جددت التوترات العسكرية على الحدود الروسية الأوكرانية والتحذيرات الغربية الأخيرة من الغزو الروسي المحتمل لأراضي أوكرانيا، مخاوف اللاعبين في سوق الطاقة الدولية من تأخر جديد في تشغيل مشروع خط أنابيب "السيل الشمالي-2" لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا عبر قعر بحر البلطيق.
وبعد أعمال بناء استمرت لثلاث سنوات، استُكمِل مد أنبوبي الخط في سبتمبر/أيلول الماضي وملؤهما بالغاز. ورغم أن "السيل الشمالي-2" بات جاهزاً للتشغيل، إلا أن ألمانيا عطلت عملية إصدار التراخيص للشركة المشغلة "نورد ستريم 2 إيه جي" حتى تعيد هيكلتها وفقاً للقوانين الألمانية، وسط تشكيك في واقعية سرعة البت في القرار وتشغيل الخط في السنة الحالية.
ومع ذلك، يرجّح نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أليكسي غريفاتش، ألا يؤثر الوضع حول أوكرانيا مباشرةً بمواعيد تشغيل خط أنابيب الغاز، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة هي المروّج الرئيسي لتعطيل المشروع بحثاً عن حصتها بتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
ويقول غريفاتش في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن الوضع الراهن لا يؤثر مباشرةً بمواعيد تشغيل خط أنابيب الغاز، والاعتقاد بأنه يمكن استخدام هذه المسألة في الظروف الراهنة للضغط على روسيا خاطئ، حيث إن المستهلكين الأوروبيين أكثر المعنيين بتشغيل هذا الخط في أسرع وقت بعد اختناقهم بالمعنى الحرفي للكلمة من ارتفاع أسعار الغاز واحتياجهم إلى نوع من الاستقرار للوضع".
إنهاء اضطرابات الأسعار
ومع ذلك، يعتبر نائب مدير صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، أن تشغيل "السيل الشمالي-2" لا يعني إنهاءً لاضطرابات الأسعار في السوق الأوروبية تلقائياً، مضيفاً: "سيحسن تشغيل خط أنابيب الغاز من الوضع في السوق، وقد يؤدي مجتمعاً مع العقود الإضافية إلى زيادة العرض وانخفاض الأسعار.. بالطبع، يعرقل التوتر الجيوسياسي مضي الأوروبيين قدماً على هذا المسار، ولكن هذا الوضع يناسب الأميركيين الذين يروجون لمنتجهم بالسوق، محرضين الاتحاد الأوروبي على شريكه الهام في مجال الطاقة".
من جهته، شكك مدير مجموعة الموارد الطبيعية والمواد الخام في وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، ديميتري مارينتشينكو، في تشغيل "السيل الشمالي-2" هذا العام، قائلاً لوكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية، يوم الجمعة الماضي: "على الأرجح، لم يعد هناك من يثق بإطلاق المشروع في عام 2022، رغم أنه قبل فترة قصيرة، كان يبدو أنه سيجري تشغيل خط أنابيب الغاز في أقرب وقت".
وأضاف أن "تنامي التوترات الجيوسياسية خلال آخر شهر أو شهرين قد يؤثر أيضاً سلباً بآفاق المشروع، ولا سيما إذا بدأت ألمانيا بالتعامل معه بتشكيك أكبر".
ورغم أنه كان من المنتظر تشغيل "السيل الشمالي-2" في عام 2019، إلا أن المشروع واجه عقبات واحدة تلو الأخرى بسبب التهديدات الأميركية بمعاقبة المشاركين في تنفيذ المشروع أولاً، مروراً بواقعة تسميم المعارض الروسي، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، أليكسي نافالني، في صيف عام 2020 بغاز أعصاب، ووصولاً إلى الأزمة الراهنة على الحدود الأوكرانية، زادت جميعاً من الغموض حول مصير المشروع.
وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد أقر في الصيف الماضي بعدم إمكانية تعطيل المشروع، وأعطى الضوء الأخضر لاستكماله وسط توجه موسكو وواشنطن نحو تطبيع العلاقات بينهما بعد القمة الروسية الأميركية في جنيف في منتصف يونيو/حزيران الماضي.
يذكر أن "السيل الشمالي-2" يضم أنبوبين بطاقة تمريرية إجمالية قدرها 55 مليار متر مكعب سنوياً لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا مباشرة عبر قعر بحر البلطيق دون المرور بالأراضي الأوكرانية، ما أضفى بعداً جيوسياسياً على المشروع الذي أثار تحقيقه استياء كييف، ولم يعد مصنفاً كاقتصادي بامتياز.
خطوات أميركية لتعزيز وجودها
ورغم الخطوات الأميركية لتعزيز وجودها في سوق الغاز الطبيعي في أوروبا، لا يزال الأوربيون قلقون بشأن استمرارية الإمدادات.
وتستكشف المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، الخيارات لمعرفة ما إذا كان شركاؤها، بما في ذلك الولايات المتحدة، يمكن أن يعززوا إمدادات هذه السلعة إلى المنطقة، في ظل محدودية الشحنات من روسيا، وتزايد المخاطر الجيوسياسية، وفقاً لرئيسة شؤون الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون.
وقالت سيمسون بعد اجتماع مع وزراء من الدول الأعضاء، يوم السبت الماضي، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، إنه في حين أن الاتحاد الأوروبي لديه بنية تحتية قوية للغاز، وإجراءات واضحة في حالات الطوارئ، فإنه يحتاج إلى أن يظل "يقظاً للغاية"، وأن يحسن استعداده لمواجهة المخاطر.
وتقوم المفوضية الأوروبية بتحليل سيناريوهات مختلفة للتأكد من أن الخطط الوطنية مناسبة للغرض في وقت يتسم بانخفاض مستويات تخزين الغاز بشكل غير عادي، وزيادة التوترات خارج حدودها الشرقية.
وأضافت سيمسون للصحافيين في مدينة أميان شماليّ فرنسا: "المفوضية تناقش أيضاً مع شركائنا إمكانية زيادة الإمدادات إلى أوروبا"، لافتة إلى أنها ستحضر اجتماعات ممر الغاز الجنوبي في أذربيجان يوم 4 فبراير/شباط المقبل، واجتماعات مجلس الطاقة الأوروبي ـ الأميركي على مدار ثلاثة أيام لاحقاً في واشنطن لمواصلة المناقشات.
أدنى مستوى للتخزين
ووصلت صهاريج التخزين في الاتحاد الأوروبي إلى أدنى مستوى موسمي لها منذ أكثر من عقد، بعد صيانة أطول من المعتاد في الحقول النرويجية، فيما أعادت روسيا بناء مخزونها الخاص. وأجبرت أزمة الطاقة غير المسبوقة بعض عمالقة الصناعة في أوروبا على تقليص الإنتاج، وجعل المستهلكين الأفراد يعانون من ارتفاع الفواتير.
ومن بين الدول الأعضاء في التكتل البالغ عددهم 27 دولة، نفذت 22 دولة إجراءات للتخفيف من تأثير أزمة الطاقة، مثل خفض الضرائب والرسوم، ودعم الدخل المباشر والقسائم، وفقاً للمفوضية الأوروبية أخيراً.