أفشل الخلاف السعودي- الإماراتي المستحكم محادثات تحالف "أوبك+" التي بدأت الخميس الماضي، وانتهت اليوم الاثنين من دون التوصل إلى اتفاق حول سياسة إنتاج النفط، إذ ألغى وزراء المجموعة محادثات تتعلق بالإنتاج، بعد خلاف نشب الأسبوع الماضي عندما اعترضت الإمارات على تمديد مقترح لقيود الإنتاج 8 أشهر إضافية.
وقالت مصادر في أوبك+ اليوم إنه لم يحدث تقدم في حل المسألة، وأُلغي اجتماع اليوم. ولم يُتفق على موعد جديد.
وأضافت المصادر أن فشل المحادثات يعني أن زيادة متوقعة في الإنتاج من أغسطس/ آب لن تحدث، وهو ما ساعد في صعود خام برنت القياسي الذي جرى تداوله مرتفعا واحدا في المئة إلى 76.95 دولاراً للبرميل.
وأثارت أسعار النفط بالفعل مخاوف من أن يعرقل التضخم تعافيا عالميا من الجائحة.
ودعا الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة في أكبر مصدر للنفط في أوبك، السعودية، أمس الأحد، إلى "شيء من التنازل وشيء من العقلانية" للتوصل إلى اتفاق، بعد أن فشلت مناقشات على مدى يومين الأسبوع الماضي في إحراز تقدم، بسبب التعنت الإماراتي تجاه المقترح الروسي السعودي.
وبحسب مصادر نفطية خليجية، فإن الخلاف السعودي- الإماراتي المستجد ليس أوّل إشارات إضعاف الدور الخليجي المتماسك تاريخيا في صناعة القرارات الدولية المتعلقة بإنتاج النفط وتحديد أسعار الخام، سواء في إطار الآليات المعتمدة داخل "منظمة الدول المصدّرة للبترول" (أوبك)، أو ضمن تحالف "أوبك+" مع منتجين آخرين تقودهم روسيا من خارج عضوية المنظمة، وإنما سبقته إلى ذلك خلافات داخل العائلة الخليجية نفسها، وكذلك بينها، وتحديداً السعودية وإيران العضو في المنظمة.
وقد غادرت قطر المنظمة النفطية قبل نحو عام ونصف العام، ودبّ خلاف سعودي- إماراتي شديد داخل الاجتماع الأخير لتحالف "أوبك+"، وتلوح أبوظبي من وقت إلى آخر بالانسحاب من "أوبك" التي تقودها السعودية باعتبارها أكبر منتج للنفط داخل المنظمة.
لكن ما جديد الخلاف الذي برز، الخميس الماضي، في اجتماع "أوبك+"، وأُرجئ بسببه الاجتماع الوزاري إلى الجمعة من دون جدوى، ثم إلى اليوم الاثنين قبل أن يُرجأ مجددا، لكن هذه المرة حتى إشعار آخر لم يُحدّد بعد، واتخذ منحى أكثر حدّة هذه المرة بين السعودية والإمارات، لدرجة أن تهدّد الأخيرة، وإن بشكل غير رسمي وغير مباشر، على لسان قائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان بالانسحاب، ليس فقط من التكتل النفطي، بل من "مجلس دول مجلس التعاون الخليجي" GCC، عبر إشادته في أحدث تغريداته بتجربة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، ودعوته إلى العمل على المصالح الثنائية والخروج من التكتلات الكبيرة "التي لا تفيد"؟.
الخلاف العلني بين السعودية والإمارات هذه المرة، والذي بدا واضحاً في تصريحات مسؤولي ملف النفط في البلدين، اتخذ صفة علنية نادرة أدت إلى فشل محادثات "أوبك+"، يوم الخميس، في التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة عاجلة في إنتاج النفط الخام لتلبية احتياجات السوق العالمية المتزايدة، قبل أن تسعى الدول المنتجة في اجتماع جديد الاثنين، مجدداً، لتوافق ما، في وقت حساس لسوق النفط، وسط مخاوف من أنّ الخلاف ربما يؤجل خططاً لضخّ المزيد من الخام إلى نهاية عام 2021، بهدف تخفيض الأسعار التي صعدت إلى أعلى مستوياتها في عامين ونصف العام عند نحو 76 دولاراً لبرميل خام برنت الأوروبي القياسي.
وفي حين تريد الدول المستهلكة، وفي صدارتها الغرب، زيادة إنتاج الخام لتفادي خروج التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا عن مساره بسبب ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته من الوقود، كانت "أوبك+" قد صوتت، الجمعة الفائت، بدعم من السعودية وروسيا، على مشروع قرار يقضي بزيادة الإنتاج نحو مليوني برميل يومياً، اعتباراً من أغسطس/آب حتى ديسمبر/كانون الأول 2021، وتمديد التخفيضات المتبقية حتى نهاية عام 2022 بدلاً من نهاية إبريل/ نيسان 2022، بيد أنّ الإمارات حالت دون التوصل إلى الاتفاق الذي يتطلب إجماعاً لتبنّي قرارات "أوبك+".
موقف الإمارات دفع بوزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، الأحد، إلى انتقادها علناً بشأن موقفها المخالف للإجماع، الذي قاد إلى عرقلة اتفاق "أوبك +". وقال في حديث لقناة "الشرق": "أحضر اجتماعات أوبك منذ 34 عاماً ولم أشهد طلباً كطلب الإمارات".
وأضاف أنّ "المقترح السعودي الروسي حظي بقبول الجميع ما عدا الإمارات"، في حين قال عن الإمارات لقناة "العربية" السعودية: "لا يمكن لأيّ دولة تحديد مستوى إنتاجها في شهر واحد كمرجعية".
وقال منتقداً قرار الإمارات: "إذا كانت هناك تحفظات لدى أيّ دولة فلماذا سكتت عنها سابقاً؟". وأضاف: "يجب أن تكون هناك زيادة في إنتاج النفط لمعالجة شح البترول المتوقع في الصيف"، مضيفاً: "نريد التوازن بين حاجة الدول المنتجة لرعاية مصالحها وأيضاً مراعاة الدول المستهلكة".
وأكد أنّه "لا بد أن يكون اتفاق الإنتاج لفترة أطول"، موضحاً أنّ "الاتفاقية تشمل نصاً واضحاً بشأن التمديد، ولا تحوي شيئاً عن زيادة الإنتاج".
وأشار الوزير السعودي إلى أنّ الطاقة الإنتاجية للسعودية تصل إلى 13 مليون برميل، بحسب ما أعلنت الرياض في إبريل/ نيسان 2020، لكنّها التزمت بتوافق التحالف بحجم التخفيض المطلوب، إضافة إلى تخفيض طوعي يصل متوسطه إلى 400 ألف برميل يومياً منذ بداية الاتفاق.
قال الوزير أيضاً إنّ "هناك جهداً كبيراً بُذل خلال الـ14 شهراً الماضية، حقق إنجازات خيالية يعيبنا ألّا نحافظ عليها... شيء من التنازل وشيء من العقلانية هو المخلّص الحقيقي لنا"، مضيفاً: "نبحث عن طريقة نوازن فيها بين مصالح المنتجين والدول المستهلكة واستقرار السوق بوجه عام، لا سيما في وقت الشح المتوقع نظراً لانخفاض المخزونات".
ورأى أنّ المملكة هي أكبر المضحين في تحقيق التخفيضات الطوعية، وأنّه "لا يمكن لأيّ دولة اتخاذ مستوى إنتاجها من النفط في شهر واحد كمرجعية، وأنّ هناك آلية يمكن للدول الاعتراض من خلالها" وقال إنّ "الانتقائية صعبة".
في المقابل، أوضحت الإمارات أنّها تدعم زيادة الإنتاج، لكنّها تعارض تمديد التخفيضات المتبقية لما بعد إبريل/نيسان 2022 من دون اتفاق بشأن تعديل خط الأساس الخاص بها، وهو المرجعية التي تحسب على أساسها تخفيضات الإنتاج، وهي تعتبر أنّه جرى تحديد خط الأساس لإنتاجها عند مستوى منخفض جداً في الاتفاق الأصلي لتخفيض الإمدادات.
كذلك، تؤكد الإمارات أنّها لم تكن الوحيدة التي طالبت بخط أساس أعلى، لأنّ دولاً أُخرى، مثل أذربيجان والكويت وكازاخستان ونيجيريا، طلبت وتلقت بالفعل أُسساً جديدة منذ التوصل إلى اتفاق تخفيض الإنتاج للمرة الأولى العام الماضي.
والاحتجاج الذي جاء هذه المرة من الإمارات ينبع من كون الاتفاق موضع التفاوض بين أعضاء التحالف "غير عادل" برأيها، إذ إنّ التخفيض الذي يصل بالنسبة إلى أبوظبي إلى 3.17 ملايين برميل يومياً لا يعكس في الواقع قدرتها الكاملة، بعدما وصلت إلى أكثر من 3.8 ملايين برميل في إبريل/نيسان 2020، أي عشية اقتطاعات كبرى للكارتل في مواجهة تداعيات أزمة وباء كورونا.
ووفق محللين، بحسب "رويترز"، فإنّ الخلاف السعودي - الإماراتي الأخير داخل "أوبك+" هو أبعد من مجرّد خلاف على حصص نفطية، وإنّما يكشف النقاب عن خلاف أوسع نطاقاً آخذ في التزايد بين السعودية والإمارات، إذ بنى البلدان تحالفاً إقليمياً يجمع بين القوتين المالية والعسكرية لخوض صراع في اليمن واستعراض القوة في أماكن أُخرى.
وتسعى السعودية، منذ زمن، لتحدّي هيمنة الإمارات كمركز للأعمال والاستثمارات والسياحة على مستوى المنطقة، في ظلّ التنافس على جذب الرساميل الأجنبية لتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النفط، انطلاقاً من البرامج والخطط المنصوص عليها في "رؤية 2030".
يُشار هنا إلى أنّه في مواجهة الضرر الذي لحق بالطلب على النفط بسبب جائحة كورونا، اتفقت "أوبك+" على تخفيض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً اعتباراً من مايو/أيار 2020، مع خطط لتقليصها بالتدريج، على أن تُنهي هذه التخفيضات بحلول نهاية إبريل/نيسان 2022، فيما تبلغ التخفيضات الآن نحو 5.8 ملايين برميل يومياً.
وحققت هذه الاستراتيجية بعض النجاح، إذ انتعش سعر برميل النفط متجاوزاً 75 دولاراً بالنسبة للخامين المرجعيين "برنت" بحر الشمال والأميركي غرب تكساس الوسيط، بزيادة تناهز 50% منذ مطلع العام، وهو مستوى مماثل لما سجلته الأسعار في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
بالنسبة لبقية الدول التي كانت لها مواقف صريحة من المباحثات، أيّد وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار، يوم الأحد، مقترح "أوبك" وحلفائها لكبح إنتاج النفط حتى ديسمبر/كانون الأول 2022، مضيفاً أنّ العراق يقبل أيضاً بمقترح لتخفيف قيود الإنتاج، وبالسماح لدول تحالف "أوبك+" بزيادة إمداداتها 400 ألف برميل يومياً اعتباراً من أغسطس/آب، تماشياً مع اتفاق يستهدف الرفع التدريجي للقيود المفروضة بعد تفشي كورونا العام الماضي، والذي أوقد شرارة انهيار غير مسبوق في أسعار الخام.
كما قال الوزير العراقي، خلال مؤتمر صحافي في بغداد، إنّ صادرات العراق النفطية ستبلغ 2.9 مليون برميل يومياً في يوليو/تموز الجاري، في التزام تام باتفاق "أوبك" الحالي، علماً أن صادرات العراق من الخام كانت عند المستوى نفسه في يونيو/حزيران الماضي، وفقا للأرقام الرسمية.
ومن لاغوس، كان رئيس "مؤسسة البترول الوطنية" في نيجيريا وممثل بلاده لدى "أوبك" ميلي كياري، الأربعاء الماضي، قد توقع أن ترفع المنظمة الإنتاج كي تُبقي أسعار النفط عند مستوى يمكن للعملاء تحمله، مشيراً في مقابلة مع القناة الإخبارية المحلية "آرايس تي.في" إلى أنّ "الوسيلة الوحيدة لتخفيض الأسعار هي زيادة الإنتاج، من أجل زيادة المعروض"، مضيفاً أنّ "هذا ما سيحدث... أوبك سوف تتدخل".