دستور تونس بوابة إلى قروض صندوق النقد: جائزة التسلّط

02 اغسطس 2022
البنود الاقتصادية للدستور الجديد لا تكفي لحل أزمات البلاد (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

يبدو أن دستور تونس الجديد الذي لم يشارك في الاستفتاء عليه نحو 3 أرباع الناخبين سيقرب البلاد من قروض صندوق النقد الدولي حسب وكالة "فيتش" العالمية للتصنيف الائتماني. ويأتي ذلك وسط تشكيك دولي في إجراءات الاستفتاء الذي شهد تدنيا كبيرا في المشاركة، في ظل اتهامات للرئيس قيس سعيد بالسعي إلى إحكام قبضته على السلطة والتفرد بها.

وتترقب الأوساط الاقتصادية في تونس تفاعلات أسواق المال والمستثمرين مع الوضع السياسي الجديد في البلاد بعد المصادقة على الدستور والخروج من المرحلة الاستثنائية، بينما تزداد الأوضاع الداخلية توترا مع ارتفاع نسب البطالة والفقر وتشكيك الخارج في سلامة العملية الانتخابية.

وينهى الدستور الجديد مرحلة التنازع على السلطة بين البرلمان والرئاسة بإحالة الصلاحيات كاملة إلى رئيس البلاد، بينما تكتفي الغرف التشريعية التي سيتم انتخابها في شهر ديسمبر/ كانون الأول القادم بصلاحيات محدودة في المصادقة على القوانين التي تقرها الحكومة.

حبل نجاة للحكومة

رجحت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني مؤخرا في تقرير أصدرته حول الوضع التونسي، أن يقرّب الدستور الجديد البلاد من توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وقالت وكالة التصنيف في بيان إن "تونس ما زالت تحظى بالدعم الدولي بعد التصويت بالموافقة على مشروع الدستور".

وأشار البيان أيضا إلى أن المقرضين الدوليين مستعدون لتقديم الدعم ضمانات لاستقرار المنطقة وللحد من تدفق الهجرة غير الشرعية عبر البحر الأبيض المتوسط.

ويمثّل تواصل دعم المقرضين الدوليين لتونس حبل النجاة الذي تتعلّق به البلاد خوفا من سقوط في دائرة التخلّف عن سداد الديون أو العجز عن توفير الموارد اللازمة للموازنة التي تشكو عجزا يزيد على 9 بالمائة.

في هذا السياق، يرى وزير المالية الأسبق سليم بسباس أن المصادقة على دستور جديد تنهى المرحلة الاستثنائية ويمهد للمرور بالبلاد إلى مرحلة الاستقرار المؤسساتي، معتبرا أن استقرار مؤسسات الحكم أمر مهم للحصول على ثقة الممولين الدوليين ومؤسسات القرض وجلب الاستثمارات.

وقال بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" إن إقرار دستور جديد يجعل الرؤية الاقتصادية أكثر وضوحا للمقرضين ويحدد الأدوار المرجعية لمؤسسات الدولة.

غير أن وزير المالية السابق اعتبر أن ضعف المشاركة في الاستفتاء ومواقف الدول الكبرى من العملية السياسية في تونس لها تبعات على موقف المقرضين والمؤسسات المانحة، معتبرا أن الموقف الأميركي يمكن أن يكون حاسما في المنظمات الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي.

مخاوف من الانتقادات الأميركية

عقب الإعلان عن النتائج الأولية للاستفتاء، عبّرت الولايات المتحدة، يوم الثلاثاء الماضي، عن مخاوف من أن يضر الدستور التونسي الجديد بحقوق الإنسان، وأشارت إلى نسبة المشاركة الضعيفة في الاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيّد.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية نيد برايس للصحافيين إن الولايات المتحدة تعرب عن "مخاوف من أن يتضمن الدستور الجديد ضوابط وتوازنات ضعيفة قد تقوّض حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية".

كما أشار برايس إلى "الإقبال الضعيف" و"محدودية أفق النقاشات العامة الحقيقية خلال صياغة الدستور الجديد".

ويرى بسباس أن المحافظة على سلامة العلاقة مع الدول المؤثرة لدى دوائر القرار المالي الدولي مهمة جدا من أجل مواصلة دعمها لتونس، مؤكدا أن تونس حصلت في مناسبتين على الضمان الأميركي من أجل تعبئة مليار دولار من السوق المالية كما حصلت على مساعدات مباشرة وغير مباشرة وازنة في العلاقات المالية.

لكن وزارة الخارجية التونسية أبلغت القائمة بالأعمال بالنيابة بسفارة الولايات المتحدة الأميركية في تونس، ناتاشا فرانشاسكي، "استغراب تونس الشديد من البيان الصحافي الصادر عن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بشأن المسار السياسي في تونس".

وقالت وزارة الخارجية، في بيان، إن "استغراب تونس يشمل أيضا التصريحات التي أدلى بها السفير المعين بتونس أمام الكونغرس خلال تقديمه لبرنامج عمله أمام احدى اللجان التشريعية، واصفة هذه التصريحات بأنها غير مقبولة".

في الاثناء تنتظر تونس قرار مجلس إدارة صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل جديد بقيمة 4 مليارات دولار. يمنح برنامج التمويل المتوقع لصندوق النقد الدولي الإمكانات لتوفير تمويلات للموازنة وتعبئة موارد خارجية لا تقل عن 4 مليارات دولار وتجنب البلاد مخاطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية.

وشهد الاستفتاء مقاطعة أحزاب المعارضة الرئيسية، التي تخشى عودة البلاد إلى نظام سلطوي شبيه بالذي كان قائما قبل ثورة 2011.

وفي تصريح سابق لـ"العربي الجديد" أكد المستشار الاقتصادي السابق للحكومة وأستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية عبد السلام العباسي أن الدعم السياسي من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مهمان جدا لتونس من أجل التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن البلاد في حاجة أكيدة إلى قروض خارجية لتمويل الموازنة وضخ أموال كبيرة في الاقتصاد لإنجاح الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي.

وأفاد المستشار الحكومي السابق بأن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يملكان مفاتيح الدعم السياسي لدى مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، ما يتطلب مواقف تونسية متزنة لضمان التمويل.

10 تسهيلات ائتمانية

ووفق دراسة أصدرها مؤخرا صندوق النقد العربي، حصلت تونس ما بين 1964 و2019 على 10 تسهيلات ائتمانية من صندوق النقد الدولي برصيد قارب 3.5 مليارات وحدة حقوق سحب.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وقال صندوق النقد العربي في دراسة له تحت عنوان تقييم أثر برامج التصحيح الهيكلي في عدد من الدول العربية تضمنت إلى جانب تونس كلا من المغرب ومصر، إن تونس سحبت من التسهيلات المالية التي قدمها صندوق النقد الدولي زهاء 2.5 مليار وحدة حقوق سحب.

وبيّن الصندوق أنه قام بدوره بمنح تونس 20 تسهيلا ائتمانيا منذ بداية التعاون معها وإلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، منها 7 قروض تلقائية و4 قروض تعويضية و7 قروض تصحيح هيكلي وقرض تسهيل التجارة وأخر لدعم المشروعات بقيمة قاربت 1.7 مليار وحدة حقوق سحب خاصة.

ووفق أرقام وإحصائيات رسمية نشرتها الإدارة الأميركية في وقت سابق فقد خصصت الولايات المتحدة منذ عام 2011 أكثر من 1.4 مليار دولار لدعم الانتقال الديمقراطي بتونس.

بنود اقتصادية غير كافية

خصص الدستور التونسي الجديد عدداً من الفصول للشأن الاقتصادي، غير أن خبراء اقتصاد قالوا إنها لا تحاكي حكم الأزمة في البلاد.

ونصت مواد الدستور الجديد على أن أداء الضرائب والتّكاليف العامة واجب على كل شخص على أساس العدل والإنصاف، وكل تهرب ضريبي يعتبر جريمة في حق الدولة والمجتمع.

كما اعتبرت المادة السادسة عشرة أن ثروات الوطن ملك للشعب التونسي، وعلى الدولة أن تعمل على توزيع عائداتها على أساس العدل والإنصاف بين المواطنين في كل جهات الجمهورية.

كما أوجب الدستور الذي أقّره الاستفتاء عرض الاتفاقيات وعقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية على مجلس نواب الشعب، والمجلس الوطني للجهات والأقاليم للموافقة عليها (برلمان ثان سيتم إحداثه بمقتضى مشروع الدستور).

أما المادة السابعة عشرة فتعلّقت بدور الدولة في ضمان التعايش بين القطاعين العام والخاص، والعمل على تحقيق التكامل بينهما على قاعدة العدل الاجتماعي، بينما تحدّث الفصل الثّامن عشر عن واجبات الدولة في توفير كلّ الوسائل القانونية والمادية للعاطلين من العمل لإحداث مشاريع تنموية.

قروض لا تحل الأزمة

وفي يونيو/ حزيران الماضي أطلق صندوق النقد الدولي مفاوضات رسمية مع سلطات تونس بشأن برنامج للتمويل على قاعدة برنامج إصلاحي يستهدف حفض عجز الموازنة وكتلة الأجور ومراجعة منظومة دعم الغذاء والطاقة.

وينظر الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان بإيجابية إلى موقف صندوق النقد الدولي من تونس، معتبرا أن مؤسسة القرض الدولية عدلت موقفها بقبول إمضاء اتفاق مع الحكومة التونسية مستغلا المصادقة على دستور جديد للبلاد إثر استفتاء 25 يوليو/ تموز.

خصص الدستور التونسي الجديد عدداً من الفصول للشأن الاقتصادي، غير أن خبراء اقتصاد قالوا إنها لا تحاكي حكم الأزمة في البلاد

وقال سعيدان لـ"العربي الجديد" إن المفاوضات الثنائية بين النقد الدولي والحكومة التونسية استغرقت وقتا طويلا يقدر بـ14 شهرا في حين أن المفاوضات كان يمكن ألا تستغرق أكثر من 6 أسابيع.

وأضاف في ذات السياق أن "الحصص التي سيمنحها صندوق النقد الدولي لتونس غير كافية داعيا الحكومة والمسؤولين إلى تركيز العمل على الحلول التونسية الداخلية".

وحسب بيانات حول ميزانية تونس لعام 2022، فإن حجم الدين العمومي للدولة سيرتفع مع نهاية 2022 إلى 114 مليار دينار مقابل 107 مليارات دينار في 2021، ما يشكل زيادة تفوق 6 مليارات دينار.

عزلة خارجية

منذ 25 يوليو 2021 واجهت سلطة تونس انتقادات عديدة لسياساتها الخارجية أدت إلى شح التمويلات من مؤسسات الإقراض الدولية والسوق العالمية، وفي المقابل انتقد الرئيس سعيّد وكالات التصنيف الائتماني ووجه اللوم للجنة البندقية (اللجنة الأوروبية للديمقراطية) التي اتهمها بالتدخل في الشأن الداخلي للبلاد.

وعكّرت العزلة الخارجية التي تعيشها البلاد وضعها المالي، وأدت العزلة وتازم الأوضاع الاقتصادية إلى إدراج تونس على لوائح البلدان المهددة بالتعثر المالي والتخلّف عن سداد القروض.

وتونس المهددة بالإفلاس لم تتمكن بعد من تعبئة موارد الاقتراض الخارجي حسب بنود الميزانية، رغم انقضاء النصف الأول من السنة بسبب عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد.

المساهمون