خفض تصنيف إسرائيل... الأسوأ لم يأتِ بعد

14 فبراير 2024
أول خفض لتصنيف إسرائيل بتاريخها (Getty)
+ الخط -

استغرقت وكالات التصنيف العالمية نحو 4 أشهر من التسويف والمماطلة، لتقرر بعضها خفض تصنيف دولة الاحتلال الائتماني، في حين احتاجت لأقل من أسبوع واحد فقط لخفض تصنيف روسيا على خلفية خلفية المخاطر الناجمة عن غزوها أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

فأخيراً أعلنت "موديز" الدولية، خفض تصنيف إسرائيل الائتماني للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية، مع توقعات مستقبلية سلبية، وذلك رغم حالة الترهيب التي مارستها الحكومة الإسرائيلية ضد الوكالة في الأسابيع الماضية.

ورغم هذا الخفض الذي أعقب أكبر فشل أمني وحربي في تاريخ الدولة العبرية، وخسائر فادحة على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي، فإن شركات التصنيف العالمية الرئيسية الأخرى ومنها، "ستاندرد آند بورز" و"فيتش"، لا تزال تخشى الاقتراب من تصنيف إسرائيل، وعاجزة عن اتخاذ أي قرار بشأن خفض تصنيف دولة الاحتلال، رغم المخاطر العالية، والتحديات الهائلة الناتجة عن كلف الحرب، والعجز الكبير في الميزانية العامة، وهروب الاستثمارات، وتهاوي إيرادات الدولة وأنشطة حيوية، منها السياحة، والاستثمار المباشر، وقطاع التقنية الحيوي.

وبغض النظر عن هذا العزوف فإن قرار "موديز" كان كافياً لإحداث ارتباك شديد داخل الدولة العبرية، وهو ما تُرجم في الهجوم الشديد الذي شنّته حكومة الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو ووزير ماليته على وكالة التصنيف والتشكيك في مصداقيتها وتقاريره.

يزيد من تأزم الوضع أن إسرائيل تخشى بشدة من قيام الوكالات الكبرى الأخرى بخفض تصنيفها الائتماني قريباً، على خلفية تدهور الوضع الأمني والجيوسياسي والاقتصادي، بسبب استمرار الحرب على غزة وكلفتها العالية، وبوادر فتح جبهة أخرى في لبنان.

وهو ما يفتح عليها أبواب جهنم، حيث يشكك خفض التصنيف في متانة الاقتصاد الإسرائيلي، ويسقط الهالة المرسومة حوله منذ عقود، ويثير حفيظة المانحين الدوليين، ويقلق ما تبقى من استثمارات أجنبية، ويُعقد من مهمة حصول إسرائيل على قروض خارجية ضخمة ورخيصة لتمويل المجهود الحربي.

كما يعقد من إعادة الأنشطة الاقتصادية داخل دولة الاحتلال لمسارها الطبيعي، عقب انتهاء الحرب على غزة، ويشكك في قدرة البلاد على العودة بسرعة إلى تحقيق النمو السريع والمرتفع للاقتصاد والانتعاش والازدهار كما كانت تروج على نطاق واسع قبل اندلاع الحرب.

من المؤكد أن خفض تصنيفها سيؤدي إلى فشلها أيضاً في إقناع العالم بصلابة اقتصادها، وإقناع المستثمرين بجدوى ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد المتردي

لنتجاوز قصة نفاق وكالات التصنيف لإسرائيل طوال ما يزيد عن 130 يوماً، رغم الانهيارات الكبيرة التي شهدها اقتصاد دولة الاحتلال منذ انطلاق الحرب على غزة، والكلفة الضخمة التي تتحملها دولة الاحتلال عن استمرار الحرب، وتردي الوضع الاقتصادي، وضخامة قيمة تمويل المجهود العسكري، والبالغة 70 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 260 مليار شيكل. ونبحث في تأثيرات الخطوة على مستقبل اقتصاد الكيان وثقة العالم به.

فمن المؤكد أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يشهد الأسوأ بعد، في ظل التغيرات الدراماتيكية المتوقعة في المشهد السياسي، عقب انتهاء الحرب، والكشف عن الخسائر الحقيقية، سواء على المستوى البشري أو المالي، واهتزاز ثقة المستثمرين في إسرائيل.

والمؤكد أيضاً أن خفض التصنيف ما هو إلا بداية لأزمات وتخفيضات أخرى في الطريق، وكما أن إسرائيل فشلت في إقناع العالم بأنّها صاحبة الجيش الذي لا يقهر، وأنها واحة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأنها الأكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي، وسط منطقة عالية المخاطر، فإن من المؤكد أن خفض تصنيفها سيؤدي إلى فشلها أيضاً في إقناع العالم بصلابة اقتصادها، وإقناع المستثمرين الأجانب والخليجيين بجدوى ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الإسرائيلي المتردي، في ظل التحديات القائمة، وفي مقدمتها حالة الغموض الشديدة بالنسبة لمستقبل الكيان نفسه، والمخاطر الاقتصادية والاجتماعية العالية والبيئة الأمنية الضعيفة وبالغة التردي.

المساهمون