دفء الغاز يحمل ماكرون إلى الجزائر

25 اغسطس 2022
حقل غاز أميناس، جنوب شرقيّ الجزائر العاصمة (رياض كرمدي/فرانس برس)
+ الخط -

تتجه أنظار الفرنسيين والأوروبيين، وكذلك الجزائريين، إلى زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر، التي تبدأ اليوم الخميس، وسط آمال بعودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين، بعد نحو عام من التوتر، الذي جاء على خلفيات سياسية تاريخية، بينما تبدو ملفات الطاقة والتجارة، المحرك الأساسي في محاولات إعادة الشراكة.

ويحل ماكرون في الجزائر على رأس وفد يتقدمه وزير الاقتصاد برونو لومار، وممثلون عن حركة المؤسسات الفرنسية "ميدف" التي تُعَدّ أكبر تكتل لرجال الأعمال في فرنسا، بالإضافة إلى ممثلين عن شركتي "توتال" و"غاز إينرجي"، لبحث ملف الطاقة والغاز بالأخص.

توترات سياسية حادة

والزيارة التي تستمر 3 أيام، هي الثانية لماكرون في 5 سنوات، وتأتي بعد نحو عام من دخول العلاقات بين باريس والجزائر مرحلة جمود إثر توترات سياسية حادة.

وحسب مدير مكتب "إيمرجي" للدراسات الاستراتيجية والطاقوية (الطاقة)، مراد برور، "يبدو أن إمدادات الغاز ستكون الملف الأكثر أهمية بالنسبة إلى ماكرون خلال هذه الزيارة. فرنسا ترى أنها جد متأخرة في قضية ضمان الإمدادات، تحسباً لفصل الشتاء، مقارنة بإيطاليا التي وقّعت أخيراً عقداً جديداً بقيمة 4 مليارات دولار سنوياً للحصول على الغاز من الجزائر، فضلاً عن استقرار الإمدادات الجزائرية مع إسبانيا، بينما تتحضر فرنسا لشتاء بارد، في ظل تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على توريد النفط والغاز".

وقال برور لـ"العربي الجديد" إن "باريس تحاول الوصول إلى تسوية مع الجزائر لرفع الامدادات بالغاز عبر الأنبوب الذي يربط الجزائر بإسبانيا، لتفادي أي مفاجأة في فصل الشتاء، وهذا يحتاج لإزالة الحاجز القائم حالياً أيضاً بين الحكومة الجزائرية والإسبانية".

وتحوز فرنسا 8% من صادرات الجزائرية من الغاز، التي تبلغ 50 مليار متر مكعب سنوياً، وهي النسبة المرشحة للارتفاع، في ظل تطور الأسواق العالمية للطاقة.

وأضاف برور أن "فرنسا لا تبحث فقط عن إمدادات الغاز، بل تبحث عن حصة لها في الاستثمارات النفطية التي أطلقتها الجزائر بعد الاكتشافات النفطية الضخمة الأخيرة، عبر تمهيد الطريق لشركة توتال، لكن الأمر لن يكون سهلاً بالنظر إلى تقدم شركتي إيني الإيطالية وإكسون موبيل الأميركية على صعيد هذه الاكتشافات".

من جانبه، قال عبد المجيد عطار، وزير الطاقة الأسبق والمدير العام السابق لشركة "سوناطراك" النفطية الجزائرية، إن "ماكرون يعي جيداً أن الحرب الحقيقية هي ضمان الغاز لمواجهة ارتفاع الطلب الداخلي عليه، والجزائر هي ملاذ لسببين: القرب الجغرافي، ما يعني شحنات أكثر عبر السفن، وأيضاً يمكن رفع الإمدادات عبر الأنبوب الذي يربط الجزائر بإسبانيا، شرط أن يجد ماكرون والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أرضية توافق".

وتوقع عطار في حديث مع "العربي الجديد" أن "تقبل فرنسا مراجعة الأسعار التفضيلية التي تستفيد منها مقابل رفع الحصة، فيما تبقى قدرات الجزائر الإنتاجية الفيصل الآن في ظل ارتفاع الطلب خارجياً وداخلياً أيضاً".

إنقاذ الشركات المتعثرة

وتعتبر فرنسا الشريك التجاري الثاني للجزائر، بعد الصين، بمبادلات تجارية تلامس 10 مليارات دولار سنوياً، بينما كانت الشريك الأول حتى عام 2013، قبل القيود التي فرضتها الجزائر منذ بضع سنوات على الاستيراد لتقليل فاتورتها، فيما استقرت الاستثمارات المباشرة عند عتبة 2.5 مليار دولار.

ومع توتر العلاقات منذ عام، تزايدت المخاوف من طرف الفرنسيين، بعد تراجع الامتيازات الاقتصادية التي حظيت بها باريس في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، إن "الركود الاقتصادي الذي تعيشه فرنسا يدفع ماكرون إلى البحث عن أسواق جديدة لخلق الثروة لبلده، وإنقاذ شركات فرنسية من الإفلاس، وعادة ما كانت الجزائر ملاذاً مريحاً للشركات الفرنسية المتعثرة، يمكن أن يكون قطاع الطاقة وإنتاج السيارات بالإضافة إلى الزراعة من بين اهتمامات فرنسا في الجزائر".

وأضاف نور الدين في حديث مع "العربي الجديد" أن "الرئيس الجزائري يفضل النموذج الصناعي الإيطالي، وقالها صراحة، وهذا ما أزعج فرنسا، وهي تعلم أن المعطيات تتغير، خاصة أن عائدات النفط انتعشت، ما يعني استثمارات حكومية جديدة".

وقلما تأثر التعاون التجاري والاقتصادي بين الجزائر وفرنسا، بتقلب العلاقات السياسية بين البلدين لعقود طويلة، إلا أن التصادم الذي وقع في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بين باريس والجزائر لم يكن كالسابق، إذ كشفت الأيام عن وجود رغبة قوية لدى الجزائر في "معاقبة" فرنسا تجارياً واقتصادياً بمراجعة المعاملة "المميزة" التي ظل يحظى بها "مستعمر الأمس" وخاصة في العقدين الأخيرين.

وتوترت العلاقات الجزائرية الفرنسية بشكل غير مسبوق، في أعقاب قرار باريس خفض عدد التأشيرات الممنوحة للرعايا الجزائريين سنة 2021، وازدادت تأزماً بعد تصريحات ماكرون التي اتهم فيها تبون، منتصف 2021، بأنه "يعيش ضمن نظام صعب"، في تلميح إلى أن الرئيس الجزائري محاصر من قبل الجيش. كذلك شكك ماكرون في وجود كيان للأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، ما دفع الرئيس الجزائري إلى استدعاء السفير الجزائري في باريس ومنع الأجواء الجزائرية على الطائرات الحربية الفرنسية المشاركة في عملية "برخان" آنذاك شماليّ مالي.

مصالح الأنظمة

ومنذ خروجها من الجزائر سنة 1962، ظلت فرنسا شريكاً تجارياً واقتصادياً مهماً، بل ورئيسياً للجزائر، حيث بقيت باريس المموّن الأول للجزائر بالسلع والخدمات، والمستثمر المباشر الأول، مستفيدة من التاريخ الذي يربط البلدين وتقاطع مصالح الأنظمة بين البلدين.

ويرى الخبير الفرنسي من أصول جزائرية، سليمان عبد الهادي تمار، مدير مركز الدراسات الاقتصادية "فرانس إيكو ايتود" في باريس أن "فرنسا استفادت كثيراً من التقاطع التاريخي بينها وبين الجزائر، للظفر بعدة مشاريع استثمارية، إلا أن فترة حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة شهدت طفرة في الاستفادة الفرنسية من الثروات الجزائرية، سواء عبر الصادرات أو الاستثمارات، مقابل دعم نظام بوتفليقة، أي علاقة رابح ـ رابح".

وأضاف تمار لـ"العربي الجديد" أن "الأصداء تشير إلى تخوف غير مسبوق من طرف فرنسا على مصالحها الاقتصادية جراء التصعيد الذي مارسه النظام الجزائري الحالي في تعامله مع باريس، وخاصة أن الجزائر أبدت توجهاً لقطع الامتيازات الفرنسية في الجزائر".

كسر الهيمنة

وسبق الخلاف الجزائري الفرنسي المشتعل في النصف الثاني من السنة الماضية، إبداء الجزائر منذ وصول تبون إلى سدة الحكم نهاية 2019، نية علنية في كبح الهيمنة الفرنسية على المشهد الاقتصادي والتجاري، وكبح اللوبيات الفرنسية النافذة في سرايا الحكم الجزائرية، من خلال فسخ عقود شركات فرنسية ظلت تحتكر الخدمات، كشركة "سيال" التي ظلت تسيّر توزيع المياه لأكثر من 15 سنة، وشركة "مترو باريس" التي سيرت "مترو الجزائر" لـ10 سنوات، وإلزام شركة "لافارج" بالتوجه نحو تصدير الإسمنت، بالإضافة إلى مراجعة شروط استيراد القمح الذي تحتكر فرنسا تدفقه نحو الجزائر بقرابة 1.6 مليار دولار سنوياً.

ورأى المستشار الحكومي، العضو السابق في مجلس المحاسبة الجزائري، عبد الرحمن مبتول، أن "الجزائر الرسمية لم تعد تخفي توجهها للتعامل بواقعية في تسيير مصالحها التجارية والاقتصادية، من خلال كبح هيمنة فرنسا على الأسواق الجزائرية في العديد من المجالات".

قال مبتول لـ"العربي الجديد" إن "الشركات الفرنسية استفادت من الأموال الجزائرية، وجرى ذلك على حساب شركات جزائرية"، لكنه تابع: "العلاقات الاقتصادية الجزائرية الفرنسية تبقى معقدة ويصعب أن تنهار أو تتغير جذرياً، إلا إذا دخلنا في قطيعة تامة".

المساهمون