجل الحصول على عائدات مالية سريعة وتحقيق اكتفاء غذائي في ظل العزلة الدولية.

ولا يستبعد التحليل أن يثير العدد الهائل من اللاجئين الأفغان في طهران حساسيات سياسية في المستقبل مع طالبان.
وكانت طهران تستخدم اللاجئين الأفغان الموجودين في أراضيها "ورقة ضغط" ضد الحكومة الأفغانية قبل انسحاب القوات الأميركية، حيث هددت بترحليهم عدة مرات.
وبحسب التحليل فإن الحكومة الإيرانية لا ترغب في حكومة أفغانية مؤقته مشكلة من حركة طالبان فقط، على الرغم من حرصها على الاستقرار في حدودها الشرقية.

وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قد بعث برسالة إلى المجلس الأوروبي في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي، فحواها أن غياب حكومة شاملة في أفغانستان يشكّل تحدياً لمستقبل أوروبا، وذلك في إشارة واضحة إلى أن طهران ترغب في ضم ممثلين من الطائفة الشيعية من الهزارة والطاجيك للحكومة الأفغانية المؤقتة.

لكن في المقابل فإن طالبان لا ترغب في ذلك خوفاً من تسريب المعلومات، بحسب ما يرى محللون.
وخلال فترة الغزو الأميركي لأفغانستان استفادت الحكومة الإيرانية من الاستقرار في أفغانستان، إذ تمكّنت من رفع حجم تجارتها التبادلية مع السوق الأفغانية إلى نحو 2.5 مليار دولار في العام المالي 2020 و2021، كما استفادت سوق الصرافة الإيرانية من تدفق نحو 5 ملايين دولار إلى أسواقها يومياً. وساهم ذلك في دعم الريال الإيراني.

على الصعيد الروسي، لدى موسكو مصالح في مجال الطاقة والمعادن في دول آسيا الوسطى التي تقع تحت مظلتها الأمنية والدفاعية والسياسية وتدير بشكل غير مباشر أنظمتها الحاكمة. وبالتالي يرى محللون أن موسكو حريصة على الاستقرار السياسي في أفغانستان، ولكنها في ذات الوقت ترغب في رؤية "أفغانستان لا تسيطر عليها طالبان"، وذلك ببساطة لتخوفها من تأثير رابطة العقيدة الدينية التي تجمع بين طالبان والطرق الصوفية السنية في دول آسيا الوسطى.

وبالتالي تبدو موسكو قلقة من احتمال تأثير الحركة الأفغانية على الأنظمة السياسية الحاكمة التي تخدم مصالح شركاتها التجارية والاستثمارية في كل من أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان.

موسكو قلقة من احتمال تأثير طالبان على الأنظمة السياسية الحاكمة التي تخدم مصالح شركاتها التجارية والاستثمارية في كل من أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان

في هذا الصدد، ترى الخبيرة الأميركية إيملي كارل، التي عملت في السابق بوزارة الخارجية الأميركية، أن الاستقرار السياسي والأمني في أفغانستان سيكون مفيداً لمصالح التجارة والاقتصاد لدول آسيا الوسطى التي تفتقر إلى منافذ بحرية تمكّنها من إيصال بضائعها إلى الأسواق العالمية، ولكن يرى محللون آخرون أن نجاح مثل هذه المشاريع لا بد من أن يحظى بموافقة موسكو.

على الصعيد الصيني، لدى الصين استثمارات تقدّر بنحو 170 مليار دولار في مشروعات "الحزام والطريق" في آسيا الوسطى، بحسب بيانات نشرتها جامعة "واشنطن يونيفرستي" في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وبالتالي يرى محللون أن بكين حريصة على الاستقرار السياسي بدول آسيا الوسطى لنجاح هذه المشروعات من جهة، ومن جهة أخرى فإنها تستفيد تجارياً من أسواق آسيا الوسطى المتخلفة تقنياً في تسويق بضائعها، كما أن لديها طموحات إلى استغلال ثروات أفغانستان المعدنية.

ولكن بكين كانت تأمل ظهور "طالبان معتدلة" لأن هاجسها الرئيسي هو تأمين الاستقرار السياسي في إقليم شينجيانغ أو تركمانستان الشرقية التي يقطنها المسلمون السنة.

ويعتبر محللون أن القاسم المشترك بين دول الجوار المجتمعة في موسكو حالياً هو عدم الرغبة في وجود حكومة أفغانية قوية تسيطر عليها طالبان رغم مصالحها التجارية والاقتصادية والاستثمارية الواسعة والقوية من حدوث الاستقرار بأفغانستان.

المساهمون