خيارات الليرة الصعبة... تركيا تواجه 4 تحديات اقتصادية أخطرها التضخم واضطرابات سعر الصرف

24 نوفمبر 2021
محل صرافة في العاصمة التجارية إسطنبول بتركيا (Getty)
+ الخط -

بينما تواصل الليرة التركية تراجعاً تاريخياً، حيث انخفضت أمس الثلاثاء في التعاملات المسائية إلى أكثر من 13 ليرة مقابل الدولار، يسابق الرئيس رجب طيب أردوغان الزمن لخفض سعر الفائدة والحفاظ على معدل نمو الاقتصاد في مستوى معقول قبل حلول الانتخابات في العام 2023.وبحسب عاملين في البنوك التركية، فقد تخطى سعر صرف الدولار، مساء الثلاثاء، عتبة 13 دولاراً، لتسجل الليرة أدنى سعر للعملة في السنوات الأخيرة، بعد تخفيض سعر الفائدة الخميس الماضي 1%، وذلك إثر سلسلة تخفيضات قام بها البنك المركزي هبطت بالسعر من 23% في سبتمبر/ أيلول 2020 إلى 15% .
وجاء انخفاض الليرة المتواصل منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بسبب تعليقات أردوغان التي قال فيها إنه يرغب في خفض معدل الفائدة المصرفية وتطبيق البنك المركزي لسياسة نقدية جديدة، وهو ما أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين الأجانب في الليرة وتبعاً لذلك انخفاضها الحاد والسريع في آن معاً.
لكن مصادر قريبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم أكدت أن تهاوي الليرة ربما يكون متعمدا من قبل الحكومة التي تسعى لاحداث قفزة في صادرات البلاد الخارجية والوصول بقيمتها لنحو 220 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وكان البنك المركزي يدافع عن الليرة التركية عند مستوى 10 ليرات مقابل الدولار حتى يوم الجمعة الماضي، بينما بات خط الدفاع الجديد أمس الثلاثاء عند مستوى 12 ليرة مقابل العملة الأميركية.

موقف
التحديثات الحية

لكن ماهي الأسباب وراء انهيار سعر الليرة، ولماذا يصر أردوغان على الخفض السريع في سعر صرف الليرة؟
وفق اقتصاديين غربيين فإن الاقتصاد التركي يعاني منذ العام 2016، وهو عام الانقلاب الفاشل على أردوغان، من أربعة تحديات صعبة إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا.

أبرز هذه التحديات، ارتفاع معدل التضخم بمعدل كبير، وهروب جزء من الاستثمارات الأجنبية من البلاد بسبب الاضطراب الحادث في السياسة النقدية، وتوتر العلاقات مع الولايات المتحدة، وأخيرا زيادة فاتورة الوقود خاصة مع قفزة أسعار النفط والغاز خلال الشهور الأخيرة.
على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة، يرى الخبير البريطاني ستيفن كوكس في تحليل بموقع "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، أن أنقرة ربما لن تتمكن من تحسين علاقاتها مع إدارة الرئيس جو بايدن وسط الملفات الشائكة الخاصة بشراء نظم الصواريخ الروسية " أس ـ 400" وبرنامج تطوير المقاتلات الأميركية " أف 16" وقلق واشنطن من علاقات أنقرة وموسكو.

وفي شأن سعر صرف الليرة، يلاحظ خبراء أن الانهيار التاريخي في السعر حدث بسبب تضارب وجهات النظر في تركيا حول إدارة السياسة النقدية، إذ بينما يرى أردوغان أن معدل الفائدة المرتفع يضر بمستقبل النمو الصحي للاقتصاد، وأن معدل الفائدة المصرفية المرتفعة أدى إلى ارتفاع معدل التضخم في البلاد، يرى اقتصاديون عكس ذلك، خاصة المصارف التجارية الغربية التي أقرضت الأعمال التجارية في تركيا بكثافة في فترة الانتعاش والتوسع الاقتصادي خلال العقد الماضي.

موقف
التحديثات الحية

وتستفيد المصارف الغربية وأصحاب الأموال الساخنة من سعر الفائدة المرتفعة بتركيا، في الحصول على الربحية المرتفعة على قروضها في وقت تقارب فيه الفائدة صفر في الولايات المتحدة واليابان ودول الاتحاد الأوروبي.
وكانت الليرة حتى قبل عامين تحسب على أنها العملة الأكثر جذباً لاستثمارات المصارف التجارية الغربية ويطلق عليها "العملة الحاملة للتجارة" في سوق الصرف الأجنبي، أي أنها العملة التي تمكن البنوك التجارية الغربية من الاستدانة من بنوكها المركزية بنسبة فائدة شبه صفرية وتقديم قروض للأعمال التجارية بنسبة تقارب 20%.
في هذا الشأن يرى مصرف "جي بي مورغان" الأميركي في تعليقات نقلتها قناة "سي أن بي سي" أن خفض الفائدة على الليرة سيساهم في المزيد من التضخم في البلاد، وبالتالي سيفاقم من غلاء المعيشة. وفي ذات الصدد يرى مصرفيون في تعليقات لصحيفة" وول ستريت جورنال" أن خفض سعر صرف الليرة سيدفع المستثمرين الأجانب للهروب من سوق الائتمان التركي.

الانخفاض الحاد والسريع في سعر صرف الليرة سينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع التركية وربما يدخل ذلك الاقتصاد في الدائرة الخطرة

من جانبه قال الاقتصادي البريطاني، جيسون توفي، بمؤسسة " كابيتال إيكونومكس" إن الانخفاض الحاد والسريع في سعر صرف الليرة سينعكس بشكل مباشر على أسعار السلع التركية وربما يدخل ذلك الاقتصاد التركي في الدائرة الخطرة".

وفي ذات الشأن لا يستبعد محللون أن يعود أردوغان وسط الضغوط التي تعاني منها الليرة لرفع سعر الفائدة مرة أخرى فوق مستوى التضخم.
من جانبه يرى أردوغان، أن خفض الفائدة المصرفية ضروري للاقتصاد التركي الذي يعاني من تراكم مديونية ضخمة وأغلبها قصيرة الأجل.

ويعتقد أن الفائدة المنخفضة ستساهم في خفض الأعباء المالية على البنك المركزي التركي والدين العام، خاصة وأن الاقتصاد التركي يعاني من الدين الخارجي المرتفع الذي يقدر بنحو 448.4 مليار دولار حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، أو ما يعادل نسبة 36% من إجمالي الناتج المحلي حسب بيانات وزارة المالية التركية.

ويواجه الاقتصاد التركي الذي يقدر حجمه بنحو 765 مليار دولار، حسب بيانات البنك الدولي ويقارب التضخم فيه نسبة 20%، صعوبات مالية ومجموعة من التحديات.

لكن يبدو أن السياسة النقدية هي الصداع الأكبر الذي يعاني منه أردوغان وتحديداً كيفية التعامل مع سعر مستقر لليرة يساهم في تدفق الاستثمارات الأجنبية ويحافظ على ربحية الأعمال التجارية في البلاد التي تستدين بالدولار واليورو والعملات الصعبة الأخرى.

يذكر أن تركيا التي شهدت أزمة مالية قبل صعود حزب العدالة والتنمية للحكم في العام 2002، ولكنها نجحت في حلها في سنوات قليلة وتمكنت من النمو الاقتصادي السريع بين أعوام 2001 و2007 حيث نما الاقتصاد بمعدل سنوي بنسبة 9.6%، كما تمكنت من خفض التضخم من 70% إلى 5.7% في العام 2008، وضاعفت ثلاث مرات من دخل الفرد من 3.6 آلاف دولار إلى 9.63 آلاف دولار.

المساهمون