دوامة الفائدة في مصر... البنوك الحكومية نحو إصدار شهادات بعائدات غير مسبوقة

15 مارس 2023
شهادات الاستثمار الجديدة تستهدف جذب 780 مليار جنيه (Getty)
+ الخط -

تستعد البنوك الحكومية في مصر لإصدار شهادات ادخار جديدة، قبيل نهاية مارس/آذار الجاري، ذات عائد ثابت بفائدة يتوقع خبراء أن تتراوح ما بين 23% و26%.

وأكدت مصادر مصرفية لـ"العربي الجديد" تحرك مسؤولين في البنك الأهلي، الذراع المالية للدولة، نحو إصدار تلك الشهادات، مع حلول موعد استحقاق شهادات الادخار بعائد 18%، اعتباراً من الأسبوع المقبل، وحتى نهاية مايو/أيار 2023. وتستهدف الشهادات الجديدة، توفير وعاء ادخاري للمواطنين، يمتص سيولة نقدية، تبلع قيمتها 780 مليار جنيه (25.2 مليار دولار)، تبلغ حصة البنك الأهلي منها 515 مليار جنيه، وبنك مصر 240 مليار جنيه، مع وجود شهادات مماثلة في العديد من البنوك الخاصة المحلية تصل عوائدها إلى 19%.

وصدرت شهادات الـ 18%، خلال الفترة من 21 مارس/آذار إلى 30 مايو/أيار 2022، عقب خفض قيمة الجنيه، بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، ما أدى إلى تراجع قيمته أمام الدولار بنحو 50% بنهاية العام الماضي.

وأكد محللون ماليون أن توجه البنك المركزي لإصدار شهادات ذات عائد أعلى من الشهادات المنتهية أصبح أمراً حتمياً، في ظل ارتفاع معدلات التضخم الشهري بنحو 8.1% والسنوي إلى مستوى غير مسبوق بلغ 40.1%، وفق أحدث بيانات له عن فبراير/ شباط الماضي، مقابل 24.4% نهاية عام 2022، مع استمرار انكماش القطاع الصناعي غير النفطي وموسم زيادة النفقات في شهر رمضان والأعياد، بما يتطلب ضرورة احتفاظ البنوك بالسيولة، خوفاً من أن تؤدي زيادة السيولة بحيازة المواطنين إلى زيادة الضغط المستمر بمعدلات الأسعار والتضخم.

ويشير الخبراء إلى أن تصاعد أسعار الذهب والركود في السوق العقاري، يتطلب سرعة إصدار الشهادات الجديدة، لدفع أصحاب المدخرات إلى الاحتفاظ بودائعهم لدى البنوك، بدلاً من البحث عن الدولار، المتوقع زيادة قيمته، خلال الفترة المقبلة، بما يزيد الهوة السعرية بين البنوك والسوق السوداء.

وتتوقع مصادر في البنك الأهلي، أن تكون الشهادات ذات العائد بحد أدني بداية من فئة 1000 جنيه، ومضاعفاتها، ولمدة تصل إلى عام أو عامين. ويرجح خبراء التمويل والاستثمار، أن يلجأ البنك المركزي إلى عقد اجتماع طارئ قبيل موعده المقرر في 30 مارس/آذار الجاري، لرفع معدلات الفائدة على الودائع والإقراض، وإقرار النظام المرتقب للشهادات ذات العائد الأعلى، للحد من خسائر أصحاب المدخرات من العائد السلبي على الجنيه، مع ارتفاع التضخم الحقيقي إلى معدلات قياسية جديدة، ومحاولة تخفيف الضغط على الجنيه، قبل الاجتماع الدوري مع خبراء صندوق النقد الدولي المقرر بداية إبريل/ نيسان المقبل.

ويواجه الجنيه ضغوطاً قاسية من الدولار، في ظل شح العملة الصعبة، وزيادة الديون والالتزامات الحكومية، وارتفاع قيمة الواردات المعطل الإفراج عنها في الموانئ، ليصل الدولار إلى نحو 31 جنيهاً بالبنوك، ويرتفع إلى أكثر من 35 جنيهاً في السوق السوداء، و37 جنيهاً في التعاملات الآجلة، بين المستثمرين والموردين.

ويتوقع بنك "جيه بي مورغان" الأميركي أن ترتفع الفائدة في مصر بمعدل 200 نقطة أساس (2%) خلال الشهر الجاري، و100 نقطة في مايو/أيار المقبل، لتصل الفائدة على الإيداع إلى 19.25%، لتصبح الأعلى منذ 30 عاماً، عندما بدأت الحكومة أولى مراحل التفاوض مع صندوق النقد الدولي على خصخصة شركات القطاع العام، وتحرير سعر الوقود والسلع الأساسية.

بينما يتوقع بنك "غولد مان ساكس" أن تصل الزيادة 300 نقطة أساس دفعة واحدة، متفقاً مع رؤية خبراء بأن البنك المركزي سيتجه إلى إجراءات أكثر تشدداً لضبط السيولة النقدية، بإلزام البنوك بزيادة نسبة الاحتياطي الإلزامي، بعد رفعه معدل التضخم المتوقع إلى 24.3%، بالمتوسط لعام 2023.

ووسط الارتباك الذي يسود سوق الصرف، واتساع الفجوة بين سعر الدولار في السوقين الرسمية والسوداء، يشهد الذهب إقبالاً جديداً على الشراء كأداة للتحوط من تأكل المدخرات بالعملة الوطنية، وواصلت أسعار المعدن النفيس تحطيم الأرقام القياسية، بنسبة زيادة إجمالية بلغت 15% تقريباً خلال أسبوعين فقط.

وارتفع سعر الغرام (عيار 24) من 1912 جنيهاً في بداية الشهر الجاري إلى 2194 جنيهاً، أمس الثلاثاء، بزيادة 282 جنيهاً. والغرام (عيار 21) من 1675 جنيهاً إلى 1920 جنيهاً، بزيادة 245 جنيهاً، والغرام (عيار 18) من 1435 جنيهاً إلى 1646 جنيهاً، بزيادة 211 جنيهاً، وذلك بخلاف أسعار المصنعية التي تتراوح ما بين 65 و190 جنيهاً للغرام.

وزاد سعر بيع جنيه الذهب، الذي يزن 8 غرامات من عيار 21، من 13400 جنيه إلى 15360 جنيهاً، بزيادة 1960 جنيهاً، علماً أن هذا هو سعر الشراء، أما سعر البيع فبلغ 16695 جنيهاً، وفق الأسعار المعلنة على منصة "آي صاغة" المتخصصة في مجال تداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت.

وخلال اليومين الماضيين، زاد سعر بيع الدولار بقيمة جنيه واحد في السوق الموازية المصرية، من متوسط 34.25 جنيهاً إلى 35.25 جنيهاً، مقابل سعر صرف يبلغ 30.96 جنيهاً في البنك المركزي، ارتفاعاً من 27.60 جنيهاً للدولار في 11 يناير/كانون الثاني من العام الجاري، و19.65 جنيهاً في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و15.70 جنيهاً في 21 مارس/آذار 2022.

ومع تهاوي الجنيه يتصاعد التضخم، وتتعمق حالة الركود في المصانع، ما يزيد مخاوف المصريين من المستقبل. ولا يستبعد صندوق النقد الدولي ردات فعل اجتماعية سيئة في مصر إذا استمرت نفقات المعيشة اليومية للمواطنين في ارتفاع يومي، ومعاناتهم من موجات غلاء لا يعلمون متى ترسو على شاطئ النجاة.

وفي المقابل، تروّج الحكومة لشهادات مؤسسات مالية تقول إن مصر قادرة على تحمّل الأزمة المالية الحالية وتسديد ما عليها من قروض بلغت نحو 157 مليار دولار على الخزانة العامة، ونحو 50 مليار دولار أخرى على المؤسسات والشركات العامة المضمونة بموارد وزارة المالية، تخصص نحو 35% لخدمة فوائد الديون، و51% من إيراداتها لخدمة الدين العام والمحلي، ولم يبقَ أمام الدولة إلا مزيد من الاقتراض والبيع البخس للملكية العامة، وفق محللين.

وفي ظل أزمة الدولار، تخشى الحكومة السقوط في مأزق تدبير تكاليف شراء السلع الأساسية والمواد البترولية من الأسواق الدولية، خلال الأشهر المقبلة، ما دفعها إلى تقديم موازنة تتحوط بها برفع سعر القمح إلى 424 دولاراً للطن، والبترول إلى 95 دولاراً للبرميل.

المساهمون