دون صخب، دخل العديد من الشركات المصرية إلى العراق لتنفيذ مشروعات في مجالات البنية التحتية والإسكان والكهرباء، وسط اهتمام حكومي ببقائها بعيداً عن التجاذبات التي تشهدها البلاد، حيث بدت تحركات هذه الشركات محسوبة وأكثر ميلاً للاعتماد على شركاء محليين في تنفيذ الأعمال في تحرك أشبه بجسّ النبض وعدم استنفار المنافسين، لا سيما الكيانات المرتبطة بإيران التي تستحوذ على مساحة واسعة من السوق.
وقالت مصادر عراقية مسؤولة، إن ما لا يقل عن أربع شركات مصرية تعمل حالياً في مشاريع بنى تحتية وطاقة في مناطق عدة من البلاد بينها محافظة البصرة (جنوب)، بينما تتفاوض على مشاريع أخرى في قطاع الإسكان.
ويتكتم المسؤولون العراقيون وكذلك الجانب المصري، على الإفصاح عن أسماء الشركات المصرية التي دخلت السوق خلال الأشهر الأخيرة، بينما أبلغ مسؤول في وزارة الإعمار والإسكان "العربي الجديد"، بأنّ "الشركات المصرية الموجودة حالياً، مصنفة ضمن المعايير الممتازة لوزارة التخطيط العراقية، ولها مشاريع مختلفة في دول الخليج العربي ومصر".
يجري العمل على تصدير 10 آلاف ميغاواط فائضة من الكهرباء المصرية إلى العراق من خلال الربط الثلاثي المشترك بين مصر والعراق والأردن
وقال المسؤول: "وجود الشركات المصرية يأتي ضمن منافسة في السوق على إنشاء مجمعات سكنية بطريقة البناء العمودي، والعمل في مشاريع بنى تحتية بالشراكة أو التعاون مع جهات عراقية مختلفة" لافتاً إلى أنّ عمل هذه الشركات لا علاقة له بما طرح سابقاً بشأن الإعمار مقابل النفط.
وأضاف أن وزارة التخطيط تنسق مع هيئة الاستثمار وبقية الأجهزة الحكومية المسؤولة، من أجل توفير الإمكانيات التي تتطلبها تهيئة بيئة مناسبة للاستثمار، مؤكدا أن أكثر من شركة بينها شركات مصرية تعمل في مجال بناء المجمعات السكنية كونه القطاع الأكثر رواجاً.
وبدت تحركات السفير المصري في العراق، وليد محمد إسماعيل، الذي تولى مهمته في فبراير/ شباط الماضي، أكثر تركيزاً على الملف الاقتصادي من خلال عقد لقاءات عدة مع مسؤولين في الوزارات المعنية وفاعلين في السوق.
وقال إسماعيل في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، يوم الأحد المضي، إنه " تم إنشاء محطات لتوليد الكهرباء في العراق وبعضها لنقل وتوزيع الطاقة"، مشيراً إلى أن "مصر على استعداد كامل للمساهمة في القطاع الكهربائي".
وكشف عن قرب عقد اتفاقيات سياحية مع العراق، مشيرا إلى أن عدد الرحلات الجوية الأسبوعية بين البلدين بلغ أكثر من 14 رحلة "وكلها رحلات ممتلئة". ولفت إلى أن مشروع إقامة مدن حرة مع العراق والأردن قائم والسعي جارٍ لاستكماله في أسرع وقت ممكن.
ووفق السفير المصري فإنّ التبادل التجاري مع العراق ما يزال دون الطموح وهو ليس كبيراً ويبلغ مليار دولار سنويا، مضيفاً أنّه "يجري حاليا العمل على إضافة 10 آلاف ميغاواط فائضة من الكهرباء في مصر إلى العراق من خلال الربط الثلاثي المشترك بين مصر والعراق والأردن، وبداية الشهر المقبل سوف نحتفل بافتتاح محطة كهرباء في البصرة بقدرة 400 ميغاواط بتنفيذ مصري وبتمويل ياباني".
وتابع: "قريباً أيضا هناك ثلاثة مشاريع سكنية ومشاريع طرق بين 3 إلى 4 مشاريع وأغلب المشاريع بتنفيذ من شركات حكومية مصرية".
برلماني عراقي: هناك صعوبات تعترض نقل الشركات المصرية تجربتها إلى العراق، خاصة في مجال إقامة مجمعات سكنية بنظام البناء العمودي (متعدد الطوابق)
وسبق للسلطات العراقية أن عقدت عدة لقاءات على هامش قمتي عمّان في أغسطس/ آب 2020، وبغداد في يونيو/حزيران من العام الجاري، مع مسؤولين مصريين وممثلي شركات بالقطاع الخاص بشأن مشاريع مختلفة، يسعى العراق للحصول على عطاءات أقل كلفة فيها، الأمر الذي قد يسهم بحسب برلمانيين عراقيين في تنشيط عمل الشركات العربية عموما في العراق والمصرية منها على وجه التحديد التي تمتلك تاريخا في مشاريع الإسكان العراقية خلال حقبة الثمانينيات، بينما تستمر المخاوف من احتمال تسبب عدم توفر بيئة مناسبة للاستثمار بتعطيل إنجاز المشاريع في البلاد.
وتتباين الرؤى بشأن الاهتمام المصري بالسوق العراقية واختبار الأجواء عبر التركيز على مشروعات نوعية قليلة.
وقال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، رياض المسعودي، إن توسيع علاقات العراق مع الدول العربية والمجاورة يمكن أن يصب في المصلحة الاقتصادية للبلاد، خاصة في قطاع الإسكان.
وأكد المسعودي في حديث مع "العربي الجديد" على ضرورة الاستفادة من خبرة الشركات المصرية في مجال الإسكان، موضحا أن وجود مجمعات سكنية يمكن أن يسهم في حل أزمة السكن، ما ينعكس على تخفيف مشاكل أخرى يعاني منها المجتمع.
وكانت الهيئة الوطنية للاستثمار قد أعلنت العام الماضي، أن الحكومة بشأن إعادة الحياة للمشاريع المتلكئة التي يمكن أن تسهم في حال إنجازها بالنهوض بواقع البلاد، مشيرة إلى أن عام 2021 سيشهد إنشاء مدينة سكنية متكاملة في كل محافظة، وبحسب الحاجة الفعلية للمحافظات.
لكن عضو لجنة الخدمات في البرلمان العراقي، مضر خزعل، قال في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "البيئة العراقية الحالية غير مشجعة للاستثمار لأسباب عدة أولها الإرباك في العملية السياسية، وكذلك عدم وجود غطاء مالي لدعم المشاريع الاستثمارية".
وأضاف أن هناك صعوبات تعترض نقل الشركات المصرية تجربتها إلى العراق، خاصة في مجال إقامة مجمعات سكنية بنظام البناء العمودي (متعدد الطوابق)، مشيرا إلى أن الشركات الاستثمارية تحتاج إلى أراضي مؤمنة تابعة للدولة، كما يتطلب عملها وجود غطاء مصرفي، وتحتاج إلى وجود جهات تنظم عملية شراء الوحدات السكنية التي ستقوم بإنشائها.
هناك تحفظات من القوى الحليفة لطهران بشأن دخول الشركات المصرية والأردنية للعراق، وهذا التحفظ نابع من انزعاج إيراني واضح لأي منافس لها
في السياق، قال محمد الدعمي، العضو السابق في لجنة الاستثمار الفرعية بالعاصمة بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن عدد الشركات المصرية ما يزال محدوداً جداً، وجرى منحها تراخيص عمل من قبل وزارة التخطيط دائرة تصنيف الشركات، وأغلبها تمت خلال العامين الماضي والحالي.
ووفقا للدعمي فإن الشركات تعمل بطواقم مصرية على مستوى الإدارة والقرارات التنفيذية، بينما الكوادر على الأرض غالبيتها عراقية، وهناك مشاريع تشارك مكاتب مقاولات عراقية ثانوية في المساعدة بتنفيذها ضمن اتفاقات مسبقة.
وأضاف أن هناك تحفظاً من القوى الحليفة لطهران بشأن دخول الشركات المصرية والأردنية للعراق، وهذا التحفظ نابع من انزعاج إيراني واضح لأي منافس لها، كون الشركات الإيرانية استغلت عزوف الشركات الأجنبية عن دخول العراق لأسباب أمنية لتتصدر الواجهة في قطاع الاستثمار والإعمار.
عدد الرحلات الجوية بين مصر والعراق بلغ أكثر من 14 رحلة أسبوعياً
لكن الدعمي رأى أنّ المشهد قد يختلف في الفترة المقبلة "إذ إن الشركات المصرية لا يبدو لديها مشكلة بالعمل في بيئة مضطربة مثل العراق، كما أن حكومة الكاظمي تقدم تسهيلات واسعة للشركات المصرية، خاصة أنها قدمت هي الأخرى عروضا تنافسية في قطاعات الإسكان والطرق تحديداً".
ووصف دخول الشركات المصرية السوق العراقية بالناعم والتدريجي، على عكس الخطوة السعودية التي منحتها بعداً إعلاميا أزعج الإيرانيين وحلفاءهم في العراق، مثل فتح معبر عرعر، وعروض الاستثمار بالقطاع الزراعي الذي جرى رفضه بالنهاية بسبب رفض القوى والفصائل القريبة من طهران له.