قالت مصادر تركية إنّ حكومة البلاد أعدت "خطة كاملة" للتعامل مع أي خسائر اقتصادية محتملة ناجمة عن تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، خصوصاً ما يتعلق بقفزات أسعار الطاقة وتأثيراتها في مختلف القطاعات الإنتاجية والمعيشية.
وتراجعت العملة التركية بنحو 6% خلال أقل من أسبوعين، لتصل إلى نحو 14.3 ليرة للدولار الواحد، أمس الثلاثاء، مقابل 13.5 ليرة مقابل للدولار، خلال بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في الأسبوع الأخير من فبراير/ شباط الماضي.
وسبّبت الحرب كذلك ارتفاعاً في أسعار العديد من السلع الغذائية في تركيا، مع ارتفاع الطلب عليها، كالزيوت والمعكرونة والسكر، فيما شهدت المحال التجارية في بعض الولايات طوابير من المشترين، للحصول على الزيت.
ورفعت الحكومة أسعار المشتقات النفطية مرتين، وسط توقعات بمزيد من زيادة الأسعار، خصوصاً مع القفزات التي سجلها سعر النفط الذي وصل إلى 130 دولاراً للبرميل، يوم الاثنين الماضي، مسجلاً أعلى مستوى له في 14 عاماً.
ونقلت صحيفة "ملييت" التركية، أمس، عن رئيس مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، نيل أوباك، قوله: "ستدخل تركيا في بعض المشاكل نتيجة لتأثرها بالحرب على أوكرانيا، وستكون هذه المشاكل في الناحية الاقتصادية بالمجمل" مضيفاً: "ننوي اتخاذ إجراءات جديدة من أجل حماية مستقبلنا".
وأشارت وسائل إعلام محلية إلى لقاءات وتنسيقات مستمرة، بين وزارات الاقتصاد والمالية والطاقة والزراعة والسياحة، بالتزامن مع "حملات الطمأنة" التي تنشرها الحكومة، حول وجود مخزون من السلع، ولا سيما القمح.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي التركي مسلم أويصال لـ"العربي الجديد" إنّه "في حال اتساع المعارك واستمرار العقوبات الغربية على روسيا، سنرى أسعاراً للمواد الأولية لم يشهدها التاريخ من قبل"، لافتاً إلى أنّ روسيا تلوّح بوصول سعر برميل النفط إلى 300 دولار في حال فرض المزيد من العقوبات عليها.
ورجح أويصال أن تتحمل الحكومة تبعات ارتفاع أسعار النفط العالمي "ولو جزئياً"، من خلال زيادة دعم السلع، وذلك بالتوازي مع التدخل المباشر في السوق، سواء من خلال توفير سلع بأسعار منافسة أو ملاحقة المحتكرين.
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي خليل أوزون، أنّ "الإجراءات الحكومية ستتنوع لتنطلق أولاً من فتح خطوط جديدة لتوريد المشتقات النفطية والحبوب، لتفادي أيّ طارئ إذا استمرت الحرب وتصاعدت العقوبات لتصل إلى وقف صادرات روسيا"، مضيفاً أنّ "خيارات بلاده، بهذا الشأن، كثيرة ومتاحة".
وتوقع أوزون في تصريح لـ"العربي الجديد" إرجاء بعض الخطط، ومنها خفض سعر الفائدة خلال الفترة الراهنة، لتفادي تراجع سعر الصرف، وبالتالي ارتفاع معدل التضخم الذي وصل بالأساس إلى أعلى مستوى له منذ 20 عاماً.
وقال: "قد نرى دعماً مباشراً للمستهلكين والمزارعين والمصدرين"، بهدف الاستمرار في تنفيذ الخطط ومستوى النمو، مشيراً إلى قرار وزارة الزراعة، يوم الاثنين الماضي، بتقديم دعم مالي غير مسترَد للمزارعين خلال العام الحالي في حالة زراعة الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية.
وثمة محللون يرون أنه يمكن تركيا من خلال "خطة الطوارئ" التي تعمل عليها، تحويل الأزمة إلى فرص، إذ قال الخبير الاقتصادي، يوسف كاتب أوغلو: "تركيا باتت اليوم محطة أساسية لعبور المسافرين والبضائع، ما سيعزز ربحية قطاع الشحن والنقل، ويزيد الصادرات والمنتجات من تركيا أو عبرها".
وأشار إلى أنّ القطاع المالي سيكون من المستفيدين من الحرب، بعد استبعاد بنوك روسية كبرى من نظام سويفت المصرفي العالمي، الأمر الذي قد يزيد من إقبال الروس على القطاع المصرفي التركي، من دون أن تدخل تركيا في مأزق الالتفاف على العقوبات الدولية.
وتوقع أن يشهد القطاع اللوجيستي في تركيا نمواً كبيراً لسد احتياجات أوروبا عوضاً عن السوقين الروسي والأوكراني، خصوصاً في قطاعات الأغذية والمعادن.